البطلة جميلة دائما
يمثل الإعلام اليوم قوة فعالة لتغيير العوامل السلبية في البنية الاجتماعية التي تشكل رؤية الرجال لطبيعة المرأة وفكرة النساء عن ذواتها، وطبيعة الأدوار التي تشغلها، وعلاقتها بالرجل وبمجتمعها بوجه عام؛ مما يجعله مرجعا نوعيا مهما في تعزيز سعي المرأة العربية نحو إثبات ذاتها داخل مدارات هويتها المتعددة: كامرأة، وجزء من أسرة وجماعة، وكمواطنة، وكصاحبة انتماء حضاري خاص، لكن معظم الدراسات تشير إلى أن وسائل الإعلام في الوطن العربي لا تلبي سوى 33 في المائة من احتياجات المرأة، وأن نحو 80 في المائة مما يقدم عن المرأة هو صورة سلبية تقليدية عن مدارك المرأة العقلية وأخلاقها وأدوارها المختلفة، فلا تزال أغلب النماذج المطروحة هي نموذج المرأة السطحية والمرأة الجسد والمرأة الضحية، والتي تظهر المرأة كائنا سلبيا مستهلكا غير منتج، ولا يشارك في اتخاذ القرارات المهمة، وينحصر سلوكه في الاستهلاك والزينة، فيما يستغل جسدها للدعاية التجارية، ولا تعكس تلك النماذج الاهتمامات الحقيقية لكل النساء، كما لا تعكس المكانة المهمة التي بدأت تضطلع بها النساء كمشاركات ناشطات في تنمية المجتمع، مع إفساحه مساحات واسعة لأهل الفن والاستعراض على حساب المهن الأخرى للمرأة، واستغلال مفاتنها كوسيلة لاستقطاب المشاهد في ظل المنافسة بين الفضائيات.
ولذلك، تظل أجهزة الإعلام المرئية خاصة بعيدة عن المخاطبة المؤثرة للمرأة؛ لوجود فجوة واضحة بين صورة المرأة كما تقدمها والواقع الفعلي الذي تمارسه المرأة، فما نراه في إعلامنا صورة مصنعة ليست لها علاقة الظل بالواقع؛ فليس من الواقع مثلا أن البطلة في الأغلب جميلة وفي المرحلة العمرية من 20 إلى 40 عاما، ويندر أن نشاهد عملا بطلته الرئيسة التي هي محور الأحداث في عمر الستينات أو معاقة جسديا أو ليست رشيقة؛ لأن مواضيع الدراما يدور أغلبها حول علاقات الحب والإعجاب والخيانة وفي حاجة إلى نساء في قمة النضج العاطفي والجسمي للقيام بالدور، مع إهمال للمراحل العمرية الأخرى وقضايا المرأة الأكثر تعقيدا؛ ولهذا فنحن في حاجة إلى تخطيط إعلامي يركز على إنتاج برامج وأعمال درامية تبرز صورة موضوعية متوازنة عن المرأة تعكس أدوارها الحقيقية وحجم إسهاماتها في مختلف الميادين؛ لأننا لا نستطيع التحدث عن تطوير أوضاع المرأة بمعزل عن الاتجاه الذي تمارسه أجهزة الإعلام والتي تلعب دورا مهما في تشكيل النسق القيمي والثقافي السائد في المجتمع وما يترتب عليه من علاقات وسلوكيات.