Author

حل مشاكل النقل الجوي الداخلي

|
كان المهندس عبد الله رحيمي الرئيس السابق للهيئة العامة للطيران المدني قد أطلعني قبل نحو عام على دراسة اقتصادية تفصيلية أعدها خبراء الهيئة عن وضع سوق النقل الجوي الداخلي في المملكة، وسنلاحظ أن ما جاء في هذه الدراسة لا يختلف كثيرا عما ننادي ونادى غيرنا به في هذه المقالات، ما يدل على أن طريق الحل واحد ومعلوم عند الجميع، وهو ينتظر فقط من يقوم بتبنيه وتفعيله على أرض الواقع. استعرضت دراسة هيئة الطيران أهم أسباب مشكلة تدهور خدمات النقل الجوي الداخلي، وحددتها في ثلاثة أسباب جوهرية وهي: التسعير، والدعم الحكومي، ونقاط الخدمة الجوية الداخلية الإلزامية. وقد انتهت هذه الدراسة إلى ضرورة منح الهيئة صلاحيات جديدة لإعادة تنظيم سوق النقل الجوي وصلاحية القيام بأية تعديلات لازمة مستقبلا. وحذرت هذه الدراسة من أن التأخير في اعتماد البرنامج الجديد الذي اقترحته سيفاقم مشكلة تردي خدمات النقل الجوي الداخلي ويزيد من اتساع الفجوة بين الطلب المتنامي والعرض المحدود. فيما أكدت الدراسة أن الأخذ بالبرنامج المقترح لتطوير سوق النقل الجوي الداخلي سيحقق منافع لجميع الأطراف التي لها علاقة بسوق هذه الخدمة وهم: المسافرون، وشركات الطيران، والدولة، والاقتصاد الوطني ككل. فبالنسبة للمسافرين سيعمل هذا البرنامج التطويري المقترح على توسيع وتطوير مستوى الخدمة، وتوفير مقاعد كافية ورحلات متعددة، فضلا عن توفير نسبة من التذاكر المخفضة من خلال عروض متنوعة. أما بالنسبة لشركات الطيران الناقلة فستتمكن من أن تعمل في بيئة تنافسية مربحة توفر لها الحافز لتحسين الخدمة وتلبية حاجات المسافرين بشكل مستمر، فضلا عن ابتكار خدمات وأسعار متنوعة، الأمر الذي يوفر لها أسباب النمو ويدعم موقفها في المنافسة الدولية ويزيد من حصتها المستحقة فيه، الأمر الذي يسهل عليها عقد تحالفات خارجية مع شركات طيران عالمية. أما بالنسبة للدولة، فإن البرنامج المقترح سيمنحها قدرة أفضل على التخطيط ويمكنها من تخفيض الدعم الحكومي وتحويله لتلبية احتياجات أخرى للمجتمع كتمويل مزيد من برامج البنى التحتية في البلاد. وأما المنافع التي ستعود على مجمل الاقتصاد فستأتي من النقلة النوعية المتوقعة في قطاع النقل من خلال توفير مزيد من الفرص الاستثمارية والوظيفية ومن ثم زيادة مساهمة هذا القطاع في تكوين الدخل القومي. وحذرت الدراسة من أن عدم إصلاح السوق أو مجرد التأخير في اتخاذ القرارات الإصلاحية اللازمة سيعمق من تردي مستوى الخدمة الجوية، ويزيد من الهوة بين الطلب والعرض وستتفاقم الاختناقات وتصبح ظاهرة متكررة، وهو الأمر المشاهد الآن. الأمور تبني على بعضها، فعدم إصلاح السوق أدى إلى إحجام المستثمرين عن الدخول في هذه السوق، وانعدام المنافسة، وزيادة الأعباء على الخطوط السعودية ومن ثم تعريض خططها المتعلقة بالخصخصة للفشل، وانعكس كل ذلك سلبا على مجمل النشاط الاقتصادي. إن حل مشاكل النقل الجوي الداخلي بسيط ولا يحتاج لحلول عبقرية. الحل يكمن في تحرير هذه السوق من العوائق التي تحول دون أن تعمل وفق قوانين العرض والطلب وحسابات التكاليف والعوائد، وأهم هذه العوائق: 1- وضع الأسعار الحالي لا يمكن لأي ناقل جوي تحقيق أية أرباح في سوق النقل الجوي الداخلي في المملكة في ظل سقف أسعار التذاكر الحالي! ولأنها المصدر الأساس للعائدات، فإن وضعها الحالي لا يتناسب مع التكاليف التشغيلية. ويشير التقرير إلى أن هذا السقف لم يتغير منذ عشر سنوات، بينما ارتفع مؤشر التضخم بنحو 30 في المائة، وارتفعت التكلفة التشغيلية لشركات الطيران بنحو 80 في المائة. وعليه، فإن تحرير السوق، ورفع سقف الأسعار سيمنح شركات الطيران المرونة اللازمة في التسعير، وطرح باقات أسعار متنوعة تمكنها من تغطية تكاليفها التشغيلية وتحقيق أرباح، من خلال الاعتماد على إجمالي معدلات الأسعار لكامل الشبكة وليس الأسعار الفردية. أما التخوف من مبالغة الشركات في التسعير، فسيحول دونه دليل الأسعار الاسترشادي الذي ستضعه هيئة الطيران المدني، الذي سيجمع بدوره بين تلبية متطلبات تحرير سوق النقل الداخلي، وحماية المسافرين من الزيادات المفرطة في الأسعار. 2- قضايا الدعم الحكومي والمنافسة العادلة هناك تناقض حالي بين السياسات المتبعة في تقديم الدعم الحكومي ومتطلبات تحرير سوق النقل الجوي. ولنجاح البرنامج يجب توحيد سياسة الدعم الحكومي لجميع شركات الطيران لتحقيق سوق تنافسية عادلة. كما يجب تبني سياسات تفضي إلى إلغاء هذا الدعم بكل أنواعه في المدى البعيد، عدا ما يتعلق منه بالدعم المباشر المتعلق بتشغيل نقاط الخدمة الإلزامية. 3- نقاط الخدمة الإلزامية تحتاج نقاط الخدمة الإلزامية إلى إعادة تقييم وتصنيف، كما تحتاج إلى استمرار تقديم الدعم الحكومي المباشر لشركات الطيران العاملة على هذه النقاط أسوة بما هو معمول به في معظم دول العالم. القناعات والسياسات التي سادت سوق الطيران الداخلي خلال العقود الماضية لم تعد مناسبة مطلقا لظروف الحاضر وأحوال السوق الراهنة. وعدم الإسراع في إصلاح السوق سيراكم المخاطر، ويقود إلى مزيد من التدهور في مستوى الخدمة وإلى زيادة حدة الاختناقات، ومن ثم تراجع قطاع النقل بشكل سيؤثر قطعا بصورة سلبية في مجمل حركة النشاط الاقتصادي. لماذا نصر دائما على تأخير اتخاذ القرارات المناسبة؟
إنشرها