Author

الحصاد الإسكاني المر!

|
لطالما تمنيت لو قامت سلطاتنا الاقتصادية في نهاية كل عام مالي بتقديم تقرير موضوعي قائم على مقاييس كمية يبين إلى أي مدى نجحنا في سد الثغرة بين العرض والطلب في القطاعات التي نعاني فيها تحديات جسيمة ما زال يفرضها علينا معدل نمو السكان العالي، كما هو الحال في مجالات التوظيف والإسكان والتعليم والخدمات الصحية وخدمات المنافع العامة ونحوها. إن تعاظم هذه التحديات ونعومة تعاملنا مع المعوقات الإدارية التي تعطل جهودنا في سرعة التصدي لها من خلال برامج وحلول وخطط فعالة ذات أهداف كمية قابلة للقياس والمتابعة والمراقبة، سيحولها ــ لا قدر الله ــ إلى مشكلات تهدد استقرارنا الاقتصادي وسلامنا الاجتماعي! ولعل من أهم هذه التحديات الفجوة الحادة والمتصاعدة بين حجم الطلب على المساكن وحجم المعروض منها. خطة التنمية تشير إلي حاجتنا إلى توفير 200 ألف وحدة سكنية كل عام. فهل أنجزنا هذا الهدف في العام الماضي؟ بالقطع يستحيل ذلك من ناحيتين. فالاعتمادات في الموازنة الأخيرة لا تكفي لتنفيذ هذا الهدف من ناحية، ومن ناحية أخرى، فإن الهيئة العامة للإسكان ما زالت غير قادرة على توفير الأراضي اللازمة لتنفيذ برنامجها لبناء 66 ألف وحدة سكنية فقط وليس 200 ألف!! قبل عشر سنوات كتبت لولاة الأمر ــ حفظهم الله ــ عن مشكلة الإسكان تحديدا، واقترحت تبني إجراءات جديدة تتعلق بتمويل المساكن تتخطى القدرات المحدودة لصندوق التنمية العقاري، مشكلات الإسكان متعددة وأهمها مسألة توفير التمويل بتكاليف معقولة على فترات زمنية طويلة، كما يجرى في كثير من دول العالم، ولن يتسنى ظهور مؤسسات تمويل تقوم بهذا الدور دون وجود نظام للرهن العقاري يضمن حقوقها. والحقيقة أن نجاح هذا النظام يستلزم أيضا تبني خطوات مساندة لا تقل أهمية عن النظام ذاته مثل ضرورة فرض الزكاة على الأراضي الفضاء المعدة للتجارة داخل النطاق العمراني التي تشكل نسبة عالية في مساحات المدن في بلادنا. لا شك أن أسلم الطرق الاقتصادية لحل مشكلات الإسكان والحد من معاناة الناس من ارتفاع أسعار الشراء والاستئجار يتمثل في تبني الإجراءات التي تضمن زيادة العرض، وسرعة تحقيق التوازن بينه، وبين الطلب الكبير، ومنها توفير التمويل لشركات التطوير العقاري وللأفراد، ووضع قواعد جديدة لكيفية تسعير الأراضي والوحدات السكنية والإيجارات وعمولات مكاتب العقار وإدارة الأملاك، وتفعيل قوانين حماية الملاك من مماطلات المستأجرين، وتشجيع الوزارات والمؤسسات والشركات الكبرى على تبني نظام لتوفير المساكن لمنسوبيها بضمان دخولهم، ونحو ذلك من الإجراءات التي تساعد في زيادة عرض المساكن إجمالا. إن الأخذ بهذه الإجراءات وسواها وأهمها تبني نظام الرهن العقاري سيحقق بحول الله فوائد جمة من أهمها: 1 ــ سرعة إعادة التوازن بين العرض والطلب في هذا القطاع الحيوي للحد من ارتفاع تكاليف شراء العقارات والإيجارات. 2 ــ ستشهد السوق العقارية تغيرات في نوع الطلب نحو شراء وحدات سكنية متنوعة تتناسب مع حاجات الناس والفئات العمرية الجديدة مثل الشقق الصغيرة معتدلة الثمن. 3 ــ وجود نظام يضمن الحقوق سيشجع ظهور سوق جديدة لبيع المحال التجارية في المجمعات التجارية الكبيرة، واستفادة الملاك والمطورين بتحريك السيولة، وعدم بقاء الأموال مجمدة في أصول كبيرة، حيث يمكنهم هذا من تطوير مناطق جديدة. 4 ــ ارتفاع عدد تحالفات الشركات الوطنية والأجنبية بهدف الاستثمار في السوق السعودية، خاصة في مجال البناء والتطوير والتمويل. 5 ــ عودة المصداقية والوضوح والعدالة للمعاملات في أنشطة سوق العقار والإسكان. 6 ــ إيقاف تجميد بيع المخططات السكنية رغبةً في رفع أسعارها، والقضاء على الأراضي الفضاء داخل المدن. 7 ــ سهولة حصول المواطنين على وحدات سكنية في المشاريع الجديدة الخاصة بتطوير المناطق العشوائية التي يجري تطويرها في جدة ومكة، أو في مناطق المخططات الجديدة داخل النطاق العمراني في جميع أنحاء المملكة. 8 ــ ستشهد السوق استقرارا في الأسعار في جميع مناطق المملكة، ويتحقق للمجتمع مستويات أعلى من الأمن العقاري. ما زلت أؤمن بقوة أن مشكلاتنا في جوانب كثيرة منها هي مشكلات تنظيمية وإدارية أكثر منها مشكلات اعتمادات مالية أو مساعدات حكومية. والله من وراء القصد.
إنشرها