علمني الهلال .. رواية البطولة 52!
أجزم أن أكثر الغاضبين من بطولة الهلال الـ 52 هي البطولة رقم 51، تلك البطولة التي لم تستمر أكثر من شهر، ثم طار الهلال من الرقم 51 إلى 52، يوم الجمعة توج الهلال بالبطولة (الرسمية) الـ 52 في تاريخه منذ إنشائه في 1957، أعلن الهلال كسره لرقمه، خذل الهلال الرقم 51، وهزمه شر هزيمة، أقل من شهر هو فاصل الرقمين، تعيي الآخرين السنون، وهم يبحثون عن الذهب، والهلال تعييه الساعات والأسابيع، ترى ما الجديد؟
#2#
الجديد رقم في كل مكان، رقم تاريخي، ورقم جماهيري، ورقم استثماري، وتتعدد الأرقام هنا وهناك، رئيس الهلال ومنذ ثلاثة مواسم وهو لا يتحدى إلا نفسه والرقم، دلف الكيان والرقم صعب،47 لقبا، ماذا عساه يفعل والأرقام في كل مكان، يومها غابت الأسماء، وحضر الكيان، فكانت النتيجة، خمس بطولات متتالية خلال أقل من ثلاثة مواسم، لم يعمل عبد الرحمن بن مساعد لاسمه، عمل للكيان، لذلك حقق الخماسية، حقق مستويات هلالية ثابتة كثبات الرقم (دوري لموسمين)، الثاني منهما (تاريخي) في 26 نزالا متتاليا لم يخسر الهلال، في 48 نزالا خلال موسمين في الدوري لم يخسر الهلال إلا لقاءين فقط، تخيلوا فقط لقاءين! تحول الكيان إلى تحد اسمه (رقم)، فكان الرئيس ومن معه الرقم (الصعب)، الآخرون تعييهم الأسباب والأعذار، ورئيس الهلال يعييه (الرقم)، يريد السادسة، والسابعة ، والـ53 والـ54، ترى، أي الأرقام ستأتي وتضاف بجانب (الأصل)؟ فرجال الهلال هم (أصل) الرقم.
حكايا الهلال مع هذه البطولة متعبة جداً، دوري، ولأول مرة بـ 16 فريقا، في بداية الموسم كانت الأمور تسير إلى حد كبير حسب المؤمل، أنهى الهلال عامه السابق بمكاسب كبيرة، ووصل لدوري الأربعة آسيويا، كان الحديث عن جيريتس أكثر بكثير من الحديث عن الفريق، رحل جيريتس إلى معسكر النمسا، ومعه الفريق، كان الاستعداد جيدا جداً، عاد الفريق، وشارك في أبها في بطولة الصداقة الدولية، بدأ الموسم، انتصار فاثنان فثلاثة، فخسارة آسيوية وضربة موجعة قاصمة للظهر في خاصرة الفريق، ضربة كانت أقوى بكثير من خسارة ''الآسيوية'' كانت تنتظر هذا الزعيم، فـ ''الآسيوية'' ستأتي، لكن كيف لبني هلال أن يأتوا بمثل رئيسهم؟! القرار الأخطر، استقالة الرئيس علناً، لم يحتمل الرئيس مشاهدة آلاف الجماهير وهي تلهث باسم الهلال، والهلال يخذلهم في الدرة فقرر الرحيل، كان القرار صادقاً، عشت تلك المرحلة وأعرف خفايا خفاياها، لم يكن الرجل يناور كما أكد البعض، جلست معه، وسرت معه في تلك الليلة، وكان الحزن عنوان المشهد، لكنه الهلال، ولأنه الهلال، أدركت أن أسرار النجاح تولد من رحم الخسائر، أصر الرئيس على الاستقالة، وتدخلت أطراف عدة ذات (ثقل ووزن)، ورفض الجمهور مجرد الفكرة، تكاتف الجميع مع الرئيس وبعد حين، وتحديداً بعد نزال النصر في الدور الأول، جمعنا الرئيس جميعا في بيته، وتحدث، سمع من الفريق، وسمعوا منه، أدركت في تلك الليلة أن الهزيمة مهما كانت مريرة، إلا أنها لن تثني الزعيم عن مواصلة دربه، كلمات السر قرأتها في عيون نواف بن سعد و(السامي) سامي، أحسستها في قسمات وجوه نجوم الفريق.. رحل جيريتس في أخطر مرحلة، لم يمض من الدوري إلا خمس جولات فقط تزيد أو تنقص، كان الهلال يسير بشكل جيد ومتصدر، لكن الهزة كانت عنيفة جراء رحيل جيريتس، جاء القرار الحكيم، إسناد مهمة تدريب الفريق مبدئياً لستامب راينارد مساعد جيريتس، الاختبار الأول كان أمام الرائد، وتجلى الهلال برباعية، وكان نجم اللقاء شراحيلي، حينها تصدى لركلتي جزاء، الهلال يقلب الموازين، ويخرج بالنقاط الثلاث الأهم، يتعثر الهلال في لقاءين بالتعادل أمام القادسية والأهلي، الأجواء مشحونة.
#3#
الأسماء تتناثر هنا وهناك، أكثر من عشرة أسماء تدريبية دربت الهلال في (عناوين الصحف)، ويستقر التحدي على كالديرون، ذاك الداهية الأرجنتيني، عراب التحدي كان سامي الجابر، مرحلة حساسة جداً، طار الفريق لنجران، وفاز هناك بالثلاثة، وكانت البداية لمرحلة كالديرون، 15 لقاء خاضها هذا الداهية في الدوري تعادل في أربعة نزالات من أصل 45 نقطة، حصل الهلال على 37 نقطة كانت كفيلة تماماً بحسم الأمور، لم تكن الأمور ممهدة إطلاقاً ونجوم الفريق يتساقطون واحداً تلو الآخر، المنافسة (شرسة) حتى لو صورها الآخرون بغير ذلك، مشاركات منتخب في كأس الخليج وآسيا ترهق الأجهزة الفنية والطبية، توقفات، ثم عودة، في بعض تدريبات الهلال كان الغياب هو العنوان الأبرز، النجوم، إما في غرف العلاج، أو في مشاركات وطنية، ومن يعمل في الأندية يدرك مدى معاناة الأندية، طار الفريق لمعسكر دبي، قرار حكيم، في وقت حساس جداًً، طار الهلال لملاقاة شختار الأوكراني، وزيلينا السلوفاكي وزينت الروسي، نزالات كانت الأهداف منها متعددة، لكن أهمها إبقاء الفريق في جو المباريات وتمكين كالديرون من الوقوف على أكبر قدر ممكن من اللاعبين، استمر الهلال في تحقيق النصر تلو الآخر، وقال كالديرون (وجدت في الهلال ما لم أجده في المنتخب السعودي ولا نادي الاتحاد)، البعض أغاظه الهلال في (الميدان) فاختلق القضايا خارجه، قضايا الهلال (المفتعلة) خارج الملعب كانت أكثر بكثير من قضاياه (الحقيقية) في الملعب، قضية أخرى تلوح ، نيفيز، وقصة طويلة تنتهي بإعارته، وقصص أخرى للبديل، وجاء البديل المصري أحمد علي، ضغطوا عليه في البداية، أحصوا عليه أنفاس أنفاسه نفسا نفسا، لكنه كان في الموعد، وقدم المؤمل كالعادة، رحل نيفيز، وبقي الهلال، وسيرحل الجميع، ويبقى الهلال،استطاعت الإدارة الهلالية بمثلثها المرعب (الرئيس – نائبه – مدير الفريق) عزل الفريق تماماً عما يحدث من مناوشات (مستمرة) تهدف لتقويض أركان الفريق خارج الملعب، كان (البعض) يصرخ بقضايا خطيرة في وسائل الإعلام، أصوات تحركها (أصابع) شتى تهم، انتقاص، محاولات استفزاز لنجوم الفريق وإدارته، الدخول في قضايا شائكة جداً ومعقدة، حتى (عقيدة) الرئيس لم تسلم، مطالبات بعدم تسلم (...) للأندية حفاظاً عليهم، يا سلام، قمة الحرص، قصص تبدأ ولا تنتهي، مرة ياسر وأهدافه، ومرة رادوي و(صليبه)، ومرة ولي و(مستوياته)، وأخرى عزيز و(غياباته)، وتطول القائمة، شغلوا أنفسهم بالهلال وألقابه، فانشغل الهلال عنهم بتحقيقها، كانوا يشككون، وينثرون التهم الرخيصة (مجاناً)، وكان كالديرون ومعه السامي (سامي) يعملان بصمت.
يتحدث كالديرون ونجوم الفريق فقط في الملعب، أسماء لامعة قدمها كالديرون للكرة السعودية، محمد القرني، شافي الدوسري، عبد الله السديري، رضوان الموسى، وحسن خيرات، وأسماء أخرى لم يتسن لها المشاركة، أسماء سيراها الهلاليون قريباً من نجوم الفريق، تذكروا رائد الصويلح، ولا تنسوا فهد السبيعي، عز عليهم الاعتراف بأفضلية الهلال في الملعب، فجاءهم اللقب الثاني والخمسون كالصاعقة، وللدوري ألف مليار نكهة عند الهلاليين.
بطولة الهلال الثانية والخمسين تحمل سرا هلاليا خطيرا هذا الموسم من وجهة نظري، قضية آسيا والعالمية، فطن الهلاليون لقضية آسيا والعالمية التي يرددها بعض (المتأزمين) في سياق الانتقاص، أدرك الهلاليون أنها بطولة ستأتي إما اليوم وإما غداً، فلم التفريط في بقية الاستحقاقات والوقوف على استحقاق واحد سيأتي بحول الله.
تغنى (البعض) بابتعاد الهلال (آسيويا)، والهلال سيدها، كان وما زال، وهو ماض نحوها، لكنه وسع الفارق بشكل رهيب في حصيلة البطولات، (البعض) توقفت مسيرتهم منذ أكثر من عقدين، ولم يبق لهم بطولة إلا التغني بعدم (عالمية الهلال)! وهي بطولة تأهل لها الهلال رسمياً في الملعب لا (المكتب)، لكنها لم تقم، هكذا يقول التاريخ والفيفا، لم تقم لأسباب (تسويقية)، خمس بطولات هلالية في أقل من ثلاث سنوات، تصدقون، لم يختف الهلال عن أي منافسة حقيقية في أي بطولة خلال المواسم الثلاثة الماضية،
كنت وما زلت أقول إن الإدارات تحاسب في نهاية فترتها، لكن إدارة الهلال الحالية أجبرتنا جميعاً على كسر هذه القاعدة.
استثمارات مالية، ومنشآت في النادي، ولاعبون أجانب على مستوى عال، وإدارة فنية ومعها إدارة تدرك ما المطلوب منها، وتسعى لتحقيقه، رئيس ونائب رئيس يرسخان لأدبيات الهلال تماماً.
اسمعوا تصاريحهم وأحاديثهم قبل وبعد البطولات، رئيس الهلال يحمد ربه بعد بطولة الدوري الثالثة عشرة في تاريخ الهلال، ويترفع عن التشفي، لو كان غيره لسمعنا العجب العجاب، نائب الرئيس يتحدث عن جماهيره، مدير الفريق يصر على وجوب إنهاء حالة الفرح بسبب آسيا، يعود الرئيس ويقول: (لست راضياً تماماً عما قدم)، يا ساتر، صدارة مطلقة للدوري وجندلة للخصوم في (كل القضايا)، والرئيس ليس راضيا، كأس ولي العهد العاشرة والرابعة بشكل متتال في خزانة النادي والرئيس ليس راضيا، أرقام (الهلال) تكسر بعضها بعضا والرئيس غير راض، أتدرون لماذا؟ بكل بساطة، لأن الهلال لا يهم إلا الهلاليين، ولا يهتم الهلاليون إلا بهلالهم، عايشت الهلال محباً وعاشقاً وعاملاً، وأعرف الكثير من أسراره.
في الهلال لا يصفون حساباتهم على حساب الكيان، في الهلال لا تجد عضو شرف (يبربر) في وسائل الإعلام، في الهلال تجد النجم يزداد نجومية، لأن البيئة (نظيفة) وتساعد على أي نجم على الاستمرار والعطاء، في الهلال تجد الإداري ينجح، واللاعب ينجح، والمدرب ينجح، الكل ينجح في مشروع النجاح.
في الهلال لا تجد الرئيس (يكذب) على جماهيره، ولا (يدلس) عليهم بمبررات (معلبة) لإطفاء غضب الجماهير، في الهلال لا تجد الخطابات (الثورجية) ضد الآخر أبداً، الخطابات (الثورجية) التي تخفي تجارب الفشل والإحباط، تلك الخطابات التي حذرنا منها، ولم يسمعنا أحد، فجاءت بطولة الهلال الـ (52) لتلجمها، في الهلال ليس المهم من ينجح، المهم النجاح، مشروع النجاح لا يمكن أن يقوم على أسم واحد أبداً، في الهلال لا يغارون إلا من الذهب، لا تغري الهلاليين كثيراً الخطابات (الثورجية) ولا (البيانات) العدائية ولا المواقف (التشنجية)، لأن التاريخ ينساها بسرعة.
التاريخ لا يذكر إلا البطل، لذا يرنو الهلال بمؤسسة ورجالاته وجمهوره لذاك اللقب.
يقول علمني الهلال معنى الفرح، علمني الهلال ببطولته الثانية والخمسين قصة المجد والكفاح التي بدأها مؤسس الكيان الكبير شيخ (الرياضيين) عبد الرحمن بن سعيد شفاه الله وعافاه.
علمني الهلال أن الإنجاز لا يخطه الفاشلون ولا تكتبه أيادي (الكارهين)! علمني الهلال أن كل يد صاغت المجد هي يد تبني، وما أكثر بناة المجد في الهلال، بعد المؤسس، يأتي رجال، علمني الهلال كيف أذكرهم وأذكر أمجادهم وأحترمهم وأقف لهم احتراماً وتبجيلاً، أذكر فيصل الشهيل، وعبد الله بن ناصر، وهذلول بن عبد العزيز، وعبد الله بن سعد، ومحمد مفتي، وخالد بن محمد، وبندر بن محمد، وسعود بن تركي، وفواز المسعد، وعبد الله بن مساعد، ومحمد بن فيصل، وعبد الرحمن بن مساعد، ونواف بن سعد، وتطول القائمة وتقصر المساحة الممنوحة وتجف الأحبار، علمني الهلال أن ما بين مبارك عبد الكريم وياسر القحطاني أراجيز مجد عنوانها 52 بطولة ذهبية على أرض الشرف، علمني الهلال أن الأسماء تأتي وترحل ويبقى الهلال شامخاً، علمني الهلال أن الانتصار الحقيقي يكمن في مواجهة التحديات وتجاوزها، علمني الهلال أن أقدر كل من قدم ويقدم وما زال يقدم من جهده وماله ووقته لهذا الكيان، علمني الهلال كيف أختار (الصديق) و(الخصم) في آن معاً، فما كل من ضحك بسنه صفت نواياه، ولا كل من (اختار) عداوتي اخترناه، علمني الهلال كيف تصاغ قصائد الذهب وروايات الإبداع، علمني الهلال أن الإبداع ليس حكراً على تجارب الحرمان والمعاناة، علمني الهلال كيف يلتف الرجال، حللوا وفكروا وتمعنوا في تلك اللقطة التي حضر فيها الأمير بندر بن محمد والأمير عبد الله بن مساعد وبينهما الرئيس، اقرأوا الرسالة جيداً، علمني الهلال شفرات الرمز، بل علمني الهلال أنه الفريق الرمز، رمز الكرة الآسيوية.