ما قبل وما بعد نظام ساهر
بدأ قبل أيام أو أسابيع قليلة تطبيق نظام ''ساهر'' لرصد المخالفات المرورية. والنظام رائع رغم ما عليه من ملحوظات. فقد بلغ السيل الزبى.
كم عدد الوفيات السنوية من جراء حوادث السيارات؟ أكثر من ستة آلاف قتيل العام الماضي. هذا رقم مخيف يقول إن بلادنا تخوض حربا غير معلنة. كم قيمة جميع الخسائر المباشرة وغير المباشرة من حوادث السيارات؟ ليس لدي دراسة موثقة في هذا لكن من المؤكد أنها تبلغ عشرات المليارات من الريال سنويا. 30؟ 50 مليار ريال؟ أرقام مزعجة جدا، تدل على مشكلة كبرى.
هذه المشكلة موضع اهتمام الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض. وقد أقرت هذه الهيئة عام 1424هـ استراتيجية السلامة المرورية في مدينة الرياض. وأخال نظام ساهر من ثمار هذه الأعمال. الاستراتيجية ركزت على أعمال وإصلاحات كثيرة لتقليل الحوادث والأضرار الناتجة منها. لكن صناعة الوعي والسلوك المروري على المدى البعيد ابتداء من سن الطفولة لم تحظ بالاهتمام الكافي في الاستراتيجية.
أعرض الموضوع بطريقة أخرى:
الانشغال عن القيادة وتجاوز السرعة، والانحراف المفاجئ وقطع الإشارة ومخالفة الأفضلية والوقوف الخطأ واللامبالاة أو قلة الحرص على السلامة ومشي الناس في قارعة الطريق ... إلخ هي أسباب الحوادث. وتلك السلوكيات تراكمت مع مرور السنين وألفها الصغار والكبار.
النتيجة: تغيير السلوكيات السابقة مهم جدا لتقليل الحوادث على المدى الطويل.
لا شك في أن وجود البيئة المشجعة على الالتزام بقواعد السلامة المرورية عنصر أساسي لزيادة الوعي، وتغيير السلوك، على المدى البعيد. والبيئة كلمة واسعة يدخل فيها عناصر كثيرة منها كيفية تصميم الشوارع، والأرصفة، ومواقف السيارات وشكل حركة المشاة والقدوة من قبل رجال المرور والأمن في طريقة قيادة السيارات، ووضوح التعليمات وضوحاً تاماً لجميع الأطراف، والصرامة في تطبيقها بنزاهة وعدل.
وهذه نقاط:
أرصفة المشاة
ولن أتناول هذه القضية فقد كتبت عنها مقالة بعنوان ''الرصيف للشجر وقارعة الطريق للبشر''، نشرت في 2/11/2009.
علامات تحديد السرعة
كثير من الشوارع خالية من علامات لتحديد السرعة، وإن وجدت فهي قليلة العدد ولا تخضع لصيانة مستمرة. يجب أن تعمم العلامات على جميع الشوارع، بما في ذلك الشوارع داخل الأحياء، ويجب أن توضع العلامات بمقاسات كبيرة لتسهل رؤيتها، وأن يكثر من وضع العلامات، وأن تصان باستمرار، ويجب تطبيق الجزاءات على المخالفين بصرامة حتى يتعود الناس تعوداً على الالتزام بالسرعات المحددة.
حوادث التقاطعات وعلامة «قف»
أكثر تقاطعات الشوارع الفرعية خالية من علامة قف (أي إشارة قف غير المضيئة). وكان ينبغي أن تزود جميع التقاطعات الخالية من الإشارة الضوئية ومهما صغرت بعلامة قف حسب أولوية المرور، لا أن يترك الموضوع لاجتهاد السائقين، ويجب أن يراعى أن تكون العلامة واضحة جداً، حتى لو كبرت العلامة أو اللوحة عن المقاس الموجود الآن. بعض العلامات غير واضحة لأسباب منها اختفاء أجزاء كبيرة منها خلف الأشجار المزروعة في الشوارع، أو أنها بقيت سنين طويلة دون صيانة. قد يقول قائل إن المشكلة هي في عدم التزام بعض السائقين بهذه العلامات، وهذا صحيح، ولكني أرى أن خلو بعض التقاطعات، وعدم وضوح بعض العلامات هما عاملان أساسيان في تعود بعض السائقين على عدم المبالاة بالموجود منها، وهذا لا ينفي بطبيعة الحال إمكان وجود عوامل أخرى.
طريقة وفوضى الوقوف
في بعض الشوارع صممت أماكن الوقوف طولياً, أي أن السيارات تقف متعامدة مع الشارع وليس موازية له، وطريقة الوقوف هذه تربك الحركة عند مغادرة السيارات الواقفة. من جهة أخرى، هناك فوضى الوقوف في كثير من الشوارع أمام المحال التي عليها سوق وحركة, وهذا شيء معروف ومتعود عليه، ومن أهم أسبابه عدم توافر مواقف كافية.
فوضى الوقوف ليست مقصورة على الشوارع. من الملاحظ جيداً أن المواقف المحيطة بأغلب المساجد (خاصة المساجد التي تقام فيها صلاة الجمعة)، والمدارس والمستوصفات والدوائر الحكومية تربي الصغار على الفوضى المرورية، لأنها مواقف غير كافية أو غير منظمة وغير مرصوفة بطريقة تدفع إلى الوقوف بطريقة منظمة وحضارية.
إن محاولة تعويد الناس على الوقوف بطريقة سليمة تساعد كثيراً على تحقيقها جعل كل بيئة الطريق قدر المستطاع حافزة على عدم المخالفة. أما عدم جعلها كذلك فيعني الإبقاء على ذرائع تسهم في التعود على الفوضى، مما يدفع إلى التعود على عدم المبالاة بحدود حقوق الآخرين في الطريق، أي على عدم الالتزام بأنظمة المرور، وهذا يعمل على زيادة الحوادث.
حل مشكلة طريقة الوقوف لابد منها وإن كانت حلولاً صعبة، ولابد من حمل الناس على الوقوف وقوفاً يتفق مع أنظمة المرور، ويدل على تحضر وارتفاع مستوى الوعي في المجتمع. إن حسن إيقاف السيارة في الأماكن العامة والطرقات هو أحد حقوق الطريق. يجب إن تلون الأماكن الممنوع الوقوف فيها بلون واضح جداً وثابت، أو توضع علامات ممنوع الوقوف من بداية المنع إلى نهايته، حيث يتحدد المكان الممنوع الوقوف فيه تحديداً واضحاً وضوحاً لا لبس أو اجتهاد فيه، وبعدها - وليس قبلها - تجب الصرامة في معاقبة المخالفين. من الحلول السلوكية وجوب تخطيط ورصف المواقف عند المدارس والمساجد، والإلزام بها. من الحلول وضع رسوم (على هيئة عدادات) في المواقف المزدحمة.
سوء تصميم بعض المسارات خاصة المجاورة للإشارة
إذا كان عرض المسار أكثر أو أقل من اللازم فهذا حافز على عدم الالتزام بالمسار. بعض الشوارع مساراتها ضيقة أو عريضة أكثر من اللازم، وخاصة عند الإشارة. مثال: يلاحظ السائقون أن المسار الأيسر في الطريق يصبح أعرض عند الإشارة، في أكثر الشوارع التجارية، بسبب أن الرصيف الموجود في وسط الشارع التجاري أضيق عند الإشارة. المشكلة أن الرصيف لم يضيق تضييقاً كافياً لإضافة مسار، بل ضيق مسافة تقل عن الحد الأدنى المفترض في عرض المسار الواحد، أي أن المسار المجاور للإشارة أصبح فوق حاجة وقوف سيارة وأقل من حاجة وقوف سيارتين، مما يؤدي إلى تحفيز السائقين على عدم الالتزام بحدود المسار، وفي هذا أثر تربوي سيئ وهو تعويد الناس على التقليل من أهمية أو إضعاف الاحترام للمسارات الموضوعة، ومن جهة أخرى، عدم الالتزام بمسار يعوق الالتزام بالمسارات الأخرى، حتى لو رغب في ذلك.
سوء القدوة ونقص المعرفة من بعض
رجال المرور خاصة
لو سئل أكثر الناس هل يرى أن رجال المرور يلتزمون بقواعد السلامة المرورية أكثر من غيرهم، فأتوقع أن الجواب بالنفي. فبعض رجال المرور، أصلحهم الله، لا يلتزمون ببعض قواعد المرور، ومن أمثلة مخالفاتهم التي نراها كثيراً الانعطاف المفاجئ، ونرى التساهل بالالتزام بالمسارات الموضوعة، ونرى من يقف وقوفاً خاطئاً، ونرى من لا يلتزم بالسرعة المحددة، وحتى لا يسارع إلى التبرير، فإن غالب هذه المخالفات نراها ترتكب دون حاجة عمل، بينما يتوقع منهم ومن أمثالهم أن يكونوا أحسن الناس التزاماً بقواعد المرور.
من جهة أخرى، هناك من رجال المرور من يجهلون بعض أنظمة المرور. وأذكر أنني ذات مرة سألت ضابط مرور فيما لو عُمل اختبار لرجال المرور في مدى معرفتهم وإتقانهم لنظام المرور المكلفين تطبيقه، فأقر باحتمال كبير برسوب عديد منهم.
على من بيدهم الأمر عمل وتفعيل ما من شأنه أن يؤكد إتقان رجال المرور لأنظمة المرور، ويؤكد إجادتهم لقيادة سيارات المرور والأمن بطريقة مثالية.
هذا وبالله التوفيق،،،