أين الخلل في القطاع الخاص السعودي؟

تقوم كل النظريات الاقتصادية والإدارية على وجود قطاعين هما القطاع الخاص والقطاع العام, وأن تطوير ونمو أي مجتمع يتحقق من خلال شراكة وتعاون القطاعين وتحديد دور كل منهما، ويعود حجم وهيمنة كل قطاع على عدد من العوامل الداخلية والخارجية المؤثرة في اختيار المجتمع. ويرى الكثيرون أن هناك قطاعا ثالثا له دور مهم أخذ في التزايد ألا وهو القطاع الأهلي (المدني), بينما يرى البعض أن القطاع الثالث يدور في خيارات المجتمع الأساسية الممثلة في قطاع خاص وقطاع عام, إلا أن المؤكد هو أن تأثيرات قرارات القطاعين الأولين هما الأساس في مسيرة ومستوى التنمية والتقدم لأي مجتمع. ولقد تزايد دور القطاع الخاص خلال الخمسين سنة الماضية، وأصبح ينظر إليه على أنه المنقذ لمشكلات المجتمعات مثل البطالة، وعدم كفاءة استثمار الموارد وضعف الإنتاجية ورداءة المنتج. كما اعتبر القطاع الخاص الأقدر على جلب الاستثمارات وحسن التعامل معها.
لقد قامت الفلسفة التنموية للمملكة على وجود القطاعين جنبا إلى جنب مع إعطاء دور متزايد للقطاع الخاص مع مرور الزمن, حيث أكدت هذه الرؤية الخطط الخمسية ابتداء من عام 1390هـ (1970) وصولا إلى الخطة الخمسية الحالية. أي أن لنا 40 سنة، ونحن سائرون في طريق معالمه واضحة, وبالتالي نتائجه يجب أن تكون أكثر وضوحا على أرض الواقع. هنا يصبح السؤال مشروعا: هل عالج القطاع الخاص مشكلات واحتياجات المجتمع السعودي من بطالة واستثمار كفؤ للموارد؟ إن الإجابة البديهية التي لا تحتاج إلى كثير ذكاء هي لا, مع وجود الاستثناءات، سواء في شركات خاصة 100 في المائة أو الشركات شبه الخاصة التي تدخل الحكومة في ملكيتها .. إن الكثير من الدراسات والتقارير تؤكد هذه الفاجعة التنموية. وما تقوم به الحكومة من جهود وإصدار للأنظمة لمعالجة الخلل أصبحت أكثر وأكبر مما يقوم به أصحاب البيت (رجال الأعمال) لتطوير القطاع ووضعه في موقعه السليم ليكون قائدا للتنمية. وهنا يحق لنا أن نسأل السؤال الثاني: ما أسباب عدم وصول القطاع الخاص إلى طموحات متخذ القرار والمواطن العادي؟ في رأيي المتواضع أن هناك عدة أسباب منها:
1- الخلط الحاصل بين مفهوم رجل الأعمال ورجل المال واعتبارهما شيئا واحدا مع أن الفرق بينهما كبير, فما يشار إليه دائما عند الحديث عن القطاع الخاص يتعلق بوجود رجال الأعمال, أما توافر السيولة والمال فهو وسيلة لبناء القطاع الخاص، وليس هو القطاع نفسه. وهنا أتوقف عن استكمال الحديث وأترك الأمر لذكاء القارئ, لأن في فمي ماء, كما يقال.
2- تداخل الملكية والإدارة في معظم مؤسسات ومكونات ما يسمى القطاع الخاص السعودي, حيث هناك قناعة لدى معظم رجال المال لدينا لإدارة مؤسساتهم وشركاتهم بأنفسهم أو أبنائهم وعدم استقطاب الكفاءات الإدارية المتخصصة.
3- هامش الربحية العالي في النشاط الاقتصادي السعودي, خاصة إذا كانت المشاريع من قبل الحكومة, وبالتالي لا تواجه مكونات القطاع الخاص تحدي قوى السوق التنافسية وما يتبعها من ضرورة وجود الكفاءة العالية إدارة وتسعيرا وجودة.
4- عدم التخصص في نشاط واحد أو اثنين, لذا قد نجد رجل مال تتعدد نشاطاته في مجالات كثيرة وفي بعض الأحيان متعارضة تصل إلى تملك مصنع ومغسلة ملابس ودكان حلاقة ولا يجد في ذلك غضاضة, بل يعتبر ذكاء وتنويعا للاستثمارات.
5 - التستر وما أدراك ما التستر الذي ينخر في عظام الاقتصاد السعودي. وهنا يجب أن نكون صريحين بأن التستر لا يقتصر على الأنشطة الهامشية, بل قد يصل إلى أنشطة رئيسة, ولعل فتح الباب للاستثمارت الأجنبية أظهر بعضا من جبل ثلج التستر, وقد تكشف السنوات المقبلة بقية الجبل.
إن الرغبة الصادقة لإيجاد قطاع خاص حقيقي يكون رائدا وفاعلا في مسيرتنا التنموية تحتم على متخذي القرار معالجة السلبيات التي أشرنا إلى بعضها، وقد يكون غيرها كثير يستطيع المتخصصون كشف المستور عنها. نعم القطاع الخاص خير من يحقق الكفاءة في استثمار الموارد وزيادة رفاهية المجتمع وتقديم السلع والخدمات بسعر عادل, لكن لنكن أكثر صدقا وشفافية, إنه غير ما نراه الآن على أرض واقعنا.

ماذا لو؟
ماذا لو قصرت ممارسة العمل لأي محل تقل مساحته عن 100 متر مربع، ولأي مهنة على السعوديين فقط, وبالتالي نضرب عصفورين بحجر واحد, حيث نزيد فرص السعوديين الراغبين في العمل بأنفسهم بإعطائهم ميزة ونقلل من حجم تكاليفهم. وفي الوقت نفسه نطور ممارسة غير السعوديين لتصبح مؤسسية قابلة للتطوير, وتطبيق الأنظمة والشفافية, يضاف إلى ذلك أن مساحة المحال الكبيرة ستؤدي إلى القضاء على المحال ذات الفرد والفردين التي تفترس اقتصادنا وشوارعنا.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي