مظلة الخير .. والمعرفة والإنسانية

ذكرت في مقال سابق، بمناسبة العفو الكريم في شهر رمضان المبارك، عندما نحاول رسم صورة عامة لخادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز ـــ حفظه الله ـــ تعجز المخيلة عن تجسيد الجانب الإنساني طوال مسيرته ـــ أيّده الله ـــ فهو بالرغم من مكانته ومهابته، فقد فاقت إنسانيته معظم ملامح شخصيته، وغطت هذه السجايا الكريمة آلام الإنسان السعودي وتجاوزته إلى المسلم والعربي، والعالمي.
ولم يكد مداد هذا المقال السابق تجف، حتى أصدر ـــ حفظه الله ورعاه ـــ قرارا خيريا وإنسانيا، إن جاز التعبير، بإنشاء مؤسسة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود العالمية للأعمال الخيرية والإنسانية.. التي تأتي، بحسب تصريح الأمير خالد بن عبد الله بن عبد العزيز، نائب رئيس مجلس أمناء هذه المؤسسة، انطلاقا من مبادئ الدين الإسلامي الحنيف الذي يحث على التكافل بين المسلمين، ومد أواصر التعاون والتكاتف فيما بينهم؛ وتأتي تأسيا بعناية الإسلام بالعمل الخيري والإنساني، وما يمثِّله من تنمية للشعوب والمجتمعات، بما في ذلك الدعوة إلى الله، وبناء المساجد والمراكز الإسلامية، والعناية بأحوال المسلمين في العالم أجمع، ورفع قيمة الحوار بين أتباع الحضارات والأديان، وما يعود به ذلك من رفعة ونصرة للإسلام والمسلمين، وامتدادا لحرص خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز ـــ حفظه الله ـــ ورغبته في خدمة دينه.. ثم وطنه وشعبه الغالي وأمتيه العربية والإسلامية جمعاء.
وهذا ليس بغريب عنه ـــ حفظه الله ـــ فيعد الجانب الخيري والإنساني في مسيرة خادم الحرمين الشريفين، جانبا أصيلا متجذرا في شخصه الكريم، ولم يكن عطاؤه الإنساني مقصورا على المملكة وشعبها قط، بل تعداها إلى المستويين الإقليمي والدولي؛ انطلاقا من قول الرسول الكريم ـــ صلى الله عليه وسلم: "إن لله عبادا اختصهم بقضاء حوائج الناس، حبَّب إليهم الخير، وحبَّب الخير إليهم، أولئك هم الآمنون من النار يوم الفزع الأكبر".
والمدقِّق في أهدافها السامية، وغاياتها ومقاصدها النبيلة، التي تبناها ـــ أيده الله ـــ وحدَّدها نظامها الأساسي، ومن ذلك، بناء المساجد والمراكز الإسلامية ودعمها؛ ودعم جهود الحوار بين أتباع الحضارات والأديان، وتشجيعها والمساهمة فيها؛ وإعداد البحوث والدراسات ودعم الجهود المتعلقة بأغراض المؤسسة وتطويرها ونشرها، وبخاصة نشر معاني الوسطية والاعتدال والتسامح والسلام وتعزيز القيم والأخلاق، والتقريب بين المذاهب الإسلامية، والحد من الفرقة والخصام، ونبذ العنف ومكافحة الجريمة بجميع أشكالها؛ والقيام بجميع الأعمال والخدمات ذات الصلة بتعليم الشريعة الإسلامية والتفقه في أحكامها، والنشر في هذا المجال؛ وإنشاء الجامعات والكليات، والمدارس، والمعاهد، والمكتبات، ونحوها، والمراكز بجميع أنواعها (المهنية، والتقنية، والتعليمية، والاجتماعية، والبحثية، وغيرها)، وكذلك إنشاء المستشفيات والمصحات، ودور العلاج والرعاية والتأهيل المختلفة، وإدارة أي من هذه الكيانات وتشغيله؛ وتخصيص الكراسي العلمية والبحثية باسم المؤسس في المؤسسات التعليمية، تتوجه نحو نشر معاني الوسطية والاعتدال وتعزيز القيم والأخلاق والتقريب بين المذاهب الإسلامية؛ وتقديم المساعدات والمنح للباحثين والدارسين في شتى أنواع العلوم والدراسات التي تتيح الفرصة في الاستزادة من ألوان المعرفة والثقافة المختلفة بما يسهم في النهضة العلمية العالمية؛ وإقامة الدورات، والندوات، والمؤتمرات، والمنتديات، والمعارض، والحلقات، وورش العمل، ذات الصلة بأغراض المؤسسة، والمشاركة فيما قد تقيمه منها جهات أخرى داخل المملكة أو خارجها؛ وتشجيع أعمال الترجمة (من اللغة العربية وإليها) المتعلقة بأغراض المؤسسة بجميع الوسائل، ودعمها؛ ونشر الكتب والمذكرات والدوريات والتراجم وغيرها من الوثائق ذات الصلة بأغراض المؤسسة، وتوزيعها؛ والتعاون مع المؤسسات والمنظمات والهيئات والجامعات ونحوها في الداخل والخارج، وعقد الاتفاقات التي تساعد على تحقيق أغراض المؤسسة، بما ينسجم مع السياسة العامة للدولة؛ والمساهمة في تقديم الخدمات الإغاثة بجميع أنواعها؛ وتقديم المساعدات للمحتاجين، وتوفير السكن لهم وإقامة المشروعات الإنتاجية، ودعم مؤسسات الإقراض ـــ المدقِّق في ذلك؛ يجد أن هذه المؤسّسة الخيرية والإنسانية، تترجم عمليا سياسة مملكة، ونهج إنساني لملك، بكل مرتكزاتها وتطوراتها الحضارية؛ مواكبةً لمنجزه الحضاري، ورسالته الإنسانية للعالم أجمع في نشر ثقافة الحوار، والتسامح والسلام، وتحقيق الرفاهية، وتطوير العلوم.
بقي اقتراح حول مهام هذه المؤسسة الخيرية ومقاصدها النبيلة، حيث لاحظت أنها تجمع من بين ما تجمع، مهام وأهداف ومقاصد مؤسّسات أخرى، دشّنها خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز ـــ حفظه الله،ـــ في وقت سابق، هي الآن ملء السمع والبصر، مثل: مكتبة الملك عبد العزيز العامة في الرياض، ومشاريعها الحضارية المعروفة: جائزة خادم الحرمين الشريفين عبد الله بن عبد العزيز العالمية للترجمة؛ وموسوعة المملكة العربية السعودية، وبرامجها في الحوار بين الحضارات؛ وفرعها المزمع إنشاؤه في جمهورية الصين قريبا وتوأمها في الدار البيضاء: مؤسّسة الملك عبد العزيز آل سعود للدراسات الإسلامية والعلوم الإنسانية؛ ومؤسّسة الملك عبد الله بن عبد العزيز لوالديه للإسكان التنموي؛ وجامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية...، ومركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني، ومركز الملك عبد العزيز للدراسات الإسلامية وحوار الحضارات؛... ويحدوني الأمل لرؤية مؤسسة الملك عبد الله بن عبد العزيز الخيرية والإنسانية كمظلة عامة لهذه المؤسّسات التي ذاع صيتها بالبرامج والفعاليات المحلية والإقليمية والعالمية على السواء، تجذب كل يوم مؤيدين لمواقفنا على الساحة الدولية، وتعكس في الوقت نفسه، قيمنا ومبادئنا..؛ حتى تعطي هذه المؤسسات الفرعية قوة دفع قوية؛ لتحفيز التميّز، وترشيد مسيرتها، وتقويمه، خاصة أن أعمال هذه المؤسسات الفرعية ستكون نعم العون والسند لــ "جائزة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود العالمية" في المجالات المرصودة لأنشطة المؤسسة وفعالياتها.. في هذا الشأن؛ ما يسهم في تركيز العمل، وتنويعه والدقة في اختيار المشروعات الإنسانية والرفع من مستواها لتكريس تواجدها وتوكيد مكانتها الخيرية والإنسانية العميقة، التي تؤثّر في المستفيدين أيا كانوا دون تفرقة لجنس أو دين أو مذهب.. وتلك هي منتهى الجهود الخيرية والإنسانية..؛ حتى تبقى مؤسّسة مظلة للخير والمعرفة والعطاء والإنسانية.
واللهَ نسأل أن يسدد خطى خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز؛ ويجعل ما يقدّمه من مبادرات ومؤسسات خيرية وإنسانية، في موازين حسناته، وأن يوفق القائمين عليها لتحقيق هذه الرؤية الخيرية والإنسانية؛ ويبتكروا في تحفيز المؤسسات الخيرية ذات العلاقة في المملكة والعالم لتطوير أدواتها؛ وتقويم أدائها؛ والتحوّل من العمل التقليدي إلى مستوى متقدم من خلال تبني الرؤية الخيرية والإنسانية الشاملة؛ وأن يحفظ بلادنا وولاتنا من كل سوء؛ إنه سميع مجيب.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي