ماذا يريد الغرب من التمويل الإسلامي؟

> يلقى التمويل الإسلامي في هذه الأيام شهرة في بلاد الغرب ربما تكون أكثر مما يلقاها في بلداننا. فلا تكاد تجد دولة غربية إلا وقد درست خيار فتح الباب أمام التمويل الإسلامي على أقل تعديل، بل إن منها دول ذات وزن شرّعت له واحتضنته. وقد ازدادت حمى التهافت على التمويل الإسلامي بعد الأزمة المالية العالمية تحت ستار أن نظرية التمويل الإسلامي تجعل من المصارف بعيدة عن المخاطر التي تسبب الأزمات. ومع تحفظي الشديد على الرأي القائل ببعد تطبيقات التمويل الإسلامي عن الأزمة، لأن الأزمة أساسها خلق الديون بشكل يفوق معدل النمو في الاقتصاد الحقيقي. وليست التطبيقات المعاصرة للتمويل الإسلامي كالتورق وبيع المرابحة الصوري إلا خلق للديون، كما أن الالتفافات الحاصلة في بعض تطبيقات الصكوك ما هي إلا صورة من صور خلق الديون، ولا أدل على ذلك من حالة صكوك “نخيل” في دبي، حيث تعامل حملة الصكوك مع الموضوع على أنهم دائنون وليسوا مستثمرين، وتعاملت “نخيل” على أنها مدينة في الوقت نفسه.

يدرك عدد من الخبراء الاقتصاديين والماليين في الغرب حقيقة “الصورية” في تلك التطبيقات. وقد صدف أن التقيت أحد البروفيسورات المختصين في التمويل في إحدى العواصم الأوروبية، فقال لي بالحرف: “إن اعتماد الصناعة المالية الإسلامية على التورق بشكل كبير سيدمرها”. وهنا هو يقصد الابتعاد عن التمويل أو الاستثمار الذي لا يرتبط بالاقتصاد الحقيقي. وأرجو من القارئ الكريم ألا يحسب أن رأي هذا البروفيسور هو حالة شاذة، فهناك عديد من الخبراء الغربيين الذين يتبنون هذا الرأي، إضافة إلى عديد من بني جلدتنا من الخبراء والعلماء.

والسؤال الذي يطرح نفسه الآن: إن كان الغرب يدرك أن التمويل الإسلامي بتطبيقاته المعاصرة يتبنى ذات نموذج الأعمال المطبق في المؤسسات المالية التقليدية (أي أنه لن يؤثر إيجاباً في منع تضخم الديون على حساب الاقتصاد الحقيقي)، فلماذا يتهافت الغرب على التمويل الإسلامي؟ ولماذا يصر الرئيس ساركوزي ـــ على سبيل المثال لا الحصرـــ ويكافح من أجل استحداث تشريعات للتمويل الإسلامي، في الوقت الذي يحارب فيه وبقوة لبس النقاب ويشرّع تجريم من لبسه في دولة صيانة الحريات؟

ولست هنا لأقول إن دخول المؤسسات المالية الإسلامية الأسواق الأوروبية أمر خطأ. فنحن نعيش في زمن العولمة والأسواق المفتوحة. لكن ما أرمي إليه هو الوصول إلى حالة من الدخول (المفيد) إلى تلك الأسواق بما يعود بالمنفعة على اقتصادياتنا وأسواقنا ومجتمعاتنا. وهنا علني أضع بين أيديكم عددا من الأمور التي يجب مراعاتها في هذه المرحلة المهمة حتى نستطيع أن نخرج بتحليل منطقي للوضع الراهن:

يشير كثير من التحليلات إلى أن الاقتصاد العالمي منذ الأزمة بدأ بالتحول إلى مراكز ثقل جديدة مثل مجموعة البركس (البرازيل، روسيا، الهند، والصين)، حتى أن تقريراً صدر أخيراً عن وكالة الاستخبارات الأمريكية يفيد بأن محور القوى في السنوات العشرين المقبلة سيكون من نصيب الصين والهند بشكل أساس.

تعد الدول الخليجية من أغنى دول العالم، حيث إن إجمالي الدخل لتلك الدول مجتمعة قارب تريليون دولار في 2010 وفقا لتقرير صدر عن الأمانة العامة لاتحاد دول مجلس التعاون الخليجي. وهذا بلا شك يجعل من تلك المنطقة تعوم على بئر من (الأموال) كما وصفها أحد المسؤولين الغربيين في 2008. وهذا ما يجعل الجميع يتهافت على تلك المنطقة على اعتبار أنها تشكل فرصا جيدة لسحب كميات من السيولة بحيث تضخ في الاقتصاديات الأوروبية المتهالكة.

هناك اعتقاد سائد لدى الغرب أن غالبية المستثمرين في منطقتنا يفضلون التعامل بالطرق الإسلامية ـــ مع أن هذا الاعتقاد خاطئ، حيث إن التمويل الإسلامي لا يشكل أكثر من 25 في المئة من إجمالي التمويل في منطقة الخليج. ورغم ذلك يصر الغرب على فتح الباب أمام التمويل الإسلامي من أجل دغدغة مشاعر المستثمرين الذين يبتغون وجه الله بشكل عام والتأثير عليهم من خلال تقديم الخدمات الإسلامية للمجتمعات المسلمة في أوروبا.

هناك تيار يميني بدأ يقوى في الغرب ويتغذى لكسب التأييد له على المحاربة العنصرية للإسلام والمسلمين، ولا سيما في فرنسا، وهولندا، وسويسرا، والنمسا، بل حتى في بلجيكا. وهذا التيار بلا شك يرفض التمويل الإسلامي. وقد واجهت نقاشاً ساخناً من بعض اليمينيين في أحد المؤتمرات في النمسا، وكانوا يريدون أن يوصلوا فكرة مفادها أن الإسلام متطرف ورجعي وأن التمويل الإسلامي جزء من تلك المنظومة، بل هو موطئ القدم للسيطرة على الاقتصاديات الأوروبية تمهيداً لإحداث تغييرات راديكالية في ثقافة الحرية التي تتبناها أوروبا. ورغم أن هذا الرأي مبني على مغالطات نفهمها نحن المسلمين، إلا أن له كثيرا من الآذان المصغية هناك. ما يعني أننا يجب أن نأخذه في الحسبان عند قرار الاستثمار في الدول الغربية.

وبعد استعراض الأمور أعلاه، علني أعيد صياغة سؤال المقالة ليصبح: ماذا تريد المؤسسات المالية الإسلامية (بل وحتى التقليدية العربية) من الاستثمار في الغرب؟ فمن حق أي أمة وأي دولة أن تتحرك وفقاً لمصالحها، ما يعني أنه كما هو من حق الغربيين أن يستقطبوا التمويل الإسلامي فمن حق أرباب التمويل الإسلامي أن يدركوا ماذا يريدون من الاستثمار في الغرب.

وحيث إن أهداف القطاع الخاص الاستثمارية تعد قاصرة من الناحية الاستراتيجية العامة التي تخدم مصالح الدولة، فلا بد من أن يكون هناك دور فاعل لمؤسسات البنية التحتية والمؤسسات البحثية المرتبطة بالصناعة المالية الإسلامية، من أجل وضع أهداف استراتيجية تخدم مصالح الدول المسلمة بشكل عام وتعود بالمنفعة على المستوى الفردي للمؤسسات المالية الإسلامية. ولا بد من أن تراعي هذه الأهداف المنافع الاقتصادية والسياسية والاجتماعية التي يمكن تحقيقها من الاستثمار في الغرب بدلاً من أن تكون الأمور عشوائية فردية كما هو الحال في الوضع الحالي. إضافة إلى دراسة فرص الأسواق البديلة الناشئة ولا سيما الشرقية منها، مع التركيز بشكل رئيس وأساس على استثمار الأموال في منطقتنا وخلق الفرص الاستثمارية التي تتماشى مع ذلك الهدف السامي.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي