المالية الإسلامية.. هل تواجه أزمة؟

تمر المالية الإسلامية في هذه الفترة بفترة انتعاش قد تكون غير مسبوقة، حيث تزامن نموها مع الأزمة المالية العالمية، التي كان لها دور في أن تكون المالية الإسلامية محط أنظار الكثير من الاقتصاديين الذين يبحثون عن الفرص، خصوصا السيولة، بعد أن أصبحت شحيحة جدا في المؤسسات المالية التقليدية، ونمو المالية الإسلامية المتواصل والمتسارع في هذه الفترة بالذات يجعل هذه المؤسسات المالية الإسلامية محل شد الانتباه للاقتصاديين ورجال الأعمال الذين يبحثون عن الفرص ويحللون الحوادث والمتغيرات.
حالة النشوة هذه التي تتمتع بها المالية الإسلامية اليوم ينبغي ألا تنسي المهتم بشأن المالية الإسلامية، سواء من الباحثين أو رجال الأعمال، أو كل من يحمل رغبة صادقة في نجاح هذا المجال، نقاط الضعف والعوائق والتحديات التي تواجه مجال المالية الإسلامية وتطبيقاتها في وضعها الحالي، خصوصا عندما نرى أنه مع هذا النمو الكبير في هذه الصناعة، التي بلغت أصولها قرابة تريليون دولار، نجد أن هناك قصورا في الاهتمام بأساسيات نجاح المالية الذي يتطلب وجود كوادر قادرة على إدارة هذه المؤسسات والعمل فيها والابتكار وإيجاد الحلول بناءً على علم ومعرفة بموضوع المالية الإسلامية، كما تحتاج هذه الصناعة إلى دراسات وبحوث ترتكز على إبراز النظريات التي يرتكز عليها الاقتصاد الإسلامي، وتقديم البحوث والدراسات التي تتناول هذا المجال من النواحي الشرعية والاقتصادية والمالية والمحاسبية، إضافة إلى الجوانب القانونية المتعلقة بالأمور المالية والبنكية.
كل هذه العناصر لا بد أن تتكامل لتحقيق التنمية المستدامة للتمويل الإسلامي، فالملاحظ اليوم أنه ليس هناك الكثير من الدراسات والبحوث المتكاملة في هذا المجال، ويغلب على الدراسات المتوافرة أنها عمل فردي لا تتكامل فيه العناصر السابقة، وهذا بالتالي يؤدي إلى قصور واضح في هذا المجال، وقد يؤدي إلى سقوط له من الناحية العلمية، وإن كان في مجال الأعمال يتنامى بالمستوى نفسه القائم اليوم.
والحقيقة أنه لا يخفى أن الكثير من الباحثين لا يشعر بوجود فعلي للمالية الإسلامية، إذ إن التطبيقات الشائعة اليوم في هذا المجال لا تعدو أن تكون تغييرا جزئيا لما هو سائد من تطبيقات للمالية التقليدية، فللوصول إلى تطبيق فعلي للمالية الإسلامية لا بد من وضع إطار واضح لهذا الموضوع، وحوكمة لعمل المؤسسات المالية، ومعايير واضحة تكون مرجعا لتقييم مدى التزام هذه المؤسسات بها، وبناءً عليه يتم إصدار تقييم دوري لمدى التزام المؤسسات المالية التي تصف نفسها بأنها مؤسسات تقدم معاملات متوافقة مع الشريعة بما يمكن أن يطلق عليه الجودة الشرعية في منتجاتها، وهذا التقييم مؤشر مساعد لكل من له علاقة بهذه المؤسسات.
بطبيعة الحال فإن هذا المشروع لا شك أنه ضخم ويتطلب جهودا كبيرة، وقد يحتاج إلى مدة طويلة للتأكد من أن مخرجات هذا العمل قابلة للتطبيق، إلا أنه الوسيلة الصحيحة لتحقيق نجاح حقيقي لهذا الموضوع، كما أنه لا بد أن يتم هذا العمل من خلال مؤسسات مستقلة مثل البنوك المركزية، والمؤسسات الأكاديمية، والمراكز البحثية.
أما الاعتماد على الهيئات الشرعية، كما هو حاصل اليوم على أساس أن لها المرجعية المطلقة في إجازة منتجات المؤسسات المالية الإسلامية، فهو وإن كان له دور كبير في نجاح المؤسسات المالية الإسلامية في الفترة السابقة، إلا أنه لا يمكن الاعتماد عليه في الفترة القادمة إذا ما أرادت المؤسسات المالية الإسلامية العمل بشكل احترافي، يسهم في تحقيق التنمية المستدامة لمجال التمويل الإسلامي.
الحقيقة أن هناك قلقا فعليا من الوضع السائد للمالية الإسلامية، ومن مؤشراته أن المؤسسات المالية الإسلامية تعتمد بشكل كبير في منتجاتها على الآليات والمعايير التي تعتمدها المؤسسات المالية التقليدية في المعاملات التي تعتبرها المؤسسات المالية الإسلامية في الأساس محرَّمة وغير متوافقة مع الشريعة.
من المؤشرات أيضا أن هناك شعورا لدى مجموعة من المتخصصين، ومجموعة كبيرة من المستفيدين بأنه ليس هناك فرق جوهري بين المالية التقليدية والمالية الإسلامية.
إنه بعد الأزمة المالية العالمية وجدنا أن مجموعة من المؤسسات الدولية والسياسيين كان لديهم مطالبة ورغبة في الاستفادة من النظام المالي الإسلامي، إلا أنه ما فتئ هذا الصوت يخفت ويتلاشي بعد أن برز لكثير من الخبراء أنه لا توجد معايير واضحة لعمل المؤسسات المالية الإسلامية، فأصبح هناك استفادة فقط من هذا القطاع للحصول على السيولة، مع عدم القناعة بالطريقة التي يسير عليها.
إن الكثير من الذين يديرون عمل المؤسسات المالية الإسلامية في الوقت الحالي نشأوا وتعلموا في محيط المالية التقليدية، دون أن يكون لديهم بعد ذلك إلمام كاف بالمالية الإسلامية، وهذا يؤدي إلى الاستمرار في استخدام الآليات نفسها مع تغيير محدود في شكل المعاملات.
إن بعض المؤسسات الأكاديمية التي بدأت تقدم برامج في مجال التمويل الإسلامي، لا تركز كثيرا على الجوانب الشرعية للمعاملات المالية، بل تقدم برامج أكاديمية مشابهة للمالية التقليدية مع إضافة محدودة لمقررات تعرض مفهوم المالية الإسلامية بشكل يمكن أن يوصف بأنه سطحي.
ندرة البحوث المتميزة في مجال المالية الإسلامية، التي غالبا ما يتم نشرها في مجلات علمية من الدرجة الأولى، وهذا مؤشر على عدم وجود دعم جيد لمجال البحث العلمي في هذا المجال والبحث العلمي يعتبر الأساس لتأصيل هذا العلم، وابتكار تطبيقات صحيحة له.
الخلاصة أنه وإن كانت المالية الإسلامية تحقق نجاحات على مستوى المؤسسات المالية، فإن هذا لا يعني أنها تتقدم كثيرا على المستوى العلمي والبحثي والضبط لأعمالها بما يؤهلها فعليا للمنافسة والتفوق على المؤسسات التقليدية، واحترام طبيعة عملها على مستوى المؤسسات الدولية؛ ولذلك فإنها ربما تواجه أزمة في المستقبل القريب إذا لم يكن هناك تغيير في طريقة عملها.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي