المسجد النبوي .. اللبنة الأولى لبزوغ نجم التراث العمراني الإسلامي

المسجد النبوي .. اللبنة الأولى لبزوغ نجم التراث العمراني الإسلامي

بدأت انطلاقة فن العمارة الإسلامية بإنشاء نبي الهدى - صلى الله عليه وسلم - مسجدا في المدينة المنورة إدراكا لأهمية المساجد في حياة المسلمين ، وعلم بحنكة القائد أن التربية على الأخلاق والسمو والتعلم إزاء التوجيه والإرشاد يحتاجان إلى مقر معتبر ومكان موحد يجتمعون فيه وليتدارسوا شرائع الإسلام وأحكامه في رحابه .
وكانت تلك وأولى اللبنات الطينية لظهور الطراز العمراني في بداية العهد الإسلامي ، لبزوغ حضارة كاملة شاملة لكل أمور وشؤن الناس وحياتهم منها جانب العمارة الذي تبلور مع انتشار الإسلام في اصقاع الأرض فتبلورت شخصيته المتميزة .
فقد بنى المسلمون الأوائل المساجد قبل أن يبنوا القصور والقلاع و المدارس ، لعلمهم برسالة المسجد العظمى وما يحمله من مضامين الألفة وربط أواصر القربى ، ومسجد الرسول صلى الله عليه وسلم رغم بساطة البناء فيه كان بمثابة مدرسة للعلم والتربية وبرلمان للأمة تعقد فيه البيعة للخليفة، وتدار فيه الاجتماعات السياسية والعسكرية، وكان فيه أيضا عيادة للتمريض هي ( خيمة رفيدة ) .

أخذت المساجد تتطور وتتوسع بعد عهد النبوة وصارت أكثر شمولية ، ومالت نحو الجمال والتزيين في المآذن القبب والمحاريب والجدران الداخلية ، فظهرت مساجد ضخمة في العراق والشام ومصر وبلاد المغرب العربي تشمل على جوامع ومصليات مستقلة ويلحق بها مدرسة لتعليم القرآن والعلوم الشرعية والعربية ، بالإضافة للمشافي ومكاتب الإدارة، ومن ذلك جامع القيروان سنة 670م وجامع الزيتونة سنة 734م وجامع الأزهر 972م .
وتصميم المسجد عبارة عن ساحة كبيرة فيها منبر خشبي للخطبة، ثم أدخل المحراب المجوف للدلالة على اتجاه القبلة، ثم ظهرت الإيوانات وهي أروقة تحيط بصحن المسجد ولها أقواس مقامة على أعمدة ، وملحق بالمسجد غرفة للإمام ومكتبة، وعادة يكون للمسجد ساحة داخلية مكشوفة بها نافورة لتلطيف الهواء وميضأة للوضوء، هذا علاوة على القباب والمآذن.
ويعد المسجد الأموي في دمشق سنة 710م أول نجاح معماري في الإسلام بناه الخليفة الوليد بن عبد الملك، فقد كان بناءً جديداً في تصميمه، له طابعه الخاص وشخصيته المستقلة عن المعمار في الحضارات السابقة للإسلام .
وفي أنحاء العالم اليوم تجد الكثير من المساجد الأثرية الشهيرة التي تنوعت، فهناك المساجد الأموية في الشام والعباسية في العراق والأندلسية في الأندلس والفاطمية في الشمال الإفريقي ومصر، وفي إيران هناك المغولية والصفوية، ثم هناك مساجد الهند والمساجد العثمانية في تركيا .
وهذا الاختلاف في المظهر يزيد العمارة الإسلامية ثراءً وعمقًا، ولكنه لا يشمل اختلافًا في الجوهر، وقد راعى المعماريون في بناء المساجد الفخمة مسألة الصوت لتوصيل الخطبة إلى آلاف المصلين والضوء والتدفئة والتبريد كل ذلك بالوسائل الطبيعية .
وتعتبر المآذن من أهم معالم المدينة الإسلامية ، فهي تبدو وكأنها أذرع ممتدة بالدعاء والضراعة نحو السماء، ويتوج كل مئذنة في أعلاها قبة لها تاج وفوقها هلال كبير، ويحيط بوسطها عدد من الشرفات الدائرية لكل منها نوافذ يُطِلُّ منها المؤذن . وبعض العواصم الإسلامية كالقاهرة ودمشق واسطنبول تسمى ذات الألف مئذنة، وترتفع المآذن في الآستانة إلى أكثر من سبعين متراً فوق المسجد ، وتختلف المآذن في أشكالها وأنواعها حسب العصور والبلدان، فمنها المربع والمثمن والدائري، وكانت المآذن الأولى شبيهة بالمنارات الرومانية، وعندما أراد المعماريون المسلمون بناء مآذن أكثر ارتفاعا ابتكروا المئذنة المتحورة، التي تبدأ في القاعدة بأدوار مربعة ثم تعلوها أدوار مثمنة ثم يعلو ذلك الأسطوانة الدائرية .
ولا يتوقف ثبات المئذنة العالية على تطور الأدوار وتدرجها في الصغر فحسب، ولكن أيضا على الاستعمال الحلزوني الذي يربط قلب المئذنة بجسمها الخارجي، وبذلك تبدو المئذنة وكأنها حلزوني طويل مجوف ثابت الأركان رغم طوله .
ولا تقتصر وظيفة المئذنة على النداء للصلاة، فكثير من المآذن كانت تبنى منارة في البحر أو البر ولو لم يكن تحتها مسجد، ومن أهم وظائفها استعمالها كملاقف للهواء لتبريد الساحات السفلية تحتها، وبعض المساجد يشتمل على مئذنتين، وبعضها كالمساجد التركية يحتوي على أربعة مآذن .
وتزدان المئذنة بزخارف إسلامية جذابة تزينها الآيات القرآنية، كما أن بعضها كالمآذن الفارسية يحلى بالزليخ (القيشاني) الذي يبرق تحت أشعة الشمس .
وهناك مآذن ذات شهرة خاصة لانفرادها في التصميم المعماري، من ذلك مئذنة ابن طولون ذات السلم الحلزوني الخارجي، وقد بينت على طراز مئذنة (سُرَّ مَنْ رَأَى)، ومئذنة جامع الناصرية ذات الشعبتين، ومئذنة جامع ابن سنان في دمشق المكسية بالزخرف الزنجاري، والمئذنة المتحركة في أصفهان، وهي عبارة عن كتلة حجرية واحدة مجوفة من الداخل ويمكن لمن يصعد فيها أن يهزها في كل اتجاه دون أن تسقط بـه .
ومئذنة مسجد اللقلاقة في سمرقند، وهي مئذنة متحركة تُرْبَط من أسفلها بمئذنة أخرى، فإذا حركت الأولى تحركت الثانية، وهكذا وجد المعماريون المسلمون في المآذن فرصة للإبداع الفني الذي يعبرون من خلاله عن مشاعرهم نحو عظمة الخالق وإبداعه في خلقه .
بالإضافة لما سبق فقد اهتم المعماريون المسلمون بمرافق المسجد الأخرى مثل المدخل الرئيسي ، حيث يعتبر المدخل نقطة الانتقال من الفراغ الخارجي إلى الفراغ الداخلي ، لما له من تأثير في جذب المصلي أو الداخل إلى المسجد بما يتوافق والشكل العام للمسجد بارتفاعاته التي تحددها العناصر والارتفاعات الأخرى كالقبة والمئذنة، فمدخل المسجد لم يخرج عن هذه القاعدة حيث الارتفاع الذي يعبر عن السمو بشكله المجوف حتى ارتفاع 5 أمتار يعتليه قوس نقش عليه اسم المسجد .
فناء المسجد العام ، اشتهرت العمارة الإسلامية بالدخول من الفراغ إلى الفراغ، وذلك عبر بوابة الدخول إلى صحن المسجد حيث الفراغ والنور والفضاء، فقد كان المعماري المسلم مشدوداً لمصدر النور في تشكيلته المعمارية، ولما كان المسجد يفتقر إلى الصحن كان من اللازم توفر هذا العنصر المهم في فناء المسجد بفتحاته المقوسة والمرتفعة بارتفاع المسجد إلى عنان سقفه لتضفي منظراً جمالياً .

الأكثر قراءة