حكاية الأمريكي والهندل.. والماوس!
في ظل وجود 156 ألف وظيفة شاغرة في نظام الخدمة المدنية حالياً، (تركي الصهيل، العدد 11801 من خضرائنا اللندنية، ''الشرق الأوسط'') ...
سأحكي لكم قصة:
تخرجت قبل 20 عاماً تقريباً لأحمل ورقة تشهد أني حاصل على البكالوريوس في أدب اللغة الإنجليزية، وتقدمت للعمل في شركة أمريكية كمترجم .. وتم قبول طلبي فوراً وعينت آنذاك مترجماً فنياً للمناهج على راتب يلامس الآلاف الثمانية، وكانت تصرف بشكل نصف شهري! وبعد أقل من سنة، اصطدمت بطبيعة الإدارة الأمريكية وعنجهيتها في حالات كثيرة، ومنها أن اجتماع السادسة صباحاً بمعية (مستر تشاك) كان يبدأ بوضع قدميه على طاولة الاجتماعات بينما نحن وقوف (الطاقم السعودي) .. ولا ينتهي اليوم قبل أن يمر بأقسامنا ويضرب بكفّه على مكاتبنا ترهيباً .. وإثباتاً لفوقية جندي (أمريكي) سابق .. ولا تستغرب كثيراً لو طُلب منك أن تساعد في إنزال جالونات ماء الشرب بدلاً من قيام ''عامل'' واحد أو اثنين فقط بالمهمة!
المهم، ضقت كثيراً بهذا التعامل، وخطر لي أن أراجع ''ديوان الخدمة المدنية'' في شارع التحلية، آنذاك، وحقاً فعلت! فولجت إلى المكان .. وما كان بيدي سوى ثلاث وريقات كنسخ عن المؤهل الجامعي، شهادة الثانوية وبطاقة الأحوال! وصدقوا ما يلي:
أخرج الموظف ورقة مجدولة يدوياً، وسجل اسمي ومؤهلي .. واحتفظ بالملف! (موفّق .. مع السلامة). في صباح اليوم التالي.. اتصل الديوان بجميع أرقام الهاتف الثابت وتساءل المتصل قائلاً: (وين عبد الله؟). أبلغني جميع سكان الحارة، تقريباً، أن ديوان الخدمة اتصل بعد أن عدت ظهراً .. وكنت في كمدٍ لأني نسيت واحداً من ''جوالين'' الماء في ''دبّة'' سيارة (تشاك)! المهم، راجعت ديوان الخدمة قبل ظهر اليوم التالي، وفوجئت بأن الموظف يخيرني بين: مترجم في رئاسة الحرس الوطني (مرتبة سابعة)، معلم لغة إنجليزية للثانوي، و''ما أدري إيش'' في وزارة الكهرباء..!! بمعنى.. خذ أمر التعيين ودور عليهم و''تنق''!!
بدأت برئاسة الحرس الوطني.. وعندما دخلت بخطاب التعيين الأول.. فوجئت أني سأحل محل كهل مصري جم التهذيب.. ويشغل الوظيفة منذ سنوات! فخجلت أن أكون السبب في قطع رزقه! فاعتذرت من الضابط بلباقة.. ووعدته أن أعاود الاتصال.. غير أني لم أفعل! وراجعت وزارة الكهرباء.. وطلبوا مني المباشرة فوراً.. إلا أنني اكتشفت أن الوظيفة على المرتبة ''السادسة''.. فقلت: ''لاااا.. على مين يا عمّي''!! أنا لن أقبل بأقل من السابعة!!! وانتقلت منهم لوزارة (المعارف) آنذاك... وتعينت معلماً على المستوى الثالث (فقط.. لا ''ضير'').. وبأقل من نصف راتبي عند الخواجات.. إلا أنني استعذبته لأسباب وطنية!!
مرت السنون.. وحصلت على ماجستير اللغة الإنجليزية بعد تركي للقطاع الحكومي! وتزامن هذا مع مروري بفترة وظيفية عصيبة! فقررت أن ألجأ ثانية لملاذي.. ''الديوان''! وعرفت أنه استحال إلى وزارة.. وأن الحواسيب أصبحت تسيطر على المشهد.. وأن كل شيء صار ''إكلتروني'' بالكامل، باستثناء فطور الموظفين وطلبات الشكشوكة طبعاً!! فولجت برأس مرفوع.. وفي يدي ملف ضخم يسبب ألماً في مفصل الذراع من ثقل ما فيه من شهادات وخبرات! وجاء رد الموظف على استفساري كالصاعقة!! حين قال: (قدمت عبر الموقع؟)، أجبت: (نعم! حصل!، ولكن مرت أسابيع.. ولم يتصل أحد!)، فرد قائلاً: (حنّا ما أعلنا عن شي!! راجعنا إذا أعلنا.. أو ريح نفسك وتعال السنة الجاية.. وأنت طيّب!)
للحديث بقية..