الاضطرابات في القاهرة ستجعل بكين أكثر إصراراً على التمسك بالسلطة
يعتقد الكثيرون أن الاضطرابات السياسية الحالية في مصر وتونس والأردن واليمن هي تحذير إلى بكين بأن الحزب الشيوعي الصيني قد يكون النظام الاستبدادي المقبل الذي يتوقع سقوطه. ولكي تتجنب الدولة اضطرابات سياسية مماثلة، ينصح الكثيرون بكين بأن الدولة بحاجة إلى إصلاح سياسي حقيقي وأن الشعب الصيني بحاجة إلى المزيد من الحرية. ولكن معظم القادة في بكين لا ينظرون إلى الأمر بهذه الطريقة. فالاضطرابات الحالية تؤكد للزعماء الصينيين أن عليهم تشديد قبضتهم على السلطة السياسية والاقتصادية وليس تخفيفها.
ولا شك أن بكين تراقب بقلق الأحداث في الشرق الأوسط وإن كانت تلتزم الصمت بشكل غريب. ووفقا لأرقام الحكومة، كان هناك ما يقدّر بـ 125.000 حالة من الاضطرابات الجماهيرية ضد السلطات الرسمية عام 2009. وكان عدد قليل من هؤلاء المتظاهرين يطالبون بالديمقراطية، وبدلا من ذلك كانوا ينفسون عن إحباطاتهم بسبب الاستيلاء على الأراضي، والفساد، والضرائب والجنايات المحلية الباهظة .. إلخ. إلا أن الرقابة الحالية على أي مصطلحات يتم البحث عنها في محركات البحث في الإنترنت، مثل ''مصر'' و''تونس'' و''الاضطرابات في الشرق الأوسط'' دليل على خوف حقيقي من أن الاحتجاجات العفوية واسعة النطاق وطويلة الأمد قد تؤدي إلى إسقاط الحكومة.
وفي حين أن الأحداث في الشرق الأوسط قد تثير قلق بعض قادة الحزب الشيوعي الصيني، إلا أنها ليست مفاجئة لهم. فغالباً ما تكون الحكومات الاستبدادية قاسية ولكن هذا فقط لأنها تدرك تماما استياء وإحباط شعوبها - وهذا بالضبط سبب لجوء تلك الحكومات إلى أجهزة الدولة القمعية لإخماد وتفكيك المعارضة. ولكن في حين يأمل الكثير من المراقبين الغربيين في أن تدفع الاضطرابات الحالية في مصر الحزب الشيوعي الصيني لإعادة النظر بشأن الحفاظ على قبضته الحديدية، فإن بكين تستخلص دروساً مختلفة تماماً من الاضطرابات في الشرق الأوسط.
ويعتمد الأمر على فهم الحزب الشيوعي الصيني للتاريخ الحديث الذي يركز على جوانب مختلفة عنا. ففي الغرب، لم يكن سقوط الأنظمة الشيوعية في الاتحاد السوفياتي وأوروبا الشرقية مجرد نقاط تحول تاريخية ولكنه اعتبر على نطاق واسع انتصاراً سياسياً للرغبة الفردية بالحرية على القمع والحكم التعسفي. وقد كرس الحزب الشيوعي الصيني أيضاً الكثير من الوقت والموارد والقوى البشرية لفهم أسباب سقوط تلك الحكومات. وفي الواقع، فإنه منذ عام 1991، تم إنتاج تقارير عن أسباب سقوط جدار برلين من قبل باحثين في الأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية أكثر من جميع الدراسات الرسمية التي أجرتها الحكومات في الولايات المتحدة وأوروبا. ولكن على الرغم من أن الحزب الشيوعي الصيني لن يختلف بالضرورة مع حقيقة أن الأفراد يريدون الحرية، إلا أنه يحاول جاهداً ضمان نتيجة مختلفة للعبة في الصين.
وقد تعلمت الأجيال الحالية من قادة الحزب الشيوعي الصيني دروساً مهمة عن ضعف الحزب خلال احتجاجات ساحة تيانانمن عام 1989. إلا أن الثورات السوفياتية وثورات أوروبا الشرقية علمت الحزب درسين مهمين.
الأول: عند تحليل هذه الأحداث، تبين لبكين أن 0هذه الأنظمة الشيوعية كانت تعتبر أنظمة لا تتمتع بالكفاءة وغير حضارية ولا تستجيب. ولم تكن الحكومات تحظى بالاحترام وكان يتم الاستهزاء بها واعتبارها هزلية. والأسوأ من هذا هو أن الأنظمة الاستبدادية لم تعد مرتبطة بالنخب الاقتصادية والاجتماعية والفكرية والمجتمعية للدولة. وإذا كانت الحكومات الاستبدادية تريد البقاء في السلطة، فإن الأحداث من 1989-1991 أقنعت بكين أن عليهم إعادة التفاوض بشكل جوهري بالصفقة بين الحكومة والنخب الاقتصادية والاجتماعية. وللقيام بذلك، تم اتخاذ قرار جعل الحزب الشيوعي الصيني مركز الحياة الصينية الاقتصادية والاجتماعية والمجتمعية - ويربط بصورة لا رجعة فيها مستقبل النخب في الصين بالسيادة الحصرية للحزب. وكان هذا نشوء ''الرأسمالية الاستبدادية'' للصين الحديثة. وكانت حقيقة أن القطاع الذي تسيطر عليه الدولة في الصين يقع في قلب الاقتصاد السياسي الحديث هو درس تم تعلمه من الثورات في موسكو وبراغ وبودابست وبرلين، إضافة إلى الاحتجاجات على مستوى الدولة في جميع أنحاء الصين عام 1989.
ثانياً: في الوقت الذي كان فيه المعلقون الغربيون يحتفلون بانتصار الروح الإنسانية الفردية والديمقراطية، توصل الحزب الشيوعي الصيني إلى استنتاج أكثر واقعية وهو أن الأنظمة الاستبدادية تكون في أضعف حالاتها حين تكون في أكثر حالاتها تساهلا. وفي النهاية، لا يمكن للمجتمع المدني المتنوع والمستقل الازدهار إلا إذا توقف المواطنون عن الشعور بالخوف من حكومتهم. وهذا يفسر خوف بكين وعدم تسامحها مع الجماعات غير الحكومية مثل النقابات والمسيحيين وأعضاء فالون غونغ التي ازداد حجمها وعددها في جميع أنحاء المجتمع الصيني. وهذا هو أيضاً سبب التشكك في مواقع المدونات الخاصة التي لديها القدرة على منح الحياة عفوياً للمجتمعات الساخطة الافتراضية. وأخيراً، يفسر هذا لماذا أصبحت الصين أكثر شدة وقسوة على ''المعارضين'' منذ عام 1989 على الرغم من التطور الاقتصادي للبلاد.
ويعيدنا هذا إلى الاضطرابات الحالية في الشرق الأوسط، خاصة في مصر. بالنسبة للحزب الشيوعي الصيني، فقد وقعت هذه الحكومات في المشاكل لأنها لم تنجح في اجتذاب النخب إلى جانبها. فعلى سبيل المثال، من بين أشد المتظاهرين حماساً في القاهرة هم طلاب الجامعات العاطلون عن العمل الذين يطالبون بالتغيير- مثلما حدث في 350 مدينة في جميع أنحاء الصين عام 1989 (الذي كان على نطاق أوسع من ذلك بكثير). ويعد الحزب الشيوعي الصيني أيضاً بيان الجيش المصري الذي تعهد فيه بعدم استخدام القوة ضد المتظاهرين والذي وصف الاحتجاجات بأنها شرعية دليلاً على فشل حسني مبارك وليس علامة على قوة المجتمع المدني المصري. وفي الواقع، بالنسبة لبكين، فقد نظام مبارك منذ زمن طويل ثقته بنفسه وفقد مع ذلك القدرة على ممارسة رقابة مشددة على جيشه. ومشهد المتظاهرين وهم يعانقون الجنود المصريين من أعلى دبابات الجيش دليل على نظام متساهل للغاية وغير منضبط يفقد ''شرعيته الاستبدادية'' وقدرته على البقاء في السلطة.
إن التاريخ معلم عظيم لجميع الحكومات، إلا أن هذه الدروس الحالية تعلّم بكين التمسك بشكل أقوى بالإيمان الاستبدادي النقي بدلاً من التخلي عنه.
خاص بـ «الاقتصادية»
حقوق النشر: opinion Asia