تحديات مهمة للأعمال في عالم اليوم

<a href="mailto:[email protected]">salihalam@yahoo.com</a>

لا يكاد يمر يوم إلا ويحمل معه تغيرا جديدا يؤثر في جوانب حياتنا المختلفة اقتصادية كانت أم اجتماعية أو ثقافية، وهذه مسألة طبيعية يجب أن نتقبلها ونتأقلم معها لأن التغيير سنة من سنن الحياة. لقد ازدهرت الأعمال وانتعشت اقصادات الكثير من دول العالم بسبب التغيير المستمر، ومعرفة هذه الدول كيفية الاستفادة منه واستثماره إيجابيا لصالح حل المشاكل الاقتصادية وتطوير قطاعاتها المنتجة بشكل غير مسبوق. ولنا درس في دولة كبيرة يحاول العالم بأجمعه أن يستفيد من تطورها الاقتصادي ومن إقامة العلاقات معها إلا وهي الصين. إن هذه الدولة هي نموذج حي للاستفادة من التغيرات التكنولوجية والتحولات الاقتصادية في العالم رغم كون النظام السياسي فيها يبدو مختلفا عن دول العالم الكبرى المتقدمة الأخرى، خصوصا في مجال الاقتصاد. لقد تحولت الصين إلى تحد قائم بذاته للكثير من دول العالم المتقدم اليوم بنموها الاقتصادي السريع والكبير, وكذلك بإمكانياتها الإنتاجية وقدرتها على تصنيع كل شيء. نشرت مجلة "نيوزويك" تحقيقا في بداية التسعينيات حول الإبداع التكنولوجي في دول العالم الثالث وبالذات دول جنوب شرق آسيا، حيث أشارت في فقرة مهمة حول طبيعة الإبداع في هذه الدول قائلة إن الخطر الذي يواجه أمريكا هو أن هذه الدول انتقلت من مرحلة التقليد إلى مرحلة الإبداع الفعلي الذاتي ثم ضربت مثلا في فرع شركة فيليبس في الهند الذي كان الفرع الأكثر تحقيقا وتسجيلا لبراءات الاختراع في العالم. إن هذا الأمر هو تحد جديد في بيئة أعمال اليوم من جملة تحديات أخرى يجب على رجال الأعمال والحكومات أخذها بنظر الاعتبار عند ولوج أي ميدان من ميادين الأعمال. إن القدرة على الإبداع ليست حكرا على بعض الشعوب, ووسائل الإبداع، وأولها التكنولوجيا صارت متاحة لكثير من أبناء شعوب الأرض، فضلا عن سعي الحكومات والشركات لتوفير مناخ يساعد على الابتكار والإتيان بما هو جديد. لقد كانت صناعة بعض الأجهزة والمكائن حكرا على أربع أو خمس دول في العالم في الستينيات من القرن الماضي، لكن لا نجد اليوم دولة ليس بمقدورها إنتاج السيارات بل والطائرات، ناهيك عن الأجهزة الكهربائية كالثلاجات والتلفزيونات وغيرها. لقد أصبحت طرق تصنيع كثير من المنتجات معروفة وشائعة في الكتب العلمية، بل إن مختبرات الجامعات صارت رائدة في توفير الكثير من المنتجات. إن هذه الحالة الجديدة شجعت الدول على خوض غمار صناعات جديدة والدخول في ميادين لم تكن تحلم بدخولها، وربما شعرت بأن هذه الصناعات تفتح آفاقا جديدة لصناعات لا تسمح الدول الكبرى الدول الأخرى بدخولها بوضع حواجز غير معلنة في طريق من يحاول الدخول إليها، مثل الصناعات القائمة على استخدام الطاقة النووية وغيرها من الصناعات. لم يكن فرض الالتزامات الدولية من قبل منظمة التقييس العالمية بهدف تأكيد الجودة فقط للمنتجات المختلفة، فالحزم التي تصدرها هذه المنظمة بدأت توظف لأغراض أخرى.
من التحديات الأخرى المهمة هي المواد الجديدة التي تستخدم في الصناعة، فلم يعد الحديد مثلا هو سيد الصناعة في الكثير من المنتجات، فقد حل السيراميك والبلاستك مثلا محله في العديد من الصناعات كصناعة السيارات وذلك لمزايا هذه المواد. وقد فُتحت آفاق جديدة مع دخول هذه المواد للصناعة، بحيث نرى اليوم أن عدد المنتجات التي تصنع من البلاستك يفوق ما يصنع من أي مادة أخرى، ولعل الدول المنتجة للنفط وعلى رأسها المملكة العربية السعودية يمكن أن تكون رائدة في صناعات كثيرة مادتها الأولية البلاستك والمواد الأخرى المشتقة من النفط خصوصا وأن السعر والجودة هما ميزتان تنافسيتان مهمتان لأي منتج، ولا أعتقد أن هناك مشكلة فيهما في كثير من الصناعات السعودية.
ولا ننسى أيضا التحدي الكبير الذي يجب أن يراعى بشكل خاص، وهو المعرفة والتكنولوجيا، فلا يتطور أي قطاع من قطاعات الأعمال بدون استثمار فعلي للمعرفة. لقد ظهرت حقول علمية كثيرة مرتبطة بالتطور المعرفي، فإلى جانب إدارة المعرفة Knowledge Management هناك ما يسمى بالتنبؤ التكنولوجي Technological Forecasting، فمن يعمل مثلا في صناعة البتروكيماويات لا بد وأن تكون لديه وسيلة للتنبؤ أو التقدير المستقبلي لما سيحصل من تطورات في هذه الصناعة ويكون سباقا لاستثمارها. إن استشراف المستقبل أصبح علما هو الآخر ويدرس في بعض الجامعات، وأقيمت له مراكز خاصة ومجلات علمية، أهمها محلية Futures التي تصدر عن مركز الدراسات المستقبلية في لندن. لقد صار التطور المعرفي شاغلا للدول المتقدمة، فالمعرفة في حقل معين تتضاعف كل سنة وصار من الصعب على المتخصصين أن يطلعوا على جزء بسيط جدا مما يكتب في اختصاصهم خصوصا وأن جميع لغات العالم تصدر بها مجلات علمية لا تخلو من إضافات مهمة في شتى حقول المعرفة، لذا فوجود مراكز رصد للمعارف في مختلف الحقول هو أمر ضروري للأعمال في جميع القطاعات. لا بد من التذكير أيضا بمبدأ الاستفادة من تجارب الآخرين، فالكثير من المجلات العلمية والندوات والمؤتمرات تغص بالدراسات الكثيرة ومنها جزء معتبر يتعلق بحلول عملية لمشاكل تحصل في منشآتنا ونعاني منها, ولو أحسنا الاطلاع على تجارب الآخرين لحققنا فائدة كبرى من ذلك. إن قيمة منظمات الأعمال لا تقاس اليوم بموجوداتها المادية فقط، بل أصبح المخزون المعرفي عنصرا مهما في تقييمها.
أما العولمة وتأثيراتها فهي تحد آخر لا بد من استثمار الفرص التي يحملها في طياته، فالأسواق تفتح لما هو أجنبي ولكن بالمقابل أسواق الغير ستفتح لنا أيضا، وهنا لا بد من الإشارة إلى مفارقة، فالعولمة في جانبها المالي تحث على حركة رؤوس الأموال بدون قيود، ولكنها لا تشجع على حركة العاملين أو القوى العاملة بحرية إلى الدول المتقدمة. المهم أن نحسن استثمار الظرف الذي فرضته العولمة، ولا ننسى أن العولمة رافقتها ظاهرة التكتلات الاقتصادية الكبيرة التي تعطي تسهيلات لأعضاء التكتل الواحد وعليه، فالقيود صيغت بشكل آخر لحماية دول معينة، والمجموعة الأوروبية مثلا تحمي الكثير من صناعاتها بضرائب ورسوم وفرض شروط مختلفة، وعليه يجب معرفة كيفية اقتناص فرص العولمة وسط ضبابية هذه التكتلات وما تفرضه من قيود وشروط. هناك الكثير من السلع أو الخدمات التي يمكن أن تدخل في منتجات الشركات في قطاعات الأعمال المختلفة ضمن الاقتصاد الوطني والتي يمكن الحصول عليها بأسعار رخيصة وجودة عالية, حيث إن هناك من تخصص عالميا في إنتاجها، وعليه فإن التركيز يجب أن ينصب على أجزاء المنتجات التي يمكن أن تتميز فيها الشركة الوطنية، فليس من الحكمة إنتاج كل شيء لمجرد الإنتاج داخل البلد. كما أن العولمة تعني منافسة أشد وعدم قدرة على حماية الصناعة الوطنية بالأساليب التقليدية، خصوصا في الدول النامية، وهكذا فإنها سلاح ذو حدين فمن جانب فيها فرص، ومن جانب آخر فيها تهديدات كثيرة. أخيرا فإن هناك سمة مميزة لعالم اليوم وتحديا قويا للأعمال بأشكالها كافة. ألا وهي قصر دورة حياة المنتج, وهذه ظاهرة أفرزتها التطورات التكنولوجية في مختلف القطاعات الاقتصادية وظاهرة الإبداع التكنولوجي وعمليات الابتكار والاهتمام بأنشطة البحث والتطوير. إن الفترة الماضية بين دخول المنتج للسوق ومن ثم خروجه واضمحلاله هي فترة قصيرة، وهذا يعني أن أداء أي منتج أو وظائفه قد شهد تغيرا كبيرا. إن تجسيد الأفكار ونتائج البحوث بشكل منتجات وبسرعة عالية يفرض على مَن يدخل في أي ميدان عمل مراجعة دقيقة للبيئة وقراءة لدورة حياة المنتج. خلاصة القول إن بيئة الأعمال اليوم هي مختلفة تماما عنها بالأمس، وما هذه التحديات التي أشرنا إليها إلا الأكثر أهمية وهناك تحديات أخرى قد نعود لمناقشتها في مقالة أخرى إن شاء الله.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي