(خـــذها من قصيـــرها)

<a href="mailto:[email protected]">abubeid@binzagr.com.sa</a>

تخللت محطات سفري وتنقلاتي الخارجية، منذ بحث السبت الماضي 6/5/2006، تسلم عدد من ملاحظات طيارة تتعرَّض لكثير من جوانب حياتنا الاجتماعية والاقتصادية، ولا تتعلق بمتن موضوع البحث مضيفة إلى ملكتنا الشعرية أبياتاً توضِّح أننا في واقع الأمر أكثر انشغالاً بالشأن الداخلي وبأنفسنا أكثر مما ندري أو نفصح به حتى لأنفسنا وواقعين (لشوشتنا) في هموم تمنع التفكير فيما يتعلق بمستقبل الأبناء والأحفاد. واضح أن بحث السبت الماضي ضيَّق صدر المواطن أحمد محمد الجهني ودفع برسالة في 8/4/1427هـ الساعة 11.01 صباحاً (السعودية) تقول "هل سمعت عن لجنة مشكلة لدراسة خفض رواتب موظفي الهيئات والمؤسسات الحكومية. مثل هيئة تنظيم الكهرباء والإنتاج المزدوج وهيئة السياحة، وهيئة الاتصالات وتنقية المعلومات، وربطها بنظام الخدمة المدنية (العقيم) في حين أن إنشاء هذه الهيئات كان ضمن أحد استراتيجيات المجلس الاقتصادي الأعلى الذي أكد على ضرورة استقلال هذه الهيئات إدارياً ومالياً".
مبررات الموضوع الذي يثيره المواطن السعودي كثيرة ومتعددة، وتتأثر بالمصلحة الخاصة قبل العامة، والفلسفة النظرية والجوانب العملية مما يجعل متابعته حيوية لأهميته ومن دون اعتبار لمبررات إثارته. اللجان وتكويناتها موضوع لم تكن مقبولة في التركيبة الإدارية لتصريف الأمور مع بداية النهضة الاقتصادية السعودية التي أرسى معالمها المؤسس المغفور له الملك عبد العزيز ومُستهجنة من القيادات التي سارت وفقاً لهوية ترسيخ النهج الاقتصادي الوطني السعودي الحديث لنصف قرن مضى ورافعة راية "إذا أردت أن تعطِّل عملاً فكوِّن له لجنة". المفارقات بين الإنجاز والتطلعات، ربما تفسرها كثرة اللجان، ولا قرار هو قرار توالدها مثل (البساس) ليزيد من أعداد اللجان و"البساس"، ومن دون فائدة للاقتصاد الوطني. الحملة على (بساس) المدينة دون مداخلة على اختصاصات الأمناء ورؤساء البلديات، لا تحتاج إلى لجنة لنظافة المدينة، وربما تخفيف تراكم اللجان إدارياً منطقي وتقدمي ضمن منطلق تركيز المسؤوليات والصلاحيات على الجهات المسؤولة لتقديم الخدمات المقننة بالتكلفة المقدرة في الأوقات المحددة.
نجاح القرارات السعودية خلال نصف قرن مضى تأثَّر كثيراً بالنهج الذي نرغب السير عليه، وصولاً لما نريده ونرغبه ونطوع ملكات وهبنا الله وقدرات موفرة لثروات سخية حلَّت علينا مسخرين العلوم الغربية الحديثة للتطويع وفقاً لمفاهيمنا. الأمور التي نحن عليها في إجمالياتها جيدة، وتعتري بعض مناحيها ونواحيها نواقص وأضرار ربما نتيجة قصور أو تغير في تركيبتنا الاجتماعية وعلاقاتنا بالعالم الخارجي المتغير. معرفة الأسباب والمبررات مهمة للغاية، لكن حقيقة الواقع الاجتماعي الاقتصادي أهميته أكثر خاصة والمملكة السعودية قبلت لاقتصادها واجتماعياتها أن تكون ضمن الجسم الاقتصادي العالمي وفقاً لقواعده وفلسفاته وقيمه ضمن اتفاقيات دولية أهمها اتفاقية التجارة العالمية، وأصبحت العضو 150 العامل في توفيرها (لمناكفة) أعضاء النادي المستجدين، وأن أي إخلال بالتنظيم الداخلي للنادي يعرِّضها "للفصل"، وأي مخالفة في تعاملها التجاري والإنمائي والعلمي والأخلاقي والأدبي.. إلخ مع باقي الأعضاء تتولاها لجان مطولة للفصل وعدم الالتزام وفقاً (لثقل دم) عضو النادي دولياً وتفرده.
ضمن روح تنظيمات اتفاقية التجارة العالمية والمفهوم الاقتصادي الجديد وانتشار العولمة دولياً، وعلى الرغم من معارضات تكوينات بورت البجروا وسياتل .. إلخ وواقعية المماطلة التي عليها البشرية خدمة لشعوبهم ودفاعاً عن مصالح بلادهم، فليس هنالك قبول "اللجان" حلولاً للمماطلة في تغطية (خساسة) تخلُّف تحقيق الاتفاقيات الدولية في التجارة والتنمية ونهوض الاقتصاديات المتخلفة وتقليل سيطرة الدول الصناعية الخانقة من جهة، واتباع نظام صارم لفصل العضو عند تخلفه في اتباع التعليمات الداخلية "للنادي" الذي التحق به بعد مفاوضات ومنازعات دامت أكثر من عشر سنوات. النظرة من جانب العلاقة الجديدة دولياً في التجارة والتنمية والملكيات والاختراعات ما زالت قائمة على التقوقع الذي بقينا عليه لنصف قرن، وقناعاتنا باقية أن (العالم الغير) نأخذ منه ما نريد بفلوسنا وفقاً لشروطنا، بينما العالم يجسِّد اقتصاد العالم الجديد باتفاقية التجارة العالمية حتمية توافر الفرص، وزوال مفهوم "فرش الموائد والصُفَر" بمقابل ومن دون مقابل وإتاحة الفرص والمجالات للعمل والتأهيل بلا حدود وقيود خلاف التمسك الشخصي بالأديان والعقائد والتزود بالعلم والمعرفة الغربية وتطبيقاتها بطرق محلية.
الصوت الذي رفعه الأخ الجهني صداه اجتماعياً يتردَّد في مجالات كثيرة، لأن الكل يطلب من الغير النهي عما يسمح لنفسه عمله. الجسم الاقتصادي الوطني يتقارب في حركاته وتحركاته، مع جسم الإنسان وتفاعلاته مرتبطة من أصابع القدمين إلى داخل عقله وفكره مروراً بقلبه لتتناغم بوتيرة متواصلة منتظمة لتبعدها عن التعب والهوان. لا يمكن أن يترك لكل مواطن منا الحكم على حقيقة نفسه. لا بد من تغير فلسفتنا تجاه بعضنا البعض خدمة لاقتصادنا الوطني الاجتماعي في ضوء الاتفاقيات المعقودة والآمال للأجيال القادمة ضمن الفرصة الآتية للقائمين عليها. لا بد من تحرير "نظم التعاملات"، وضمان عدالة وسرعة التنفيذ لإصلاح التعاملات المالية والتجارية والتنموية من سوق المال إلى سوق الخضار ولجميع الهيئات واللجان.
تكاثر قيام الهيئات واللجان، نتيجة تداول المعاملات والتعاملات لأجيال مع الظل، والهروب من المواجهة نحو الهدف. كثرة اللجان من داخل البيت يضعف من كيانه، ويقلل من شأنه بين العامة والخاصة، ويزيد من "الكرب" توسع دائرة التعامل، الذي يمتد للمجتمعات والشعوب والأمم. إثارة الاهتمام والتعليق فيما يتعلق بقرار تكوين لجنة متخصصة لمتابعة تنظيمات اتفاقية التجارة العالمية، ليس الرأي المتفرِّد العظيم الشأن، بقدر كونه مجهودا مخلصا في مواجهة أبواب مغلقة ضمن متابعة أمور مصيرية ومهمة من جانب معالي وزير التجارة والصناعة، في غياب قناعة تولي الجهات الحكومية المسؤولة لأهمية واجبات متابعة الاتفاقية بدلاً من قيام لجنة متخصصة. أوافق المواطن الجهني أن ما تبطنه أقوالي أبعد بكثير مما توضحه أقوالي وتخفيه أفكاري ومخاوفي، وعذري أن البحث يتعلق حصراً باتفاقية التجارة العالمية، والفكر لا يتطرق إلى التغير في طريق التقدم والتحديث أكثر مما أعلنه معالي الوزير، ويحتفظ المواطن السعودي بسريته لقناعته أنه سوف يجد طريقه إلى النور ومن جوانب متعددة.
النهج الذي سمعته منذ شهور مضت عن توحيد التعاملات المالية الشخصية والمكافآت مع اختلاف المسؤوليات، وبيَّنته رسالة المواطن، فجعني لا "لدراسة خفض رواتب موظفي الهيئات والمؤسسات الحكومية"، ولكن للأضرار والفواجع المترتبة على الاقتصاد الوطني وحياة أهله من تطبيقه. لنا في حوادث كثيرة جرت نتيجة تخلف الصيانة والأداء والمراقبة والمتابعة عبرة في أن نحرص على توفير الآليات والتنظيمات المناسبة للعصر الذي نحياه أكثر من التمسك بالورق وضياع المتطلبات. ظروف مخاطر العمل الحكومي في المطارات والكهرباء والسكك الحديدية .. إلخ، قد تتطلب توظيف أجنبي براتب يفوق رئيس الهيئة أو المؤسسة، ولكن روح هذا الفكر وطبيعة النظام لا تقره أو توافق عليه ونقبل باحتمال الكارثة أو التحايل مع "ظل" المشكلة.
دوماً أتذكر مشاهدة مباراة كرة القدم منذ ثلاثين عاماً في مدينة ساو باولو البرازيلية وتعداد سكانها اليوم فوق أربعين مليون نسمة, بين فريق ساو باولو البرازيلي ومنتخب المملكة العربية السعودية الذي كان متفوقاً في الأداء بصورة باهرة واستطاع أحد لاعبيه أن يقطع كرة خطرة ويعرقل اللاعب البرازيلي ويشل حركته مما (قوَّم الملعب) دون أن يُقعده، تشجيعاً للاعب السعودي وجدارته، ولم توقفه إلا قوقعته المعتادة في الاعتذار للاعب البرازيلي لعملته وتسبب سخط الجمهور عليه.
وهنا تتوقف شهرزاد عن الكلام المباح. التنمية حب وسعادة للجميع، واتفاقية التجارة العالمية ستغير أشياء كثيرة من الخارج من الأفضل أن نغيرها نحن بسواعدنا وعقولنا وقليل من الإخلاص من الداخل بأنفسنا. والله أعلم.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي