شهر رمضان هل يحيي فينا روح الاهتمام بالمساجد؟
أقبل شهر رمضان، وعسى الله أن يتقبل صيامنا وقيامنا. وكعادتي أحببت أن أذكركم بدور المسجد. وقد يكون المسجد والمعدة أكثر ما نتعامل معه ونشبعه أو نملأه في هذا الشهر، وبعد انتهاء الشهر ننسى تلك المساجد التي خدمتنا طوال هذا الشهر الفضيل ولا نعود نهتم بها وبدورها الفضيل طوال العام. وكأن شهر رمضان لن يعود؛ فهو يشرفنا ويزورنا كل عام، فننسى أهمية المسجد ولا نعطي تلك المساجد العناية اللازمة. وتلك العناية ليس المقصود منها صيانة ميكروفونات فقط، وإنما الاعتناء بالنظافة والطهارة التي هي أساس ديننا، ثم الاهتمام بمظهر المسجد وتنسيق وتشجير ما حوله. إن أكثر ما يسيء إلى مساجدنا هو الروائح التي تنبعث من دورات المياه وعدم وجود صابون للنظافة، حتى إن بعض الناس يصافحون غيرهم من المسلمين بعد خروجهم من دورات المياه ومن دون طهارة.. أليس أقل ما يمكن أن نقوم به كمؤمنين هو أن يتبرع بعضنا بعلبة صابون ولو أسبوعية لكل مسجد؟. لقد غصت تلك المساجد بالمصلين، الذين ما أكثر تبرعهم للغير، لكن لمساجدهم يبخلون بالقليل. فليت من يتبرع بمشروع إفطار صائم، الذي يذهب نصفه إلى برميل النفايات، أن يفكر في التبرع لنظافة المسجد. وأن يكون ذلك على هيئة صندوق يضع فيه الجميع تبرعات للمسجد، وإن خفنا أن يتلاعب بها أحد فلنتبرع عينا كأن يتبرع أحدنا بوقت ساعة من سائقه أو أحد أبنائه؛ فالأجر عظيم لما يقدمه من خير للمسجد وإخوانه المسلمين.
وقد قال تعالى في محكم كتابه (إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللَّهَ فَعَسَى أُوْلَئِكَ أَن يَكُونُواْ مِنَ الْمُهْتَدِينَ) صدق الله العظيم (التوبة الآية 18). لكن نرى اليوم أن هناك مفهوما خاطئا للآية الكريمة، حيث إن الإعمار لم يكن المقصود به بناء المساجد من الناحية الإنشائية، ثم التأكد من وجود ميكروفونات فقط. وإنما إعمارها بجعلها عامرة بالمصلين وجاذبة لهم، وذلك بالاهتمام بها والعناية بصيانتها ونظافتها ودورات المياه وعدم منافستها أو مزاحمتها بالمساجد الأخرى، حيث إن ذلك أصبح يفرق جماعة المسلمين، وذلك بعكس ما نراه اليوم من البناء العشوائي والمسيء للمساجد داخل الأحياء ومن دون احترام لشخصية المسجد ودوره الاجتماعي.
والإعمار له علاقة قوية بعملية التخطيط واختيار المواقع للمساجد وحساب المسافات التي تفصل بينها وتمكين المصلين من الوصول إليها بيسر قبل بنائها، بحيث تؤدي الغرض المطلوب منها بأفضل صورة؛ لكي يعم نفعها الجميع. والمساجد لها تدرجها الهرمي والوظيفي، فهناك مساجد كبيرة جامعة تكون عادة في مركز المدينة وتقام فيها صلاة الجمعة والجنازة، علاوة على جميع الفروض، ثم المساجد الجامعة في مركز الحي، ثم المساجد الصغيرة على الأطراف. وكذلك هناك مساجد العيد والاستغاثة. وهذا التدرج مطلوب ومهم في عملية التنظيم والتخطيط لبناء المساجد واختيار أنسب المواقع لها.
وقد انتشرت في الآونة الأخيرة ظاهرة بناء المساجد داخل الأحياء مبنية من مواد بناء رخيصة ولها خطورتها الإنشائية على المصلين، سواء من البناء أو التمديدات الصحية والكهربائية التي قد تؤدي إلى الحرائق. كما أنها نفذت بطريقة عشوائية ودون توازن في العدد أو التدرج والتنظيم؛ وذلك بسبب عدم مراعاة المخططات البلدية لدائرة خدمة المسجد وأنسب المواقع له. فنجد بعض الأحياء مكتظة بالمساجد، بينما يفتقر إليها البعض الآخر. وأصبح الفهم الصوري للإعمار وللآية القرآنية هو الغالب، وكأنما القصد هو كثرة بناء المساجد، بينما المقصود هو جعلها عامرة بكثرة المصلين لا أن تبنى مساجد منافسة لها، وبذلك يقل إعمارها بالمصلين. والإعمار يكون بالتوفير في بعض التكاليف غير اللازمة مثل الزخرفة أو القباب العالية التي تشغل المصلين عن صلاتهم والاحتفاظ بهذا التوفير مستقبلا لجعل المساجد عامرة بالمصلين والدارسين، وذلك بتغطية نفقات ما بعد التأسيس من نظافة وصيانة وغيره.
وعلى النقيض، فإن عملية بناء المساجد بصورة عشوائية قد تؤدي إلى تفرق الناس بدلا من تجمعهم في مسجد واحد، وأصبح كل حفنة من الناس لهم مصلى واحد قريب من منازلهم وأصبح الإنسان لا يصلي مع جاره الملاصق من الجنب أو من الخلف ولا يعرفه. وكثرت عملية تداخل أصوات مكبرات الصوت وأصبحت النساء المؤمنات لا يستطعن سماع الخطبة أو الأحاديث بسبب تداخل الأصوات. وكذلك الحال بالنسبة إلى إمام المسجد فقد أصبح لا يستطيع التركيز على القراءة أو التلاوة بسبب هذا التداخل في الأصوات لدرجة أن بعض المصلين يركعون أو يسجدون خلافا للمصلين معهم بسبب سماع تكبيرة الإمام في مسجد آخر.
ومن هذا المنطلق، فإنه لا بد من الاهتمام بكيان المسجد وأهميته وإيجاد الحلول التخطيطية لإبراز دوره الاجتماعي والتخطيط لاختيار المواقع التي تجمع أكثر ما تستطيع من المصلين، بحيث تكون فعلا جامعة وعامرة وتدر المنفعة العامة على المسلمين. وأن يتم احترام دور المسجد بوضع معايير تخطيطية وتصميمية جيدة تحفظ للمسجد كرامته وشخصيته وبتوزيع متدرج على الأحياء السكنية ومتناسب مع الكثافات السكانية لكل حي.
إنه من الواجب أن يتم تسخير بعض الأبحاث العلمية لدراسة مواد البناء التي تخدم التوفير في بناء وتشغيل وصيانة المساجد، وأن يكون هناك لجنة متخصصة في الموافقة على التصاميم أو وضع تصاميم نموذجية للبناء بدلا من التشويه الذي نراه اليوم لعمارة المساجد، مع إعطاء اهتمام أكبر بعناصر المسجد، خاصة ما نلاحظه من تشويه وعدم تناسق لمنارات المساجد مع الطابع العمراني والإسلامي للمدينة.
والتوفير في بناء المساجد يجب أن يخصص لعملية النظافة والصيانة، حيث إن أغلب مرافق المساجد، خاصة دورات المياه تكون دائما مهملة وتنبعث منها روائح تؤذي المصلين، وهذه ظاهرة مشهودة في معظم المساجد فبعض ضعاف النفوس لا يؤمنون أن النظافة من الإيمان ويتركون المخلفات التي تؤذي الغير ويتركون صنابير المياه والبرادات والأنوار مفتوحة، ولا يدركون أهمية حفظ أموال المسجد والمسلمين، وحتى الذين يدركون ذلك لا يتبرعون بساعة واحده أسبوعيا من وقتهم أو أبنائهم أو مستخدميهم للاعتناء بنظافة هذه المرافق، أو على الأقل التبرع بمبلغ بسيط شهريا من كل مصلٍ لتنظيف المسجد ومرافقه.
ومن منطلق الحرص على الوصول إلى حلول تخطيطية وعمرانية للمساجد، فإنني ما زلت أرى أن العودة إلى التخطيط الإسلامي للحي هي أنسب الحلول؛ وذلك بجعل المسجد الجامع في وسط الحي وإعطائه احترامه بإقفال الشوارع المحيطة به ما أمكن وتوفير ساحة كبيرة تحيط به ومظلات مع تشجيرها بالنخيل المثمر الذي يمكن التبرع به للمحتاجين وتنسيقها وإمكانية السماح لبعض الخدمات الضرورية مثل بقالة صغيرة توفر الاحتياجات الضرورية والتعاون مع مصلحة البريد لوضع صناديق بريدية للسكان يقوم بإدارتها وصيانتها بعض المسنين أو المتقاعدين وفق مكافأة معقولة، وأن يتم إبداء اهتمام أكبر بعملية العناية بالمسجد ونظافة مرافقه، وأن يخصص جزء من تبرعات المسلمين لذلك أو أن يتبرع أهل الحي بساعة من وقت أي منهم أو مستخدميهم لذلك، وألا يبخلوا على المسجد والجيران وعلى أنفسهم بالرقي بمستوى بيت الله ونظافته وما يتركه ذلك من أثر طيب على المصلين، والأجر من الله. كما أرى أن تقوم وزارة الشؤون الإسلامية وهيئات الأمر بالمعروف بدورها في مسؤولية مراقبة نظافة مرافق المساجد وتثقيف وتوعية الناس إلى أهمية ذلك، وإلى تنوير الناس إلى الوقوف بسياراتهم بطريقة منظمة حول المساجد تعكس شخصية المؤمن القوي وتحضره، من دون أن يقفلوا ويسدوا الطريق ويمنعوا السيارات التي بها نساء مؤمنات قادمات للصلاة، أو محتبسي البول ويفاجأون بالطرق المسدودة بالسيارات المزاحمة للمسجد والطريق وتسد الطريق عليهم. وما الذي يمنع الإنسان من إماطة الأذى عن أخيه المسلم وأن يقف ولو بعيدا عن المسجد، فإن كل خطوة إضافية إلى المسجد تعتبر صدقة ورياضة.
لقد سبق أن دعوت إلى ذلك الاهتمام منذ سنوات وتمنيت أن يتم تبني مشروع مسجد جامع كبير مثالا للعمارة الإسلامية والتراث الوطني لمدينة الرياض، يكون أهم معالم المدينة التي ما زالت في حاجة إلى جامع كبير يضاهي جامع قصر الحكم الكبير الحالي، وعلى مستوى معماري بارز ومثال للهندسة المعمارية الإسلامية يكون في مناطق النمو الحديثة للمدينة ونواة للنمو العمراني المستقبلي، ويمكن رؤية مناراته للقادمين من خارج الرياض، سواء من الدمام أو القصيم أو الحجاز وأن يكون معلما متميزا تُعرَف به المدينة، وأن تستقطع مساحة كبيرة محيطة بالجامع تستغل كمواقـف وحدائق عامة ومقر مؤتمرات إسلامية.