الأعمال الصغيرة بين التعتيم ووجوب الدعم الإعلامي
<a href="mailto:[email protected]">salihalam@yahoo.com</a>
عندما نتصفح الجرائد اليومية أو نطالع النشرات الاقتصادية في التلفاز أو وسائل الإعلام الأخرى فإن الأخبار تتركز على الشركات الكبرى سواء ما كان منها صناعيا أو خدميا والتي تعمل في ميدان الأعمال أو في ميدان المؤسسات الحكومية. هذا الأمر المتكرر يوميا يولد شعورا بأهمية هذه الشركات الكبرى ودورها الحيوي في الاقتصاد. كذا الأمر في أدبيات الإدارة والاقتصاد فإنك تجد أن الأمثلة والحالات الدراسية تتمحور حول شركات كبرى ولا نجد أثرا يذكر للمشاريع أو الأعمال الصغيرة وكأن ليس لها دور في الاقتصاد الوطني، ولو أننا بحثنا في مواضيع المؤتمرات والندوات لوجدنا أن أغلبها تعالج قضايا تخص الشركات الكبرى إلا ما ندر. فالنقابات وغرف التجارة والصناعة وغيرها من الجهات التي اعتادت على تنظيم اللقاءات الاقتصادية وإقامة الندوات وتنظيم المحاضرات تهتم غالبا بشؤون الصناعات والشركات الكبيرة أو مؤسسات الدولة ودوائرها العامة مما يدفع للتفكير بأن هناك تعتيما لا إراديا يجب التنبيه له يجب تشجيع التوسع في التعامل مع موضوعات تخص الأعمال الصغيرة والاهتمام بشؤونها تأسيسا وتمويلا ودعما قانونيا وفنيا. إن هذه الظاهرة – التعتيم – ليست مقصورة على دولة دون أخرى فقد بدأت أساسا في الدول المتقدمة المزدهرة اقتصاديا حيث كان التركيز على المشاريع الصناعية الكبرى ولكن المخاوف من تحول هذه المشاريع إلى احتكار مطلق جعل القائمين على الاقتصاد يفكرون في أن المنافسة الحرة هي التي يجب أن تسود وأن هناك الكثير من السلع والخدمات لا بد من توفيرها للمجتمعات ولا يقدر على ذلك إلا أفراد أو عوائل. من جانب آخر فإن الصناعات الكبيرة تم توظيفها لخلق آلاف المشاريع الصغيرة وهي ظاهرة استفادت منها الدول الكبرى كثيرا بينما لا يزال التفكير في دول أخرى متوجها نحو قناعة مفادها أن المشاريع الكبرى سوف تبتلع المشاريع الصغيرة. صحيح أن إقامة متجر كبير جدا في منطقة معينة يمكن أن يؤثر في المحلات والدكاكين الصغيرة ولكن في المقابل فإنه يخلق فرص عمل أخرى وأعمالا أخرى مختلفة في مجال النقل والتوزيع والتجهيز، وكذا الأمر مع شركات صناعة الحاسوب الكبرى فكم من المشاريع الصغيرة ارتبطت بوجودها. لقد أثير هذا الأمر أيضا عند الحديث عن التكنولوجيا وعلاقتها بازدياد معدلات البطالة حيث اعتبرت التكنولوجيا سببا من أسباب زيادة البطالة ولكن هل فكرنا في عدد الوظائف التي توافرت نتيجة التطور التكنولوجي؟ خذ على سبيل المثال تكنولوجيا الحاسوب، فكم من التخصصات المرتبطة بالحاسوب قد فتحت في الجامعات والمعاهد مثل علم الحاسوب وهندسة الحاسوب وتكنولوجيا المعلومات وغيرها، وعلى مستوى المدارس الثانوية بل الأقل منها تجد أن الحاسوب يدرس فيها الأمر الذي يترتب عليه توفير المدرسين والمختبرات وفنيي المختبرات وغيرها، وكم من مقاهي الإنترنت ومكاتب الاتصال ومعاهد التدريب والبرمجة وتصميم نظم المعلومات قد فتحت بفضل تكنولوجيا الحاسوب. إن هذه الأعمال في أغلبها مشاريع صغيرة والبعض منها عائلي وقد حلت الكثير من المشاكل الاقتصادية. وإذا تحدثنا عن صناعة السيارات فسنجد أن المدينة التي يقام فيها مصنع للسيارات تزدهر اقتصاديا وبشكل غير اعتيادي فالتركيز في المصنع يكون على المكونات والأجزاء الرئيسية للسيارة وباقي آلاف القطع والأجزاء يتم شراؤها من مصانع متخصصة في صناعات مختلفة أغلبها مشاريع صغيرة توظف عددا قليلا من العاملين ومثال واضح على ذلك هو المصنع الذي أقامته شركة Ford في مدينة Valencia الإسبانية، حيث حققت المدينة ازدهارا غير اعتيادي بفضل وجود هذا المصنع في مجال تنمية المشاريع الصغيرة والصناعات التي تخصصت في تصنيع وتوريد قطع متنوعة للمصنع، حيث بلغ عدد هذه المشاريع ما يقارب 3700 مشروعا صغيرا. بعبارة أخرى، إن الخوف من عدم القدرة على المنافسة الذي يفترض وجوده في بعض الصناعات أو الأعمال التجارية، قد تحول إلى حاجة من قبل الشركات الكبرى للمشاريع الصغيرة.
من خلال ما تقدم، نود لفت الانتباه إلى ضرورة دعم المشاريع الصغيرة وتشجيعها من خلال الاهتمام الإعلامي بها. لا ينكر أن هناك مؤتمرات تعقد بين الحين والآخر وجهودا تبذل في شكل ورش عمل أو لقاءات للتعريف بدور هذا النمط من الأعمال ولكنها لا تزال غير كافية ولا تتناسب مع أهمية الأعمال الصغيرة في الاقتصاد و في حل مشاكل مهمة في المجتمع، ثم إن كثرة عددها غير الطبيعي مقارنة بغيرها من أنواع الأعمال يتطلب مزيدا من التركيز الإعلامي المنظم. إن متابعة أنشطة الجهات المسؤولة من الأعمال الصغيرة ونشر أخبار النجاح الذي حققته الكثير من الأعمال التي تجاوز بعضها السوق المحلي و دخل وبنجاح على السوق العالمي يوفر دعما غير مباشر لجميع الأعمال الصغيرة. ويحضرني هنا أمر مهم يتعلق بواحدة من السمات المهمة للأعمال الصغيرة فكثيرا ما نرى إعلانات أو أخبارا عن افتتاح مطاعم صينية وهندية وإيطالية وغيرها وعن عيادات طبية تعالج أمراضا معينة بطرق مختلفة وكذا عن محلات تجارية تتخصص في توفير سلع أو خدمات لجاليات معينة، إن هذا يعني أن هناك دورا مهما للأعمال الصغيرة في التنوع الثقافي وسببا في ازدهار الأعمال بشكل عام. فالجاليات المختلفة لها عاداتها في الأكل والملابس والتراث الخاص بها وهي تبدأ أعمالها بالتوجه إلى أبنائها أولا إلا أننا سرعان ما نجد أنها توسعت وصارت محط أنظار أبناء البلد ويكفي أن نشير إلى مطاعم معروفة ارتبطت بأسماء مؤسسيها الذين ينتسبون إلى بلدانهم وهي تقدم أكلات شعبية ولكنها تعتبر أعمالا صغيرة حققت نجاحا باهرا. إن هذه الأمور على بساطتها لكنها ترفد الاقتصاد الوطني بما تسهم به هذه الجاليات أو الثقافات الأخرى في فتح آفاق عمل جديدة ومتنوعة. كذلك أود أن أشير إلى إمكانية دعم المشاريع الصغيرة بالاستفادة من دور الملحقيات والمكاتب التجارية في السفارات في الدول المختلفة، فالكثير من الدول اعتمد هذا الأسلوب للاستفادة من تجارب الآخرين في كيفية دعم وتنمية المشاريع الصغيرة ويمكن أن تنشر بعض هذه التجارب في الصحافة ووسائل الإعلام كذلك الحال مع إمكانية توجيه الناس عند سفرهم في الصيف للسياحة أو عند سفرهم لإنجاز أعمال أو الدراسة بالاستفادة من السفر في الاطلاع على ما يتعلق بمهنهم أو أعمالهم أو صناعاتهم. أرى هنا في عمان أن كثيرا من السياح يشترون بعض المواد أو العدد بكميات توحي أنه يستفيد منها في عمله حيث إنها هنا أرخص بكثير من بلاده وقد حاورت أحدهم فأجاب أن من ميزات السفر تحقيق منفعة اقتصادية. لقد فتحت الصحافة في الدول الغربية خاصة آفاقا كثيرة أمام المواطنين في بلادها عن طريق تخصيص صفحات تدعم أنشطة الأعمال الصغيرة وتقديم تجارب الشعوب وكيفية معيشتهم بطريقة تجعل الكثيرين يفكرون في مشاريع تستوحى من هذه التجارب. لا أقول إنه ليس لدينا اهتمام بالمشاريع الصغيرة في صحفنا وإعلامنا ولكن لا يزال دون المطلوب. إن الجامعات والمعاهد تقدم الآن مقررات خاصة بهذا النوع من الأعمال وهناك جمعيات وجهات داعمة لها ولكن الدعم الإعلامي والصحافي مهم جدا في التوعية بأهمية الاعتماد على النفس والاستفادة من الطاقات الكامنة لدى الكثيرين وإثارة السؤال المهم: إلى متى أعمل لصالح الغير؟ ولماذا لا ابدأ مشروعي الخاص بي؟ إن طبيعة اقتصاد المعرفة والتطور التكنولوجي الهائل يشجع على إقامة هذه المشاريع ولا نريد أن نذكر المزيد من القصص عن الشركات الكبيرة التي اكتسبت ضخامة الحجم بعد أن بدأت صغيرة أو كانت دكانا يديره فرد واحد. نأمل من الصفحات الاقتصادية في جميع الصحف وكذلك وسائل الإعلام الأخرى أن تقدم الدعم للأعمال التي يحتاج إليها المجتمع والاقتصاد من خلال متابعة أنشطتها وأخبارها وهناك الكثير من الناجحين في أعمالهم الصغيرة ممن يستحقون بضعة أسطر في صفحة الاقتصاد.