«جدوى للاستثمار»: أزمة اليونان تطيح بأسواق المال العالمية
شهدت الأسواق العالمية اضطرابات استثنائية خلال الأيام القليلة الماضية، حيث هبطت أسواق الأسهم وكثير من العملات والسلع هبوطاً حاداً، وارتفعت تكاليف الاقتراض. وكان السبب الرئيسي للكارثة التي أصابت الأسواق هو الخوف من عدم فاعلية خطة إنقاذ اليونان، وخشية انتشار أزمة الدين إلى دول أخرى في منطقة اليورو، إضافة إلى عاملين آخرين هما عدم تحقيق أي من الأحزاب المتنافسة نصراً حاسماً في الانتخابات البريطانية التي جرت خلال اليومين الماضيين، إضافة للمشكلات التي عاناها النظام الإلكتروني لتداول الأسهم في الولايات المتحدة.
ووقعت هذه الأحداث بالرغم من التقرير الإيجابي بشأن نمو الوظائف في الولايات المتحدة الذي يشير إلى تزايد الزخم في الانتعاش الاقتصادي.
#2#
وتتضمن التطورات الرئيسية التي شهدتها الأسواق العالمية، تراجعات أسواق الأسهم العالمية بشدة يومي الخميس والجمعة خلال عطلة السوق السعودية، حيث هبط مؤشر أس آند بي 500 الأمريكي بنسبة 5 في المائة، ومؤشر نيكاي 225 الياباني بنسبة 6 في المائة، وانخفضت مؤشرات داكس الألماني، وفوتسي 100 البريطاني ومورجان استانلي للأسواق الناشئة بنسبة 4 في المائة لكل منها.
وتعمق تذبذب الأسواق نتيجة لمشكلات فنية في أنظمة التداول في الولايات المتحدة أدت إلى هبوط مؤشر أس آند بي 500 بنحو 9 في المائة خلال خمس دقائق فقط يوم الخميس قبل أن يستعيض خسارته.
وأدى هبوط الأسبوع الماضي إلى تآكل جميع المكاسب التي حققتها الأسواق الأمريكية هذا العام، حيث تراجعت قيمتها الآن إلى ما دون مستواها في نهاية عام 2009، كما انخفض مؤشر الأسواق الناشئة بنسبة 6 في المائة، مقارنة بمستواه في بداية العام، أما تاسي فلا يزال مرتفعاً، حيث لا يزال مستواه بنهاية يوم السبت متفوقاً على مستواه في نهاية العام الماضي بنحو 6 في المائة.
#3#
كما هبطت أسعار النفط الأسبوع الماضي بنسبة 13 في المائة نتيجة لتراجع سعر خام غرب تكساس من 86,1 دولار إلى 75,1 دولار للبرميل جراء انسحاب المؤسسات الاستثمارية ''بدواعي الحيطة وتوخي الحذر''، وبسبب تزايد المخاوف من تراجع نمو الطلب في حالة تعثر الاقتصاد العالمي، وقفزت أسعار الفائدة على السندات الحكومية، وكانت أكثر الدول تضرراً هي اليونان ودول الاتحاد الأوروبي الأخرى التي ترى الأسواق ضعفاً في ميزانياتها، ومشكلات في مستويات المديونية لديها ''البرتغال، إسبانيا، وأيرلندا''، لكن المقترضين في جميع أنحاء العالم ''بما في ذلك دول الخليج'' باتوا مهددين بارتفاع تكاليف الدين في حالة الحاجة إلى الاقتراض من أسواق المال العالمية.
ويبرهن انخفاض مؤشر تاسي أمس السبت مرة أخرى على أن المملكة ليست بمنأى عن المشكلات الاقتصادية التي تصيب مناطق العالم المختلفة، لكن لن يغير الهبوط في أسعار الأصول العالمية الذي استجد خلال الأيام القليلة الماضية من توقعاتنا بشأن أداء تاسي أو أسعار النفط أو الاقتصاد السعودي.
وإن هشاشة الانتعاش الاقتصادي الحالي، واستمرار تعرضه للمصاعب يجعل من الانتكاسات في عملية التعافي الاقتصادي، وفي الأسواق العالمية أمراً لا بد منه.
وفي اعتقادنا أن الأسواق العالمية تخضع الآن لعمليات تصحيح، فمؤشر أس آند بي 500 كان قد ارتفع بنحو 75 في المائة حتى بداية الأسبوع الماضي، وذلك مقارنة بأدنى مستوى سجله العام الماضي، حيث ظل يرتفع باطراد طيلة العام عكس أدائه المعتاد عقب حالات الركود.
#4#
وأشار بحث أجرته مجلة ''كابيتال إيكونوميكس'' إلى أن هذا المؤشر دأب على الارتفاع بمتوسط 5 في المائة فقط خلال السنة الثانية من دورات الهبوط.
وبما أننا أخذنا في الاعتبار أن يطرأ ضعف في الأسواق العالمية عند تقديرنا للقيمة العادلة لمؤشر تاسي، فلا نتوقع أن يكون للمشكلات في منطقة اليورو تأثير اقتصادي كبير على المملكة ''كما هو وارد أدناه''، لذا نظل عند رأينا بأن تأتي قيمة تاسي في نهاية العام الجاري عند مستوى 7400 نقطة.
التصنيفات الائتمانية لعدد من دول منطقة اليورو
يؤدي كل انخفاض بقيمة دولار واحد في سعر البرميل إلى انخفاض إيرادات المملكة من صادرات النفط بنحو ثلاثة مليارات دولار خلال فترة 12 شهراً.
لكن الهبوط الحالي في أسعار النفط لا يشكل هاجساً بالنسبة إلينا، وذلك لأن ميزانية المملكة لعام 2010 بُنِيت حسب توقعاتنا على أساس سعر 51 دولاراً للبرميل من خام غرب تكساس، بينما يبلغ متوسط السعر حتى هذه اللحظة 80,2 دولار للبرميل.
علاوة على ذلك، فإن سعر النفط الحالي يتيح لمنتجي البتروكيماويات في المملكة المحافظة على قدر كبير من التنافسية.
ولا نزال عند رأينا بأن يراوح خام غرب تكساس عند مستوى 75 دولاراً لكل برميل في المتوسط هذا العام.
ورغم مخاوف السوق من أن تنعكس مجريات الأحوال في منطقة اليورو سلباً على التعافي الاقتصادي، وبالتالي الطلب على النفط، إلا أننا نستبعد ذلك، حيث لا تزال البيانات الاقتصادية القوية تتوالى رغم تزايد حدة تذبذب الأسواق، وكان آخرها بيانات الوظائف الأمريكية الجمعة التي أظهرت أن عدد الوظائف الجديدة التي استحدثها الاقتصاد الأمريكي في شهر نيسان (أبريل) كانت الأعلى شهرياً منذ آذار (مارس) من عام 2006.
#5#
ولا يزال الأداء الاقتصادي يشحذ قواه في آسيا والشرق الأوسط، وهي المناطق التي تشهد أعلى مستويات النمو في الطلب على النفط.
حتى إن استمرت أسعار النفط في التراجع فمن المرجح أن تلجأ أوبك لخفض الإنتاج من أجل الحفاظ على السعر عند المستوى المريح لمنتجيها.
وعادة ما يطالب المستثمرون بفوائد أعلى على إصدارات السندات والصكوك الجديدة في أوقات الأزمات، ما قد يجبر الشركات التي بصدد إصدار أدوات دين جديدة على التريث بانتظار ظروف أكثر ملاءمة.
وتحولت الشركات إلى أسواق الدين بصورة متزايدة في الفترة الأخيرة نتيجة الصعوبة في تأمين التمويل اللازم من البنوك. لكن انكشاف البنوك السعودية أمام أزمة الديون في اليونان أو الدول الأخرى في قائمة الانتظار يكاد لا يذكر، لذا ليس هناك من سبب يجعل مجريات الأحداث تؤثر في رغبة البنوك أو مقدرتها على الإقراض. ولا نزال عند رأينا بأن تشهد مستويات الإقراض إلى القطاع الخاص نمواً تدريجياً هذا العام.
أما الأثر المباشر في السعودية نتيجة الأداء الاقتصادي الضعيف في دول منطقة اليورو المتأثرة فسيأتي في أضيق الحدود، حيث لم يتعد نصيب اليونان 0,7 في المائة من إجمالي صادرات المملكة في عام 2008 ونحو 0,2 في المائة من الصادرات غير النفطية في عام 2009.
ولم يتعد نصيب اليونان، والبرتغال، وإسبانيا، وأيرلندا مجتمعة 3 في المائة من إجمالي صادرات المملكة، وأقل من 1 في المائة من الصادرات غير النفطية في نفس العام.
وتعد منطقة اليورو بمنزلة الشريك التجاري الأول للمملكة ''توفر نحو 25 من المائة من واردات المملكة''، لذا، فإن من شأن استمرار وتزايد الضعف في عملتها التي تقف عند أدنى مستوياتها أمام الدولار على مدى 14 شهراً أن ينعكس بصورة إيجابية على معدلات التضخم في المملكة.
لكن يمكن أن تحمل مشكلات دول منطقة اليورو تداعيات على مشروع العملة الموحدة لدول الخليج.
وكما أشرنا في النشرة الشهرية في نيسان (أبريل) فقد تأسس معظم العمل التحضيري للعملة الخليجية على تجربة دول منطقة اليورو، كما تم الاستفادة بدرجة كبيرة من الدعم الفني للبنك المركزي الأوروبي.
فإذا ما أدت التوترات في اليونان وغيرها إلى التشكيك في جدوى اليورو، فربما يؤدي ذلك إلى تفكير من نوع مختلف في داخل دول المجلس.
ومرة أخرى تجد المملكة نفسها في خضم أحداث عالمية ليست لها تداعيات مباشرة على معطياتها الأساسية، لذا نتوقع أن يعود الاقتصاد والأسواق إلى مسار النمو متى ما انجلت هذه العاصفة.