حقبة جديدة من عصر النفط؟
لعل أهم ما يميز صناعة النفط أنها صناعة تميزت بقدرتها الهائلة على التكيف مع كل الظروف مهما كانت صعبة. ويعود هذا إلى أسباب عدة أهمها قدرة الصناعة على تطوير التكنولوجيا باستمرار، الأمر الذي جعل النفط يتربع على عرش مصادر الطاقة لأكثر من قرن. لقد كان القرن الماضي عصر النفط بدون منازع، ولكن الخلاف الآن بين الخبراء يتعلق باستمرار سيطرة النفط في القرن الحالي. فهل سيستمر النفط بالتربع على عرش مصادر الطاقة، أم أن مصدراً آخر، مثل الهيدروجين، سيطيح به بانقلاب تكنولوجي؟ هل سيشهد القرن الحالي ثورة تكنولوجية تأتي بمصدر جديد، أم أن هذه الثورة التكنولوجية ستكون في عالم النفط، الأمر الذي سيمكن النفط من السيطرة لقرن آخر؟
بالنظر إلى تاريخ صناعة النفط وتاريخ التكنولوجيا في مصادر الطاقة الأخرى نجد أن هناك دلائل تؤكد نمو التكنولوجيا في قطاع النفط بشكل أسرع بكثير من نمو التكنولوجيا المتعلقة بمصادر الطاقة الأخرى. إن الخلل الكبير في نظريات هؤلاء الذين يتنبأون بتكنولوجيا جديدة أنهم يفترضون أن شركات النفط لن تتحرك، وأنها ستقف مكتوفة الأيدي متفرجة على التكنولوجيا التي ستقضي على هذه الشركات. التاريخ يثبت خطأ هذه الفرضية، وهناك أدلة كثيرة على ذلك. فيما يلي بعض الأخبار التي نشرت خلال الأسبوعين الماضيين فقط:
تضاعف الاحتياطيات النفطية في بعض الدول
أعلنت وزارة الطاقة الأمريكية منذ نحو أسبوعين نتائج البحوث التي قامت بها شركات متخصصة والتي تتعلق بأثر استخدام ثاني أوكسيد الكربون في زيادة معدلات استخراج النفط من الآبار القديمة أو المستنزفة. وأشارت هذه الدراسات التي مولتها الوزارة بأمر من الكونجرس، أن شيوع هذه التكنولوجيا التي تستخدمها عدة شركات نفطية أمريكية وأوروبية حالياً، قد يجعل احتياطيات الولايات المتحدة تتفوق على احتياطيات السعودية. وأكدت هذه الدراسات أنه بإمكان الولايات المتحدة زيادة احتياطياتها النفطية المؤكدة بأكثر من أربع مرات. الشرط الأساس لهذه العملية هو التمكن من حجز ثاني أوكسيد الكربون الصناعي بتكاليف بسيطة وبيعه لشركات النفط، وهو أمر سيخفف من مستويات التلوث. هذا النوع من التكنولوجيا يستخدم على نطاق واسع في حقول غرب تكساس وبعض حقول ولاية وايومنج الأمريكية، الأمر الذي رفع نسبة الاستخراج بنحو 20 في المائة. لكن أغلب كميات غاز ثاني أوكسيد الكربون المستخدمة يتم استخراجها من باطن الأرض بدلاً من حجز ثاني أوكسيد الكربون المنبعث من المصانع ومحطات الكهرباء. هذا يعني أنه ثبتت فعالية هذه التكنولوجيا في قطاع النفط، ولكن يجب تطوير تكنولوجيا حجز ثاني أوكسيد الكربون. لذلك أعلنت وزارة الطاقة الأمريكية أنها مولت العديد من الشركات المتخصصة بعدة ملايين من الدولارات لإيجاد طرق لحجز ثاني أوكسيد الكربون المنبعث من المنشآت الصناعية.
حتى بدون استخدام التكنولوجيا الجديدة فإن البيانات تشير إلى أن دول "أوبك" ستقوم بزيادة الطاقة الإنتاجية الإضافية بأكثر من مليون برميل يومياً خلال الشهور المقبلة. وتشير أكثر التوقعات تحفظاً إلى أن الدول المنتجة للنفط سترفع طاقاتها الإنتاجية بأكثر من عشرة ملايين برميل يومياً خلال السنوات الأربع المقبلة. وهناك دول كثيرة زادت احتياطياتها بشكل كبير خلال السنوات الأربع الماضية، حيث أنجزت إيران وحدها اكتشافات جديدة رفعت احتياطياتها المؤكدة، ودون التكنولوجيا الجديدة، بأكثر من 25 مليار برميل. ما أضافته إيران لاحتياطياتها خلال السنوات الأخيرة أكبر من الاحتياطيات المؤكدة حالياً في الولايات المتحدة، إحدى كبريات الدول المنتجة للنفط في العالم!
الهيدروجين يواجه تحديات ضخمة
مما لا شك فيه، من الناحية النظرية، أن الهيدروجين مرشح لأن يكون ملك مصادر الطاقة في المستقبل. لكن آخر الأخبار عن خلايا الوقود والهيدروجين غير مشجعة على الإطلاق. فها هي شركة بولارد الكندية، أكبر وأهم شركة لإنتاج خلايا الوقود، بدأت بالتركيز على خلايا الوقود الثابتة على حساب خلايا الوقود المتحركة المستخدمة في السيارات. كما قامت شركات تصنيع السيارات بتغيير خططها فيما يتعلق باستخدام خلايا الوقود في سياراتها. ففي خبر نشر أخيراً أوضحت شركة كرايزلر أنها ألغت برنامجاً لتشغيل سيارات بخلايا الوقود في مطار لوس أنجلوس. كما قامت شركات السيارات الأخرى أخيراً بتخفيض عدد السيارات العاملة بخلايا الوقود. وفي الفترة نفسها ألغت شركة بولارد عروضاً للسيارات المستقبلية العاملة بخلايا الطاقة في معارض عالمية للسيارات في كندا، موطن الشركة، وفي الصين. هذه الأخبار مهمة من ناحيتين. الأولى أن خلايا الوقود الثابتة، التي يزداد الطلب عليها خاصة في اليابان وبقية الدول الآسيوية، تعتمد على الغاز الطبيعي، الأخ الشقيق للنفط، وليس على الهيدروجين المستخلص من مواد غير نفطية. الثانية أن تغيير شركات السيارات موقفها من خلايا الوقود يعني استمرارها في إنتاج المزيد من السيارات المعتمدة على النفط.
أما الهيدروجين في حد ذاته فإنه يواجه تحديات ضخمة، حيث إن المصدر الأساس له حالياً هو النفط والغاز. ففي الوقت الذي تفتخر فيه شركات خلايا الوقود وبعض حماة البيئة بزيادة عدد السيارات العاملة بخلايا الوقود، يتجاهل هؤلاء ذكر حقيقة مهمة وهي أن هذه السيارات تحصل على الهيدروجين من ......."البنزين"!