إسرائيل .. والأزمة المكتومة بين واشنطن وأنقرة

نقل أن أوباما حذر أردوغان من تداعيات الأزمة مع إسرائيل على العلاقات التركية ـــ الأمريكية، وبذلك يبدو أن واشنطن قررت أن تعيد الحكومة التركية إلى دائرة مغلقة في المثلث الحرج بين أنقرة ـــ واشنطن ـــ تل أبيب، حتى تدرك أنقرة أنها ليست حرة في تكييف علاقاتها بإسرائيل وأنه عند نقطة معينة من تقدم السياسات التركية فإنها تصطدم حتماً بالحائط الأمريكي. ويمكن معالجة هذا الموضوع من أربعة مداخل. المدخل الأول هو العلاقات الثنائية بين أنقرة وتل أبيب على اعتبار أن العامل الأمريكي عامل ضابط أو أحد عوامل القرارات التركية والإسرائيلية. المدخل الثاني، هو العلاقات التركية ـــ الأمريكية، حيث يكون العامل الإسرائيلي أحد عوامل ضبط هذه العلاقات.
المدخل الثالث، هو نقاط التصادم واللقاء بين سياسات مستقلة للدول الثلاث، وبذلك يكون مثلث العلاقات مسؤولية مشتركة من الجميع. مقتضى هذا المدخل أن المشاريع التركية والإسرائيلية والأمريكية بدأت بالتصادم عندما بدأ متغير أساسي يظهر إلى الوجود وهو المشروع التركي في عهد حكومة حزب العدالة والتنمية، وهذا الجزء من التحليل هو الذي تفضله واشنطن وتل أبيب، حيث تتهم إسرائيل والولايات المتحدة تركيا بأنها خرجت عن سياسات محددة كانت فيها عوناً للمشروع الصهيوني ـــ الأمريكي، وهذا هو الجديد وأنه لا يمكن التسامح في ذلك، وعلى تركيا أن تعود مرة أخرى إلى دورها القديم، على أن تتولى واشنطن تأمين المصالح التركية المطلوبة دون أن تجتهد تركيا في تحديد وسائل التحرك لخدمة هذه المصالح، وإلا فإن واشنطن ستكلف أنقرة الكثير وتدفعها إلى أن تعيد النظر في حساباتها وتعود مختارة إلى هذا المثلث، ولكن بعد تزاحم الضغوط عليها وحصارها في كل الساحات.
وقد أبدت واشنطن مواقف بالغة الجفاء تجاه تركيا خلال مرحلة الاحتكاك التركي ـــ الإسرائيلي، وكانت تنظر بقلق إلى سياسات التقارب التركية مع سورية وإيران وغزة، في الوقت الذي تسعى فيه واشنطن إلى حصارها. ثم صدمت واشنطن تركيا خلال أزمة أسطول الحرية بمواقفها الداعمة لإسرائيل، مما أثار الرأي العام التركي ضد كل من إسرائيل والولايات المتحدة وولد دعماً هائلاً لتركيا في العالمين العربي والإسلامي ضد الولايات المتحدة وإسرائيل، وصورت تركيا على أنها تدفع ثمن تصديها لتمدد المشروع الصهيوني. تدرك تركيا أن إسرائيل هي التي تساند حزب العمال الكردي، التحدي الأكبر للحكومة التركية، فضلاً عن المؤامرات ضد حزب العدالة والتنمية. فهل المشكلة هي سياسات هذا الحزب المطابقة لمشاعر الأتراك ومصالحهم في نظام ديمقراطي، أم تتراجع الحكومة أمام قسوة التدخل الأمريكي وفظاظته؟ إن تركيا لا شك تشعر بالقهر ولا يزال مشهد زعماء إسرائيل في لجنة التحقيق يشيدون ببطولة قتلة الأتراك يطن في آذان الأتراك. فهل تعود تركيا إلى بيت الطاعة أم تقرر تركيا أين تقع مصالحها وتتخذ القرار الذي يخدم هذه المصالح في الداخل والخارج. التراجع مهين ويفقد النظام مصداقيته، والمضي في السياسات الحالية يصطدم بالمحظورات الأمريكية والأشواك الإسرائيلية. لقد أرغمت تركيا على معاداة الجميع في علاقتها مع واشنطن وإسرائيل منذ عام 1946، وجمعها بين الجميع في صداقة متوازنة مهمة صعبة، فهل تنجح في هذا التوجه المفيد للمنطقة والعالم؟

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي