هل يستعين مجلس الأمن بـ «فيفا»؟
نشأت ''فيفا'' كمنظمة دولية غير حكومية تضم الأندية الرياضية وتنظم التعاون الرياضي في هذا المجال على مستوى العالم، وهي منظمة فنية لا علاقة لها بالسياسة. لكن ''فيفا'' التي تحظى انتخابات هيئتها الإدارية ورئاستها بأهمية فائقة على المستوى الدولي شعرت بقوتها بسبب تعلق الشعوب قاطبة بكرة القدم واهتمامهم بمتابعة المباريات، فصار نجاح الدول في الظفر بقرار تنظيم الدورة الأولمبية على أراضيها مدعاة للشرف والمكانة، كما أن جانبها الاقتصادي والدعائي والسياحي يدخل في قطاع الاستثمار المتعدد الفوائد، وتطالعنا الإحصاءات الاقتصادية بأرقام مذهلة جعلت حتى الولايات داخل الولايات المتحدة تتنافس فيما بينها على استضافة أكبر عدد من المباريات، حيث تتوزع المباريات داخل الدولة الواحدة على مناطقها. ولا شك أن ''فيفا'' قد أرست قواعد صارمة وأخلاقيات حازمة في مجال رياضة كرة القدم، لكنها أثرت أيضا ثراءً مذهلا وتداخل نشاطها مع الإعلام والسياسة. يكفي أن نحيل إلى الأزمات الكبيرة التي تحدث بين دول ومحطات فضائية تدفع أكثر لتتملك حقوق وتسويق إذاعة المباريات في منطقتها، كما حدث مع قنوات الجزيرة الرياضية، كما أن فشل الدولة في ترتيب نقل المباريات القارية أو العالمية يسبب بؤسا لشعبها، كما حدث في أزمة الاتفاق بين التلفزيون المصري وقنوات الجزيرة. يهمنا في هذه المقالة أن نسلط الضوء على الجانبين السياسي والاقتصادي في نشاط ''فيفا''، حيث أصبحت أقوى المنظمات الدولية حتى الحكومية منها، وتستطيع ''فيفا'' أن تتوسع في استثمار دخولها الرياضية الهائلة وأن تكون مثل الشركات العملاقة العابرة للقارات والجنسيات مع فارق هائل، وهى أنها شركة المجتمع الدولي كله وليس شركة خاصة تتمدد كالأخطبوط في كل القارات، كما تستطيع ''فيفا'' أن تنفق مما ينهمر عليها من دخول على إنشاء مدارس التدريب للاعبين والحكام وعلى فرق بعض الدول المعدمة، فضلا عن إنشاء شركات لتأمين المباريات، بل وإنشاء جهاز للاستخبارات الرياضية والتلاعب في العقود والصفقات، وبذلك تصبح ''فيفا'' مثل الدول القوية.
غير أن ''فيفا'' بدأت في حالات صارخة لا تميز فيها بين دول كبرى وصغرى تعترض على بعض قراراتها الرياضية؛ فوجهت النقد إلى فرنسا والسودان والعراق والكويت، وبعض هذه الملاحظات يتعلق بعدم نزاهة انتخابات مجالس إدارات الأندية أو التدخل من جانب الدولة في أعمال الأندية والتأثير على قراراتها اليومية. أما العقوبات فهي في قانون ''فيفا'' لا حصر لها، قد تصل إلى حد حرمان الفرق القومية من التنافس في المباريات العالمية، وعدم اعتماد نتائج مباريات بعض الفرق المخالفة، ومعاقبة الفريق الذي لا يظهر جمهوره ومشجعوه الانضباط الواجب، ولـ ''فيفا'' دور كبير وتجارب سابقة كثيرة في هذا المجال. لعلنا نذكر أنه في المباراة بين مصر والجزائر فصلت ''فيفا'' فأضافت زيتا على العلاقات المتردية.
تردد ''فيفا'' أنها تلتزم بالبعد عن السياسة وأن هدفها هو إشاعة المحبة للكرة بين الشعوب، أما مجلس الأمن فهو جهاز سياسي خالص ينشد تحقيق الأمن للدول عن طريق العقوبات، فهل يفكر المجلس في الاستعانة بـ ''فيفا'' للضغط علي الدول لكي تحترم قراراته؟. أم أن ''فيفا'' تمارس دورها لضبط الأوضاع الكروية دون التورط في التعقيدات السياسية والاستمرار في تطوير العلاقات الرياضية بطريقتها، واستمتاع الناس بهذه اللعبة الشعبية؟