الخوف عدو الاقتصاد

من أشهر ما سمعت هو قول فرانكلن روزفلت رئيس الولايات المتحدة الأمريكية في كلمته عند توليه المنصب " لا يوجد ما نخاف منه سوى الخوف نفسه " عندما كانت بلاده تعاني كسادا كبيرا وتواجه تحديات سياسية وعسكرية. الخوف هو قاتل المبادرات والإبداع، وهو الحاجز الأكبر أمام تقدم الإنسان، ولعل من أهم ما يشغل القادة في العالم هو مكافحة الخوف، الخوف من التغيير والجديد هو ما يمكن أن يعيد المنظومة مراحل للخلف، بل ويفقدها القدرة على المنافسة والاستمرار في السوق. أهم الأمثلة التي نشاهدها اليوم في كثير من المجتمعات هو رفض بعض المفاهيم والمعالم الجديدة التي أوجدها البحث العلمي والنشاط الاقتصادي بشكل عام.
لعلي أذكر هنا اهتمام السعودية بتبني المفاهيم الجديدة ومحاولات السيطرة على المعلومات ذات القيمة، خصوصاً فيما يتعلق بالأتمتة وإدارة العمليات بكفاءة وحماية المعلومات التي وصلت معها السعودية لمراكز متقدمة في مجال الخدمات الموفرة في مختلف المستويات الوطنية والمجالات ذات العلاقة بالتقدم التقني.
يعيش العالم اليوم نتائج أزمة لم تكن طويلة، بسبب الحرب الدائرة بين إسرائيل وإيران، الأمر الذي أدى لهبوط سريع لأسواق الأسهم وارتفاع بنفس القوة للمواد الخام والملاذات الاقتصادية الآمنة التي يرى فيه المستثمرون ملجأ يحفظ أموالهم من تبعات ما يمكن أن تؤدي إليه هذه الحرب. عادت الأمور إلى طبيعتها فور انتهاء التهديد مع استمرار ارتفاع أسعار الذهب والنفط. انخفاض أسواق الأدوات المالية وتأثر العملات بالتبعية هو النتيجة الحتمية للخوف الذي نتج عن حالة الضبابية وعدم معرفة ما ستؤول إليه الأمور.
هذه الحالة تتكرر باستمرار مع وجود عدم الثقة أو الضبابية في البيئة الدولية، لكنها في الوقت نفسه تصنع الفرص للمستثمرين الأذكياء الذين يستطيعون أن يتنبؤوا بالنهايات بشكل عام، فهناك من يهرب لمجرد وجود الأزمة، كما أن هناك من يقيم الأزمة ويعمل على معرفة ما يمكن أن تنتهي إليه أي حالة قائمة.
مع استمرار الأزمات يستمر الخوف في السيطرة , وتتوقف كثير من الاستثمارات، بل وتفقد عناصر مهمة قيمتها ومن ذلك العملات التي سيسيطر عليها خلال الفترة القريبة المقبلة، ما يمكن أن نعتبره البديل والملاذ الذي يلمع في الأزمات، ولعل الذهب هو واحد من عناصر قتل العملات وخفض قيمتها الحقيقية المرتبطة غالباً بقيمة الذهب. المعادلة التي نحتاج إليها في هذا الوقت هي الآثار بعيدة المدى التي ستلي انتهاء الحرب.
المؤكد أن أسعار السلع سترتفع بشكل عام نظراً لأن الانخفاض الذي ستعانيه العملات مقارنة بالذهب والمعادن الثمينة هو أمر حتمي وغير قابل للتغيير إلا على مستويات محدودة، أزمة الطاقة ستسهم بلا شك في ذلك. يمكن تشبيه العملية بنظرية الدومينو حيث ترتفع الأجور " شكلياً " بناء على انخفاض قيمة العملة في مواقع المواد الخام وهي في واقعها تعطي العاملين نفس ما كانوا يحصلون عليه ولكن بسعر أعلى، وبناء على نظرية المقارنة بين القيمة والسعر، فالقيمة لم تتغير وإنما تغير السعر، ومن ثم تنتقل التكاليف إلى مواقع الإنتاج مدعومة بارتفاع العناصر المؤثرة في التسعير مثل سلاسل الإمداد والخدمات الحكومية والضرائب، لتنتهي الحالة بتكاليف أعلى مقابل نفس أو قيمة أقل للمستهلك.
هذا هو الخطر الدائم والحقيقي الذي يؤثر في الاقتصادات، الذي بدأ بالخوف ونشر معه عدداً من المتغيرات التي ستكون ما يتعود عليه الناس في مقبل الأيام على قاعدة، ولنا فيما حدث لألمانيا واليابان المثال الأكبر بعد الحرب العالمية الثانية، ولعل في الليرة اللبنانية وغيرها من العملات في شرق العالم وغربه أمثلة للخوف الناتج عن التغيير في المشهد العام.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي