ولكم يا هيئة السوق المالية في المرور عبرة..

قبل عامين تقريبا ذهبت لتعزية أحد المعارف في وفاة أكبر أبنائه بعد تخرجه الجامعة مباشرة في حادث سير بسبب قطع أحد المتهورين الإشارة الحمراء وهو في أقصى سرعته، وعند تحميلي مسؤولية ذلك لهذا الشاب المتهور وأمثاله الذين تغص بهم المستشفيات بين كسير ومشلول لم يرق لوالد الضحية هذا الكلام، فقال لي وهو يعتصره الألم "إنني أحمل إدارة المرور كامل المسؤولية نتيجة تهاونها في رصد وضبط ومعاقبة المخالفين والذي أدى إلى عدم مبالاة أو خوف هذا وأمثاله من أحد".

حقيقة لم أقتنع بذلك لأنني أعتقد أن المدرسة والأسرة والإعلام شركاء في المسؤولية فكل هؤلاء مسؤولون عن غرس القيم والمفاهيم والقناعات في أذهان الشباب بما يولد لديهم سلوكيات نابعة من مؤثرات داخلية لا خوفا من مؤثرات خارجية ( دوريات المرور مثلا ) .

ولكن بعد الحملة الفاعلة "وأكرر (الفاعلة)" التي قامت بها إدارة المرور بتوجيهات من سمو وزير الداخلية وسمو نائبه وسمو مساعده تشكلت لدي قناعات جديدة، وذلك بعد أن رأيت نتائج تلك الحملة على أرض الواقع، حيث عادت شوارعنا لتكون طرقا أكثر أمنا للانتقال بعد أن كانت ساحات سباق وقتال، وعادت السيارة لتكون وسيلة نقل بعد أن جعلها المتهورون ومن تبعهم أداة قتل نعم اقتنعت بحديث الأب المكلوم بأن المرور هو المسؤول الأول والأخير لأنه القادر على تحقيق ذلك من خلال رصد الفئة المتهورة وضبطها ومعاقبتها لتعود إلى رشدها ، نعم المرور وحده هو القادر على الحد من الحوادث المرورية القاتلة بمنعه قائدي المركبات من مخالفة أنظمة المرور بتطوير قدراته في الرصد والضبط ومن ثم الصرامة في العقاب دون تهاون مع أي شخص لأي سبب كان.

المرور وبفضل قيامه بحملة توعوية شملت مناطق المملكة كافة "حملة يكفي" وقرنها بحملة رصد من خلال أجهزة الرادار والشرطة السرية ودوريات المرور التقليدية وضبط المخالفين ومعاقبتهم بالتوقيف والغرامات وحجز السيارات حققت نتائج باهرة لم يتوقعها أكثر المتفائلين وفي وقت قياسي حتى بتنا ننعم بحركة مرورية هي إلى السلامة أقرب منها إلى الخطر، وأتوقع أن الاستمرار في تطبيقها وتطوير أجهزة الرصد بالكاميرات الخفية سيزيد فاعليتها وتعزيز نتائجها الإيجابية أكثر وأكثر.

إن فلسفة إدارة المرور واضحة، التوعية لتحريك القناعات الداخلية لتكون دافعا للسلوك السوي، والضرب بيد من حديد على كل من تسول له نفسه تعريض أرواح وممتلكات الناس للخطر بمخالفة أنظمة المرور لأي سبب كان. وهذه الفلسفة يمكن تطبيقها في سوق الأسهم السعودية من خلال تكثيف برامج التوعية لجميع المتعاملين في سوق الأسهم وخاصة صغارهم الذين يمثلون السواد الأعظم، وتطوير أجهزة رصد وضبط المخالفين لأنظمة ولوائح هيئة السوق المالية وإحالتهم للجنة فض منازعات الأوراق المالية لاتخاذ أقصى العقوبات الرادعة حيالهم ليكونوا عبرة لكل من يريد أن يعرض أموال المتعاملين للخطر والاقتصاد الوطني في المحصلة.

الدكتور عبد الرحمن التويجري جاء والسوق في حالة إنهيار وقد فقد المتعاملون ثقتهم بهذه السوق التي يتلاعب بها من فقد ذمته وضميره، وها هو يبذل الجهود هنا وهناك في بيئة استثمارية هشة تفتقد إلى مقومات الأسواق المالية الناضجة ونحن نشد على يده ونرجو له التوفيق والسداد. ولقد أسعدنا ما نشرته الصحف عن عزم الهيئة تنفيذ حملة توعوية تشمل مناطق المملكة كافة ولقد أسعدنا أكثر وأكثر تعاون العديد من مؤسسات المجتمع كالغرف التجارية والبنوك والمتخصصين والإعلام السعودي في دعم وتعزيز فرص نجاح هذه الحملة التوعوية، راجين من المتعاملين حضورها والاستفادة منها ليكونوا أكثر قدرة على تنمية مدخراتهم.

وسوف يسعدنا أكثر عندما نسمع أن هيئة السوق المالية بالتعاون مع الجهات الحكومية ذات الصلة قد قرنت هذه الحملة التوعوية بحملة على أرض الواقع لرصد وضبط المخالفين أيا كانوا وإحالتهم للجنة فض منازعات الأوراق المالية لإيقاع أقصى العقوبات بهم رحمة بالمواطنين وبالاقتصاد الوطني. نعم إن إيقاف هؤلاء الذين يغلبون مصالحهم الضيقة على المصلحة العامة عند حدهم سيعجل في نضوج سوقنا وبسرعة غير متوقعة لتكون أكثر أمنا وأقل خطرا على المتعاملين فيها كما عجلت حملة المرور في رفع درجة أمن طرقنا وتقليل درجة خطورتها، وكلي ثقة بأن الدكتور عبد الرحمن التويجري لن يألو جهدا للقيام بذلك، خاصة أن توجيهات مجلس الوزراء تؤكد ضرورة تطبيق الأنظمة بشدة وبحزم.

كاتب اقتصادي
<p><a href="mailto:[email protected]">Abdalaziz3000@hotmail.com</a></p>

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي