الجيش الأمريكي تحت مرمى "النيران الإلكترونية"
قال الرئيس الأمريكي باراك أوباما في إحدى خطبه: "إن الرخاء الاقتصادي للولايات المتحدة في القرن الـ 21 بات مرتبطاً بالأمن الإلكتروني للبلاد". وبذلك كان أوباما أول رئيس أمريكي يكرس خطبة كاملة للأمن الإلكتروني، وأشار فيها أيضاً إلى أهمية الشبكة الإلكترونية التي تعتمد عليها مجالات اقتصادية عدة وحساسة من توريد النفط والغاز والتيار الكهربائي والماء، إلى تنظيم الرحلات الجوية، مروراً بوسائل النقل العام. وبسبب أهمية هذه الشبكة بالنسبة لمجالات الحياة المختلفة، دعا أوباما إلى بذل جهود كبيرة لحمايتها: "في عالم اليوم لم يعد شن العمليات الإرهابية يعتمد على تفجير الأحزمة الناسفة، بل يمكن للإرهابيين كذلك شن هجمات كبيرة من خلال الضغط على بعض مفاتيح الكومبيوتر، ما يجعلها سلاحاً للدمار الشامل".
وبعد عام على خطاب أوباما تولى الجنرال كيث ألكسندر، رئيس هيئة الأمن القومي، القيادة العسكرية للأمن الإلكتروني التي أنشأت حديثاً. وتعد هيئة الأمن القومي أقوى وأكبر فرع للمخابرات الأمريكية. وفي حزيران (يونيو) من العام ذاته رسم كيث ألكسندر صورة قاتمة للحرب الخفية، فقد أعلن أن النظام الإلكتروني لوزارة الدفاع الأمريكية يتعرض يومياً إلى نحو ستة ملايين هجمة.
وأمام هذه الصورة القاتمة عن حروب المستقبل، قدم السيناتور الأمريكي المستقل جو ليبرمان، الذي يتولى أيضاً رئاسة لجنة الأمن القومي، مسودة قانون ينص على اعتبار شبكة الإنترنت ثروة قومية للولايات المتحدة. ويقترح ليبرمان في مسودته أن يكون للرئيس الأمريكي الحق في إيقاف عمل الشبكة العنكبوتية في حالة وجود أزمة تمس الأمن القومي.
وكان الحال كذلك في ألمانيا حيث إن وزارة الداخلية تسعى لاستثمار 130 مليون يورو لزيادة فعالية الرقابة على الإنترنت منعا للنشاطات الإرهابية التي تتوزع على أكثر من 4500 موقع. وفي السياق قامت السلطات الألمانية في الأسابيع الماضية باعتقال عراقي في الـ 36 من العمر بسبب الاشتباه في قيامه ببث رسائل صوتية وأشرطة فيديو لقادة تنظيم القاعدة على شبكة الإنترنت في ألمانيا. الأمر الذي كشف النقاب عن ساحة جديدة في الحرب العالمية على الإرهاب. ففي هذه الحرب لا تستخدم القنابل والطائرات والصواريخ، بل برامج دقيقة تعمل على بث دعاية للإرهابيين وتشكل حركة وصل بين أعضاء الجماعات الإرهابية في بقاع جغرافية غير محدودة المساحة. هذه الحادثة فتحت النقاش من جديد في الأوساط الأمنية والسياسية الألمانية حول دور الإنترنت في الإرهاب الدولي.
الإرهاب الرقمي
لقد أضحى الإرهابيون في عصر العولمة لا يتسمون "بالصورة النمطية" التي قد ترتسم لهم عند تخيل المرء لشخص كهذا، بل أصبحوا "يمتلكون درجة عالية من التقنية"، وذلك على حد قول جيرهارد شندلر من قسم مكافحة الإرهاب في وزارة الداخلية الألمانية, ويتابع بأن الإرهابيين الآن لا يتسلحون بالقنابل، بل بأجهزة الكمبيوتر الأمر الذي يجعل من الإنترنت "أداة رئيسة" في النشاط الإرهابي الدولي. لقد أضحى استخدام الإنترنت في الإرهاب ليس مقتصرا على التواصل بين الخلايا الإرهابية وشن الحرب النفسية، بل أيضا على عملية "التجنيد والتدريب على كيفية استخدام الأسلحة وتصنيع المتفجرات"، كما أوضح الخبير الأمني الألماني.
4500 موقع إرهابي
ويقدر الخبراء عدد المواقع الإلكترونية التي لها علاقة بالإرهاب وأنشطته بـ 4.500 موقع. ولمواجهة هذا التكاثر الإلكتروني للإرهاب قامت الحكومة الألمانية بجهود حثيثة من أجل تتبع النشاطات الإرهابية عبر الإنترنت، ولهذا الغرض فقد وظفت أشخاصا في مركز مكافحة الإرهاب في برلين على علم ودراية كبيرة باللغة العربية.
الوضع من سيئ إلى أسوأ
أما في بقية العالم فإن الوضع ليس بأحسن حالا مما ذكر سابقا، حيث إن هناك عديدا من الدول العربية قد وضعت حظرا لبعض المواقع. والوضع أسوأ بكثير في كوبا، فأنت في حاجة إلى إذن خاص من الحزب الحاكم فقط لشراء جهاز الكمبيوتر. تفاقم الوضع في دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. ففي تشرين الأول (أكتوبر) 2005 قامت المغرب بفرض الرقابة على كل المواقع السياسية التي تُبدي تأييدها لاستقلال الصحراء الغربية. وإيران تعمل كل سنة على توسيع قائمتها من المواقع الممنوعة، تُرى كيف أصبحت كل تلك الدول خبيرة في هذا المجال؟، وهل استطاعت تونس وبورما تطوير برامجهما الخاصة دون أي مساعدة خارجية؟ الجواب طبعا لا. فهذه الدول تستورد هذه التكنولوجيا من الغرب، خاصة من الولايات المتحدة. وعلى سبيل المثال، قامت تونس بشراء برنامج خاص لمراقبة الإنترنت، بما في ذلك مراقبة موقع "مراسلين بلا حدود". وهناك شركة أمريكية تتبع شركة أنظمة سيسكو العملاقة Cisco قامت بخلق قاعدة إنترنت صينية، وباعت جهاز الشرطة فيها معدات خاصة لاستخدامها في مراقبة الإنترنت. وقد برزت هذه المآخذ الأخلاقية على شركات الإنترنت عندما أُدينت الشركة الأمريكية ياهو Yahoo في أيلول (سبتمبر) 2005 في تزويدها معلومات للشرطة الصينية عن بعض مستخدمي الإنترنت وبعض الرسائل الإلكترونية.
غير أن هناك بعض الدول التي طالما احترمت حرية الصحافة الإلكترونية، ترى الآن أن هناك بعض الحالات التي يتوجب فيها فرض الرقابة والتحكم في الإنترنت، وتدعي أن لديها أسبابا مقنعة منها محاربة الإرهاب.
البرلمان الأوروبي وتعزيز مكافحة الإرهاب
فيما يتوجه البرلمان الأوروبي في اجتماعه اليوم لتشديد إجراءات محاربة الترويج للإرهاب على الإنترنت، دعا منسق الاتحاد الأوروبي لشؤون محاربة الإرهاب إلى تعزيز التعاون المشترك بين الدول الأوروبية بما يضمن مساعي مكافحة الإرهاب. أظهرت تفجيرات مدريد ولندن عامي 2004 و2005 أن منطقة الاتحاد الأوروبي باتت بدورها هدفا لشبكات الإرهاب الإسلاماوية المرتبطة بتنظيم القاعدة، الأمر الذي حدا بالمسؤولين الأوروبيين للتصديق عام 2005 على استراتيجية أوروبية لدرء مخاطر الإرهاب، حسبما ذكره منسق الاتحاد الأوروبي لشؤون مكافحة الإرهاب جيليس دو كيرشوفه.
وفي ضوء هذه المخاطر تصدّر موضوع "محاربة الإرهاب" جلسات البرلمان الأوروبي، الذي انعقد في 23 أيلول (سبتمبر) 2008، حيث ناقش البرلمانيون الأوروبيون تدابير جديدة تتعلق بمكافحة التخطيط للقيام بأعمال إرهابية عبر الإنترنت. ومع تنامي إقبال التنظيمات الإرهابية على استخدام شبكة الإنترنت لتجنيد إرهابيين جدد، يدفع الاتحاد الأوروبي نحو تشديد الآليات المتاحة لديه للوقوف في وجه هذه المخاطر، لا سيما أنه يوجد الآن ما يربو على خمسة آلاف صفحة. ومن الضروري أيضا خلق برنامج مضاد "إن الأمر لا يتعلق بإجراءات عقابية فحسب، وإنما أيضا بإجراءات وقائية،علينا أن نظهر أن المسلمين هم في الدرجة الأولى ضحايا هذه الأنشطة. إنها حرب الأفكار، علينا أن نواجه الاستغلال السيئ للدين الإسلامي في الأنشطة الإرهابية".
إجراءات قانونية لمتابعة الإرهابيين
ومن جملة التدابير التي اتخذها الاتحاد الأوروبي لمواجهة خطر الإرهاب، تطبيق مذكرة الاعتقال الأوروبية التي أثبتت نجاعتها لتحل محل الاتفاقات الثنائية لاعتقال وتسليم المطلوبين، ورغم دعاوى الموجهة ضد اللائحة الأوروبية وأحكام المحكمة الأوروبية بشطب بعض منظمات وأسماء أشخاص من اللائحة الأوروبية السوداء، إلا أن القائمة الأوروبية للمنظمات الإرهابية والأشخاص لم يطرأ عليها بعد أي تغير. وفي هذا الإطار يرى منسق الاتحاد الأوروبي لشؤون مكافحة الإرهاب جيليس دو كيرشوفه أن المجلس الوزاري الأوروبي قام في المقابل بتحسين سياسته الإعلامية.
مكافحة الإرهاب في حاجة إلى تضافر الجهود
مازالت مكافحة خطر الإرهاب في الدول الأوروبية في حاجة إلى مزيد من تضافر الجهود وتستدعي المزيد من التنسيق الأمني بين دول الاتحاد الأوروبي. ويقوم جهاز اليوروبول Europol بدور مهم في تعقب الإرهابيين ومتابعتهم، في حين أوكلت مهمة تنسق التعاون المشترك بين الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي فيما يتعلق بالمتابعات القضائية إلى الهيئة القضائية الأوروبية Eurojust. ورغم ذلك فإن التعاون الأمني والقضائي بين الدول الأوروبية لا يتم دائما بالشكل المطلوب حسبما أكده دو كيرشوفه. فهو يرى أن تعاون الدول الأوروبية مع هذين الجهازين ما زال غير كافٍ، وأن تطبيق الدول الأوروبية إرشادات المجلس الأوروبي خلال السنوات الماضية أصبح أفضل ولكن ليس بالشكل المطلوب. فهو يرى أن الجهود الوطنية والثنائية لم تعد كافية في الوقت الحالي لمكافحة الإرهاب، ودعا في المقابل إلى تضافر الجهود بين الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، وتحسين تبادل المعلومات فيما بينها، لا سيما أن خطر الإرهاب أضحى ظاهرة عالمية، لا يمكن محاربتها إلى على المستوى العالمي.