العالم الأول.. لم يعد أول
قبل عقود عديدة كان مصطلح العالم الأول حين يطلق، يثير في النفوس كثيراً من الإعجاب لأنه يشير إلى مجتمعات بلغت قمة التطور في كافة مجالات الحياة، كما أصبحت مثالاً يطمح كثيرٌ من الشعوب إلى الوصول إليه، اقتصادياً واجتماعيا، وتطبيقاً لحقوق الإنسان على الجميع، دون تفرقة، بسبب جنس أو معتقد أو لون، وفي تداول السلطة عبر انتخابات ديمقراطية لا تشوبها شائبة.
وكان المواطن في العالم الثالث يحلم بأن يعيش في ذلك العالم المتطور الذي يكفل له حقوقه، والبعض استطاع الانتقال إلى هذا العالم والعيش فيه ناعماً بما ينعم به مواطنوه.
العالم الأول بدأت تعتريه أمراضٌ عديدة، يعانيها العالم الثالث، وتتمثل في سوء تخطيط اقتصادي قاد كثيراً من دوله إلى أزمات اقتصادية خانقة، وصراع على السلطة وإن غلف بطبقة من الديمقراطية، ونوازع عنف تجاه الآخر، تتمثل في محاربة من هم من غير السكان الأصليين، أو من هم مختلفون في اللون أو العرق أو اللغة أو الدين.
الديمقراطية الغربية التي طالما تمنتها الشعوب، تحولت إلى ديمقراطية منتقاة تطبق في مجالات، وتلغى في أخرى، فهي ديمقراطية تراعي حقوق الأفراد حتى ولو كان في ممارسة الشذوذ والانحراف، وتسن لهم قوانين تحميهم، بل ويخطب بعض السياسيين ودهم رغبة في أصواتهم، وفي المقابل تضيق هذه الديمقراطية بامرأة ترتدي الحجاب، فتغيب هنا الحرية الشخصية وحقوق الإنسان وكل ما كان يتغنى به الغرب من حرية، وتصبح هذه المرأة مهددة للأمن القومي، من أجلها تعقد جلسات البرلمان وتتحرك قوى المعارضة.
بعض دول العالم الأول التي تقود العالم عاشت خلف أوهام القوة والتميز، فانشغلت في بسط نفوذها على مناطق عديدة في العالم، ورعت صراعات ودبرت مؤامرات في عديد من مناطق العالم، كما ابتزت كثيراً من الدول والزعامات، ودون أن تشعر لحقت بها دول من العالم الثالث، مثل الصين والهند، وأصبحت تهدد قوتها الاقتصادية، بل وتفرض شروطها عليها من أجل المساهمة في إنقاذ الاقتصاد العالمي.
في العالم الأول أصبحنا نقرأ عن استغلال للسلطة، وعن رشاوى وعنف ومعاناة، كما أصبحنا نرى زعماء دول من العالم الأول يطوفون دول العالم الثالث أملا في مساعدة تُخرج دولهم من أزماتها الاقتصادية، وتخفف من بطالة تعانيها شعوبها.
ورغم كل ذلك فما زالت دول العالم الأول تعارض إعادة صياغة الهيئات الدولية التي تسيطر عليها، وترفض دخول دول أخرى أصبحت أكثر تأثيراً، وأقوى اقتصادا.