جميع المتغيرات الاقتصادية تدعم نمو الاقتصاد السعودي في العام الجديد

عصفت الأزمة المالية في 2007 والتي نشأت وترعرت في الولايات المتحدة بالاقتصاد العالمي، وقد تأثرت اقتصاديات دول العالم بالأزمة على درجات مختلفة حسب انفتاح كل اقتصاد وارتباطه بالاقتصاديات الصناعية. وتعتبر الأزمة العالمية الحالية الأسوأ بعد أزمة الكساد العظيم 1929. وبسبب ارتباط الاقتصاد العالمي وانفتاح الأسواق على بعضها أدت إلى سرعة التأثير في الاقتصاد العالمي وعمق الأثر الذي خلفته الأزمة، مما استدعى دول العالم من خلال مجموعة العشرين للتكاتف لمعالجة الأزمة. وقد تأثر الاقتصاد السعودي بالأزمة من خلال ثلاث قنوات أدت إلى تباطؤ النمو في الاقتصاد السعودي. فانخفاض أسعار النفط في المتوسط في حدود 36 في المائة وتخوف الجهات ذات العلاقة بانخفاض أسعار النفط بشكل أكبر أدى إلى تأثيرين في الاقتصاد السعودي، الأول انخفاض الإيرادات الحكومية مما أدى إلى انتهاج سياسة مالية تحفظية. الثاني تباطؤ عرض النقود للفترة نفسها بسبب ربط الريال مع الدولار وتأثر عرض النقود بالتغير في ميزان المدفوعات والطلب على النقود، حيث نما عرض النقود قبل الأزمة وانخفضت أسعار النفط في المتوسط 18 في المائة، بينما لم يتجاوز عرض النقود 10.7 في المائة في عام 2009. السبب الثاني، تحفظ البنوك في الإقراض وارتفاع تكاليفه لارتفاع المخاطر المرتبطة بوضع الاقتصاد العالمي. حيث أثبتت الدراسات الاقتصادية أن البنوك تتحفظ في الإقراض في أوقات الكساد أو الركود الاقتصادي وتتساهل في الإقراض في أوقات الانتعاش الاقتصادي. ثالثا، انخفض مستوى الثقة لدى المستثمرين بالبيئة الاستثمارية ومستقبل الاقتصاد العالمي والاقتصاد المحلي، مما أدى إلى التباطؤ في المشاريع الجديدة أو التوسع الاستثماري. كما أن نقص الائتمان للقطاع الخاص بسبب تحفظ البنوك وارتفاع تكاليفه، أسهم في تباطؤ نمو القطاع الخاص.
ولكن على الرغم من تبعات الأزمة العالمية على الاقتصاد العالمي وعلى الدول الصناعية بالذات وتوقعات النمو المنخفضة للدول الصناعية خلال السنوات القادمة، إلا أن مؤشرات الاقتصاد السعودي المستقبلية تدعم التفاؤل بنمو الاقتصاد السعودي لعدة أسباب. فالاقتصاد السعودي يعتمد نموه على الإنفاق الحكومي والذي بدوره يحدده الإيرادات النفطية. وبما أن القطاع النفطي والغاز يمثل في المتوسط 45 في المائة من إجمالي الناتج المحلي، فإنه هو المحدد الأساسي للنمو الاقتصادي، وبحسب الرسم البياني الذي يربط بين الصادرات السعودية، والتي يشكل النفط ما لا يقل عن 80 في المائة، وإجمالي الناتج المحلي نجد أن نمو الاقتصاد السعودي يتأثر بالصادرات النفطية.
وبتوقع استمرار أسعار النفط على أسعارها الحالية واستمرار الضغط عليها للارتفاع، فإن المتوقع أن يستمر الإنفاق الحكومي لتلبية المتطلبات التنموية للاقتصاد السعودي. فخلال العقدين الماضيين عانى الاقتصاد السعودي من عدم تحقيق المتطلبات التنموية بسبب انخفاض أسعار النفط مما أثر على قدرات القطاع الحكومي للإنفاق على التنمية وعانت كثيرا من القطاعات الاقتصادية من نقص الاحتياجات، كما أن الدين الحكومي كان في أعلى مستوياته مما سبب تزاحم الإنفاق الحكومي للإنفاق الاستثماري الخاص. وفي بداية العقد الحالي ونظرا لارتفاع أسعار النفط، فقد تحققت للحكومة قدرات مالية ساعدتها على الإنفاق على التنمية، وبسبب الحاجة التنموية والتي سيستمر الإنفاق الحكومي للسنوات القادمة لتلبيتها إذا تحققت للحكومة فوائض مالية، وهذا الذي نتوقع أن يسود خلال السنوات المقبلة. إضافة إلى الإنفاق الحكومي المرتفع، فقد أعلنت شركة أرامكو عن أكبر خطة استثمارية في تاريخ الشركة للسنوات الخمس القادمة. كما أن فائض ميزان المدفوعات المدفوع بالصادرات النفطية سيرفع عرض النقود لارتباط الريال السعودي بالدولار مما يزيد الطلب المحلي، وبسبب توقعات نمو الاقتصاد السعودي المدعوم بالإنفاق الحكومي التي ستعمل على تنشيط نمو جميع القطاعات الاقتصادية في المملكة وزيادة الطلب المحلي وزيادة التضخم في الاقتصاد المحلي. إن الطلب المحلي المدفوع بالإنفاق الحكومي وإنفاق شركة أرامكو والنمو السكاني سيخلق فرصة استثمارية للشركات المحلية والأجنبية للاستفادة من الفرص المتاحة في الاقتصاد السعودي. فالأزمة المالية أدت إلى تغير تفضيلات الشركات الدولية تجاه الاستثمار، فقد بين استفتاء نفذته الأمم المتحدة حول الإنفاق الاستثماري للشركات الدولية خلال الفترة القادمة، تفضيل الشركات الدولية الاستثمار في الدول النامية. والمملكة تعتبر من الدول التي تحقق نموا اقتصاديا بسبب الإنفاق الحكومي. لذا فالاقتصاد السعودي في هذه المرحلة جاذب للاستثمارات المحلية والدولية على الرغم من العوائق البيروقراطية التي يواجهها المستثمرون في الاقتصاد السعودي من الأجهزة الحكومية.
جميع المتغيرات الاقتصادية تدعم التنبؤ باستمرار تحقيق الاقتصاد السعودي معدلات نمو مرتفعة خلال الفترة القادمة. وإذا أحسن الجهاز الحكومي استغلال الوضع العالمي والمحلي لتنشيط القطاع الخاص وجذب الاستثمارات الأجنبية الحقيقية التي يحتاج إليها الاقتصاد المحلي وتخفيف اعتماد الاقتصاد السعودي على النفط من خلال تحسين البيئة الاستثمارية وتسهيل الإجراءات وإلغاء التعقيدات البيروقراطية، فإن الاقتصاد السعودي سيحقق مكاسب إيجابية تنعكس على الاقتصاد المحلي ونموه المستقبلي. فالمتغيرات الدولية سواء في ارتفاع أسعار النفط أو تغير تفضيلات المستثمرين تمثل فرصة ذهبية للاستفادة منها لتحقيق مستوى تنمية أعلى يتيح للاقتصاد تحسين البنية التحتية وتحفيز النمو في القطاعات غير النفطية لتحسين أدائها وزيادة نسبة مساهمتها في الناتج المحلي الإجمالي وتخفيف حدة تأثرها بالقطاع النفطي. إن تحقيق الاستفادة القصوى من المرحلة الحالية تحتاج إلى سياسات اقتصادية مشجعة للاستثمار، وبيئة استثمارية جاذبة للاستثمار المحلي والأجنبي بعيدا عن التعقيدات البيروقراطية أو التدخلات السياسية في القرارات الاستثمارية للمستثمر كما تحتاج إلى أسواق مالية كفؤة ومتكاملة وإلى أيد عاملة مدربة.

المزيد من الرأي