للذود عن الإسلام والرسول

منذ أحداث الحادي عشر من أيلول (سبتمبر) عام 2001، والأمة العربية والشعوب الإسلامية تتعرض لحملات إعلامية ضارية وظالمة في الغرب بجزئيه الأمريكي والأوروبي تستهدف التشهير والتحقير بالعروبة كقومية وبالإسلام كدين، على نحو لم يسبق له مثيل. ويكفي أن نشير هنا إلى أن اتحاد هلسنكي الدولي لحقوق الإنسان أعلن في تقرير نشر في 7/3/2005، أن حالات عدم التسامح والتمييز حيال المسلمين ازداد في أوروبا الغربية منذ اعتداءات 11 أيلول (سبتمبر) 2001 في الولايات المتحدة، وأضاف الاتحاد أن "الشعور المتنامي بالتهديد المرتبط بالتطرف الديني عزز حالات التمييز ضد المسلمين الذين يشعرون بأنهم يتعرضون أكثر وأكثر للعدائية بسبب دينهم". وأكد الاتحاد زيادة حالات التعرض للإهانات والإضرار بالممتلكات والاعتداءات الجسدية التي يتعرض لها المسلمون في 11 دولة من دول غربي أوروبا (ألمانيا، النمسا، بلجيكا، الدنمارك، إسبانيا، فرنسا، اليونان، إيطاليا، هولندا، بريطانيا، والسويد)، وذكر مدير الاتحاد أمارون رود أن "الأوضاع إلى تدهور مستمر، وتتخللها أحيانا بعض الأحداث، كما حصل لدى تبني قانون خظر ارتداء الحجاب في المدارس في فرنسا عام 2004، أو اغتيال (السينمائي الهولندي) ثيو فان غوخ".
وفي المقابل باتت بعض وسائل الإعلام والأحزاب السياسية تشعر بحرية في "التعبير بوضوح عن عدائها للمسلمين"، الذين غالبا ما باتوا يعتبرون غرباء". وأضاف التقرير "بات من الممكن استخدام لهجة ضد المسلمين لم تكن مسموحة قبلا". وقال الاتحاد إن (تعرض المسلمين بشكل متزايد للأعمال العدوانية والتمييز والعزلة قد يعزز ميلهم إلى تأييد المنظمات التي تروج للعنف). وتضم أوروبا الموسعة نحو 20 مليون نسمة يتحدرون من دول مسلمة، بينهم خمسة ملايين في فرنسا وثلاثة ملايين في ألمانيا و1.5 في بريطانيا.
وفي سياق هذه الحملات الضارية تأتي الجريمة الشنعاء التي ارتكبتها جريدة "يولاندز بوستن" الدنماركية بنشرها رسوما كاريكاتورية تتطاول على خاتم الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وتصوره رجلا إرهابيا ونقلت عنها جريدة "مجازينات" النرويجية هذه الرسوم البشعة، وكان من الطبيعي أن تجتاح الوطن العربي والعالم الإسلامي موجة من الغضب والاستياء الشديدين استنكارا لهذه الجريمة في حق المصطفى عليه الصلاة والسلام، فاستدعت المملكة العربية السعودية سفيرها في الدنمارك، وتصاعدت دعوات شعبية لمقاطعة المنتجات الدنماركية وأعلنت منظمة المؤتمر الإسلامي وجامعة الدول العربي عن تحركهما داخل أوروقة الأمم المتحدة لاستصدار قرار دولي يدين التطاول على الإسلام ورموزه وتجريم هذه الممارسات بما يقود إلى محاسبة قضائية تردع المتورطين فيها.
ومما زاد لهيب الغضب والاستياء اشتعالا إصرار الجريدة الدنماركية على عدم الاعتذار عن هذه الإساءة الوقحة بذريعة أن ما فعلته كان في نطاق حرية التعبير، وهذه ذريعة فاسدة لأنه ليس من حرية التعبير في شيء الإساءة إلى المعتقدات الدينية وجرح مشاعر أكثر من مليار ونصف مليار مسلم يعيشون في جميع أنحاء المعمورة ولا شك أن الجريدة الدنماركية لا تستطيع تحت غطاء حرية التعبير أن تتجرأ في نشر أي مقال يشك في أعداد ضحايا المحرقة النازية لليهود كما لا تستطيع نشر رسوم تنطوي على أي إساءة لمعتقدات اليهود ورموزهم لأنها تدرك أنها لو فعلت ذلك لهبت عليها عاصفة من الاستنكار والاستهجان الشديدين تتهمها، وتتهم القائمين على إدارتها وتحريرها بمعاداة السامية ثم أدخلتها في دعاوى قضائية لتغريمها بتعويضات مالية هائلة ومعاقبة المسؤولين عن الجريدة بجزاءات جنائية.
وأفادت التقارير الإعلامية أن العديد من الأسواق التجارية السعودية شهدت مقاطعة جماعية للمنتجات الدنماركية، التي لاقت عزوفا كبيرا من قبل المستهلكين لعدم رضاهم عن الموقف السلبي الذي اتخذته الحكومة الدنماركية، معتبرين أن مقاطعة منتجات من استهزأوا بالرسول عليه الصلاة والسلام أقل ما يمكن عمله. ونتيجة لحملة الاستنكار والاحتجاجات الرسمية والشعبية والمقاطعة التجارية الشعبية فقد نشر سفير الدنمارك في السعودية إعلانا في بعض الجرائد المحلية يتضمن أن رئيس الوزراء الدنماركي قد دان أي تصريح أو عمل أو تعبير عن الرأي يقصد تشويه صورة مجموعة من الناس بناء على انتمائهم الديني أو العرقي، وأن حكومة الدنمارك أعربت عن تفهمها للشعور بالألم والاستياء من جانب المسلمين نتيجة للرسومات التي نشرت في الصحيفة الدنماركية، وأن حكومة الدنمارك تحترم الإسلام كونه إحدى أكبر الديانات في العالم وأنه ليس لديها أي رغبة أو نية إلى إهانة أو السخرية من المسلمين أو انتهاج أي سلوك يقلل من احترامهم في أي حال من الأحوال. وأعتقد أن هذا الإعلان يمثل اعتذارا مقبولا من قبل حكومة الدنمارك، الجريدة الدنماركية ما زالت تتخذ موقف الإصرار على الخطأ فهي قد وجهت رسالة إلى الشعب السعودي تضمنت أسفا لما حدث ولكنها امتنعت عن الاعتذار واعتبرت أن ما نشرته من رسومات قبيحة كان ضمن حوار دنماركي حول حرية التعبير عن الرأي. وهذه الرسالة غير مقبولة إذ يجب على الجريدة أن تعترف بالخطأ الشنيع الذي ارتكبته والاعتذار عنه.
إن من القواعد المستقرة في الأنظمة القانونية المقارنة أن أي حرية من الحريات العامة بما فيها حرية الرأي والتعبير لا بد أن تمارس ضمن ضوابط محددة وإلا انقلبت إلى فوضى وافتئات على حقوق الآخرين، فالرسوم الكاريكاتورية التي نشرتها الجريدة الدنماركية لا يمكن تسويغها بمقولة حرية الرأي أو التعبير لأنها تنطوي على الازدراء بالرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، وبث الكراهية والبغضاء لمعتنقي الديانة الإسلامية. وكثير من قوانين دول العالم المتحضر تجرم جميع أساليب التحريض العلني على بغض طائفة أو طوائف من الناس أو تحقيرها أو الازدراء بها.
ولعل من المناسب أن نشير هنا إلى أن الجمعية العامة للأمم المتحدة أصدرت إعلانا في 25/11/1981، دعت فيه إلى القضاء على جميع أشكال التعصب والتمييز القائمين على أساس الدين أو المعتقد، كما دعت الجمعية العامة في دورتها التي انعقدت في سنة 2004، إلى مكافحة تشويه الأديان وإلى الحوار بين الأديان بدلا من الإساءة إليها، ولا ريب أن الفعل الأثيم الذي ارتكبته الجريدة الدنماركية لا يتفق والمبادئ الدولية التي أقرتها هيئة الأمم المتحدة. وتجدر الإشارة هنا إلى أنه في شهر كانون الأول (ديسمبر) 2004، عقد في مقر الأمم المتحدة مؤتمر عن الإسلام والتعصب، وقد انتقد كوفي عنان الأمين العام للأمم المتحدة في خطابه الذي ألقاه أمام هذا المؤتمر، موجة التعصب المتزايدة ضد الإسلام وقال إنها تحتاج إلى تحرك عاجل من المسلمين وغير المسلمين والحكومات ووسائل الإعلام والمسؤولين عليها، كما نبه إلى ضرورة التوقف الفوري عن الربط بين الدين الإسلامي وانتشار الإرهاب في العالم، موضحا أن ما يشعر به المسلمون في شتى بقاع الأرض من مرارة وظلم ناتج عن استمرار عدد من المشكلات والتحديات السياسية الكبرى.
إن الدول العربية والإسلامية يجب ألا تنتظر نتائج محاولة منظمة المؤتمر الإسلامي وجامعة الدول العربية في استصدار قرار من الأمم المتحدة يحرم تحقير الأنبياء والأديان، بل عليها أن تصدر تشريعات وطنية تجرم جميع أنواع الأفعال التي تستهدف ازدراء الدين الإسلامي والرسول الكريم محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، واعتبار هذه الأفعال جرائم ضد الإنسانية تستوجب العقوبة لأن الإسلام دين عالمي وقد أرسل الله سبحانه وتعالى سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام رحمة للعالمين، وحتى يكون لمثل هذه التشريعات مفعول دولي فإنه ينبغي الأخذ بقاعدة الاختصاص القضائي العالمي، التي تأخذ بها قوانين بعض الدول بشأن جرائم خطيرة معينة تهم المجتمع الدولي مثل جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، بمعنى أنه ينبغي أن ينص في هذه التشريعات أن القضاء الوطني في كل دولة عربية وإسلامية مختص بمحاكمة أي متهم يرتكب هذه الجرائم بغض النظر عن مكان ارتكابها. وأود الإشارة هنا إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية تطبق في حالات عديدة قانونها تطبيقا لا إقليميا extrateritorial، حيث تخول قوانينها القضاء الأمريكي محاكمة أي متهم ما دامت الجريمة موجهة ضد المصالح الأمريكية أو ضد أحد الرعايا الأمريكيين خارج الولايات المتحدة، وهو ما أطلقت عليه المحكمة العليا الأمريكية سياسة (اليد الطويلة). بل إن الولايات المتحدة الأمريكية ابتدعت بدعة ليس لها مثيل في العلاقات الدولية عندما سنت قانونا يسمى (قانون مراقبة معاداة السامية) أنشأت بموجبه مكتبا في وزارة الخارجية الأمريكية لمراقبة الأنشطة المعادية للسامية واليهود على مستوى العالم، كما نصبت نفسها حكما منفردا على أداء بقية دول العالم في هذا الشأن.
وأحسب أنه قد آن الأوان للدول العربية والإسلامية أن تأخذ بسياسة (اليد الطويلة) ضد كل من يرتكب جريمة تستهدف تحقير المسلمين والازدراء بدينهم ونبيهم ومقدساتهم، فهل نحن فاعلون؟

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي