بناء الجسور في مخرجي 6 و7 وفن العمران

تعد الجسور رابطا أساسيا وحلا لمشاكل تنتج في العمران، ويكون الحل ببناء الجسور وسيلة رائعة لتلافي تلك المشاكل واختفائها، ومع التطور الحديث لبناء الجسور لم تعد الجسور خرسانة تصب وأعمدة تنصب، بل أصبحت الجسور فرصة ثمينة لعقد المسابقات المعمارية كي يستلهم المعماريون الإبداع لخيالهم في إنشاء جسور للربط الحسي للمكان مع ما يتجلى من صورة أخرى معنوية لهذا الجسر من تصميم فريد له في إبداع الربط بين هذين المكانين. وينطبع في الذهن أحدث تلك الإبداعات للجسور في الخليج العربي لجسر الشيخ زايد في مدينة أبوظبي من تصميم المعمارية زها حديد، الذي افتتح العام الماضي، ويمثل تحفة معمارية.
والرياض تعيش نهضة عمرانية كبيرة، ونشاهد اليوم حلولا كثيرة لمشاكل النقل كان من أهمها مخرج طريق عثمان بن عفان ــ رضي الله عنه ــ مع تقاطعه مع الطريق الدائري، وكذلك طريق أبو بكر الصديق ــ رضي الله عنه ــ حيث إن مشكلة نقل الحركة في تلك التقاطعات أوجد حلا للطريقين بإيجاد جسور على بعد أكثر من 500 متر على جانبي الطريق كي تنقل الحركة من هناك، وأيضا تكون سببا في اتصال تلك الطرق وعدم انقطاعها وبديلا أقل تكلفة من نموذج الزهرة كما هو في مخرج 8. ومن الناحية العملية يكون هذا الحل أقل تكلفة، لكن تم تغييب عنصر مهم في تلك العملية وهو عمران تلك الجسور وإبداع تصميمها، إذ عني الحل بالجانب الوظيفي ونسي الجانب العمراني الجمالي لتلك الجسور، فلم تجر مسابقة لتلك الجسور، وهي ــ في نظري ــ في غاية الأهمية، إذ تمثل الربط بين جانبي الدائري وهي أيضا تمثل محاور أساسية في مدينة الرياض، والحل الذي تمثل في بناء كتل خرسانية بطريقة تقليدية لا تزال تصب وتنقض حتى اليوم هي طرق ــ في نظري ــ لم تعد صالحة اليوم لبناء الجسور في وسط مدينة حديثة تعتمد على التقنية المتقدمة في البناء والعمران.
والجسور من المشروعات المكلفة ونادرا ما يتم هدمها إذ تبقى لمئات السنين، لذا هي تبنى لتبقى، ومن هنا كان لا بد من الاهتمام بجانب الجمال العمراني للمكان لا أن يكون بناء قويا فقط، كما جرى في تلك المشروعات، حيث إنها بنيت بطريقة تقليدية قديمة استخدمت فيها الخرسانة المسلحة لتحمل الجسر وضخ فيها من الخرسانة المسلحة ما يكفي لبناء سد عظيم، مع علمي أن بناء الجسور اليوم لا يعتمد على الخرسانة، بل يعتمد على الفولاذ في الربط وتكسى بالخرسانة كي تكتسب جمالا في تشكيل بديع.
وتفيد التجارب بأن ما يلغي تلك الحلول المعمارية هو غياب التخطيط المسبق لها وحيث تصبح العملية ملحة للغاية يصبح الحل العاجل لها هو المطلب الأساس، ولذا تأتي الحلول المدنية السريعة ببناء كتل خرسانية تحل الإشكال في وقت سريع ودون تصميم بديع وهي مشكلة يعانيها كثير من المشروعات في الدولة وليس الجسور وحدها فقط، حيث يغيب الجمال المعماري بسبب السرعة لإنجازالمشروعات.
ولأننا سنشهد مشاريع كثيرة في مستقبل الأيام لحل مشاكل الحركة في المدينة فإنني أقترح لتلك المشروعات ما يلي:
1- عمل دراسة ومسح للتوقعات المستقبلية لهذه التقاطعات والجسور التي سيتم إنشاؤها في مستقبل الأيام وذلك لحصرها وترتيب أهميتها، ما يساعد على تكوين صورة واضحة عما يمكن طرحه كتصميم لأهميته كأهمية الربط الذي يربطه، فمثلا الجسر الذي يربط جامعة الأميرة نورة، لو تم تصميمه مع المشروع ربما يكون ذا شكل مختلف تماما لكون هذا الجسر رمزا لتلك الجامعة.
2- أن تجرى مسابقة معمارية للمهم من تلك الجسور على أن تبنى بطرق حديثة وأن تراعى فيها التكلفة وأن تكتب لها فلسفة لتصنع من الجسر حكاية، ستخلد بهذا الجسر.
3 - رصد ميزانيات لتصميم الجسر وإبداع حل معماري له قبل رصد ميزانية لبناء الجسر، فالبناء محصلة التصميم ومن دون التصميم يكون التخبط في العمل كما هو حاصل في تلك المخارج.
إن الجسور أحد أهم المعالم المعمارية للمدن الحديثة وإن العناية بتصميمها بشكل رائع يزيد من وهج المدينة ويكون سببا في رسم أجمل صورة لها ويعطي انطباعا رائعا للمدينة ككل بربط أجزائها بطريقة سلسلة، وفي كل مدينة هناك جسر يربط بين أطرافها ويحل مشاكلها ويبهج عيون ساكنيها.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي