التعاملات الإلكترونية الحكومية .. أين وصلنا؟
الحكومة الإلكترونية .. بدت كحلم صعب التحقيق يُراود المسؤولين والمختصين في مجال تقنية المعلومات وتنظير مُحال التحقيق في مجتمعات بدأت للتو تتعرف على الحاسب وتقنياته وتعتبر من يُجيد استخدامه من عباقرة القرن. سنوات قليلة بعد أن أُدخل الحاسب في المدارس ثم جاءت ثورة الأسهم ومعها انطلقت خيول الأحلام إلى عالم البذخ والثراء، فإذا بالحواجز تتكسر والجميع يتراكضون لامتلاك أجمل أجهزة الحاسب وتقنيات الاتصال بالإنترنت، حيث يستطيعون ''التداول'' .. وهكذا ـــ رُبّ ضّارة نافعة ـــ ذاب الجليد وأصبح التعامل مع الحاسب من بديهيات الحياة في السعودية. لقد سهّلت هذه النقلة مهمة الجهات الحكومية وبرنامج التعاملات الإلكترونية الحكومية ''يسر'' في بلورة شكل ومضمون ''الحكومة الإلكترونية''، إلا أنه للأسف كان تفاعل المواطن مع تلك التعاملات أسرع من قدرة تلك الجهات على بنائها وصياغتها بالشكل الذي يطمح إليه الجميع، ولم تسير قافلة ''يسر'' بتلك التعاملات بحسب ''خطتها الاستراتيجية'' كما كانت تطمح إليه، لذا أصبح الجميع يتساءلون عندما تُرهِقُهم بِيروقراطية المراجعات لكثير من الدوائر الحكومية والتردد عليها وسط زحام السيارات الذي لا ينتهي في عاصمتنا الحبيبة ''الرياض'': لِمَ لمْ تُحّول تلك الخدمات إلى صورتها الإلكترونية حتى الآن؟!
لقد تشرفت بزيارة المؤتمر الوطني الثاني للتعاملات الإلكترونية الحكومية الذي عُقد مطلع هذا الأسبوع، والذي أسهمت ''يسر'' مع عدد من الجهات الحكومية والشركات بتنظيمه بشكل رائع، كان فرصة للجميع للاجتماع وتبادل الخبرات والتعريف بالخدمات المتوافرة حتى الآن في عدد من الجهات الحكومية، هنا أجد الوقت مناسبا لنتساءل بشكل جريء ونُقّيم بشكل صريح وشفاف ما وصلنا إليه حتى الآن في برنامج الحكومة الإلكترونية، نحن الآن في نهاية عام 2010 أي في نهاية الفترة الزمنية للاستراتيجية الوطنية والخطة التنفيذية الأولى التي تقرر تنفيذها خلال الفترة الزمنية 2006 ـــ 2010م، فإن أردنا أن نُقيم هذه الاستراتيجية وخطتها التنفيذية بشكل سريع فيكفي أن ننظر إلى ما تحقق من أهدافها الاستراتيجية، خمسة أهداف بحسب الموقع الرسمي لـ ''يسر''، هي كما يلي:
١ـــ توفير الخدمات ذات الأولوية العالية (١٥٠ خدمة) إلكترونيا بمستوى راق من الخدمة.
٢ـــ توفير خدمات بشكل متكامل ومبسط للمستخدمين وعلى مستوى عال من الأمان.
٣ـــ إتاحة الوصول إلى الخدمات الإلكترونية للجميع على طوال الساعة من أي مكان داخل المملكة وخارجها.
٤ـــ تحقيق مستوى استخدام للخدمات الحكومية الإلكترونية بنسبة ٧٥ في المائة من المستخدمين.
٥ـــ تحقيق نسبة ٨٠ في المائة لرضاء المستخدمين عن الخدمات الإلكترونية.
لم يتوافر من تلك الــ 150 خدمة أكثر من 20 في المائة وبجودة متفاوتة ربما يتصدرها في الجودة ودرجة الأمان تلك الخدمات التي طورتها شركة ''العلم'' السعودية ،وهي بحق شركة وطنية تستحق الإشادة ـــ وإن لم تأخذ حجمها المناسب حتى الآن، يأتي بعد ذلك خدمات إلكترونية متفاوتة الجودة تم تطوير معظمها بشكل مستقل عن ''يسر'' عبر جهود بعض الجهات الحكومية وبتمويلها الذاتي، إما من خلال بيئات تطوير داخلية بالكامل كما في المؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني التي بدأت بذلك قبل تأسيس ''يسر'' وبدعم سخي وجريء من قيادتها العليا وبخبرات ومهارات رائعة لموظفيها من مواطنين ومقيمين، حتى حققت سبقا وريادة في هذا المجال، أو عبر شركات خاصة كما في الهيئة الملكية وغيرها مما أخذت على عاتقها تطبيق واستخدام نظم إدارة الموارد المالية والإدارية العالمية وما تتضمنه من أدوات لتطوير الخدمات الإلكترونية الذاتية.
في الختام، ما مدى سهولة الاستخدام والاستقرار ودرجة الأمان أو الجودة بشكل عام لمنظومة التعاملات الإلكترونية الحكومية التي تحققت حتى الآن؟ وهل حققت فعلاً نسبة ٨٠ في المائة من رضا المستخدمين؟ ولِمَ لمْ تتمكن ''يسر'' من تحقيق نسبة مقبولة من أهدافها الاستراتيجية المذكورة أعلاه عبر خطتها التنفيذية ـــ رغم جودة استراتيجيتها بشكل عام وتوافر الدعم السخي لها من حكومة خادم الحرمين ـــ حفظه الله ـــ وامتلاكها فيما أعلم عددا من الكوادر البشرية المميزة؟ الكلام في هذا يطول أتركه لمقال آخر قريب ـــ إن شاء الله.
ودمتم بخير وسعادة.