معوقات قضاء التأمين في المملكة (3-4)

قضاء التأمين لا يتوقف عند اللجان المختصة بالفصل في نزاعات التأمين، التي تحدثت عنها في المقالة السابقة، وإنما يتقاسم ديوان المظالم قضاء التأمين مع تلك اللجان. فبحسب نص المادة الـ22 من نظام مراقبة شركات التأمين التعاوني، فإن ديوان المظالم يختص بداءة بالفصل في جميع المنازعات التي تقع بين شركات التأمين وشركات إعادة التأمين أو فيما بين كل منها. وكذلك الفصل في الدعاوى الخاصة بمخالفات نظام مراقبة شركات التأمين التعاوني وتطبيق العقوبة المنصوص عليها في المادة الـ21 من النظام المشار إليه، التي تنص على معاقبة كل من يخالف أي حكم من أحكام نظام مراقبة شركات التأمين التعاوني بغرامة لا تزيد على مليون ريال، والسجن مدة لا تزيد على أربع سنوات أو بإحدى هاتين العقوبتين. ويختص ديوان المظالم كذلك بالنظر ابتداء في الدعوى التي تطلب مؤسسة النقد أو اللجنة توقيع عقوبة السجن.
وفي الحقيقة، فإن هذه الاختصاصات لا تثير إشكالاً كبيراً بالنسبة إلى الديوان، وذلك نظراً إلى طبيعة هذه القضايا التي لا تتطلب في جزء كبير منها معرفة فنية بالتأمين، فالقضايا التي تحصل بين شركات التأمين بعضها بعضا أو بينها وبين شركات إعادة التأمين هي في الغالب قضايا ذات طبيعة مالية. كما أنه وفي الغالب يتم حلها عن طريق التحكيم. هذا إضافة إلى أن الجزء الخاص بالحلول الذي قد يقود إلى أن تكون هناك قضايا بين شركات التأمين بعضها بعضا هي مسألة تختص بها بداءة لجان الفصل في نزاعات التأمين، علاوة على أن مسألة الحلول تخضع لقواعد المسؤولية المدنية أو الضمان.
الإشكالية التي قد تحصل فيما يتعلق باختصاص ديوان المظالم هي مرتبطة بممارسة الديوان لدوره الرقابي على قضاء لجان الفصل في منازعات التأمين. فوفقاً للنظام، فإن هذه اللجان تتولى الفصل في المنازعات التي تقع بين شركات التأمين وعملائها، أو بين هذه الشركات وغيرها في حالة حلولها محل المؤمن له، والفصل في مخالفة التعليمات الرقابية والإشرافية لشركات التأمين وإعادة التأمين المرخص لها وفي مخالفات مزاولي المهن الحرة. ويجوز التظلم من قرارات هذه اللجان أمام ديوان المظالم. فهذه الاختصاصات المنصوص عليها في المادة الـ20 من النظام هي التي تتشكل منها جُل قضايا التأمين، وهي التي تتطلب معرفة وافية بفنيات التأمين، خصوصاً ما يتعلق منها بالقضايا التي تكون بين شركات التأمين وعملائها، فهذه العلاقة بين العميل والشركة هي التي تنشأ عنها إشكالات معتبرة، وهي لب العلاقة التأمينية التي تتمحور حولها حقوق الطرفين.. كما أنها هي التي تحكمها القواعد الفنية للتأمين. ولذلك فقرارات هذه اللجان حينما يُراد لها أن تخضع لجهة رقابية، فالمنطق يقتضي أن تكون هذه الجهة القضائية الرقابية أعلى إدراكاً وأكثر فهماً للموضوع الخاضع لرقابتها، ولذلك فالسؤال الذي ما زال يتردد هو عن مدى استعداد ديوان المظالم للتصدي لقضايا التأمين والرقابة على قرارات اللجان في هذا المجال وتمحيصها بشكل فني ودقيق. ومن وجهة نظر شخصية وإزاء غياب مثل هذه القدرات الفنية للديوان، فقد أشغل الديوان نفسه بمسألة أخرى ليتحاشى هذا الحرج الكبير وهو جنوحه بطريقة غير متوقعة لبحث مسألة مدى شرعية التأمين الذي تمارسه شركات التأمين ومدى توافقه مع معايير التأمين التعاوني، وبالتالي الخوض في مدى نظامية قرارات تلك اللجان بحجة أن هذه اللجان أصدرت قراراتها وهي غير مختصة، لأنها نظرت قضايا التأمين التجاري لا التأمين التعاوني وتحت مبرر أن كل ما هو موجود في السوق هو تأمين تجاري وليس تأميناً تعاونياً. للحديث بقية

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي