البنك الدولي: الأزمة المالية ضربت التنمية.. ومجلس التعاون حافظ على شبكة الأمان الاجتماعي
أكد البنك الدولي في تقرير حديث أن الأزمة العالمية ضربت الأهداف الإنمائية للألفية، حيث خلفت وراءها نحو 53 مليون فقير وجائع كان بالإمكان نجاتهم لولا تلك الأزمة، كما أن الدول العربية ليست ببعيدة عن تلك التأثيرات، حيث شهدت برامج الضمان الاجتماعي والحماية من الفقر ترديا واضحا خاصة في البلدان المكتظة بالسكان، مشيدا بالمستويات المتقدمة التي حققتها دول مجلس التعاون الخليجي باتجاه تحقيق الأهداف الإنمائيّة للألفية. وتقيس الأهداف الإنمائية للألفية، وهي مجموعة الأهداف المُتفق عليها دوليا والمعتمدة منذ عام 2000، مدى قدرة الناس في العالم على الحصول على مياه الشرب النظيفة، التعليم، الغذاء، الرعاية الصحية، والاحتياجات الأساسية الأخرى.
ويوضح التقرير أنه نتيجة إلى حد بعيد للتقدم الكبير الذي حققته بعض المناطق في العالم قبل اندلاع الأزمة المالية، يرى التقرير أن بلدان العالم النامية ككل سائرة على المسار الصحيح نحو تخفيض نسبة الفقر المدقع المقاسة على أساس الدخل إلى النصف بحلول عام 2015، مُقارنة بنسبته البالغة 42 في المائة في عام 1990.
لكن نتيجة للأزمة، سيظل 53 مليونا آخرين من البشر فريسة للفقر المدقع بحلول عام 2015، وهو عدد لولا الأزمة لكان قد أفلت من براثنه. ويشير التقرير إجمالا إلى أن العدد الكلي للأشخاص الذين يعيشون في فقر مدقع يمكن أن يصل إلى نحو 920 مليونا بعد خمس سنوات من الآن، منخفضا عن مستواه البالغ 1.8 مليار شخص في عام 1990.
ويرى التقرير أنه من غير المرجح إلى حد كبير تحقيق الهدف الإنمائي المتعلق بتخفيض نسبة السكان الذين يعانون الجوع إلى النصف في موعد لا يتجاوز عام 2015، قياسا على مستواها السائد في عام 1990، حيث يواجه أكثر من مليار شخص صعوبات بالغة في تلبية احتياجاتهم الغذائية الأساسية. فقد أدت أزمة الارتفاع الحاد في أسعار المواد الغذائية في عام 2008 والأزمة المالية التي اندلعت في العام نفسه إلى استفحال آفة الجوع في بلدان العالم النامية. إضافة إلى ذلك، لسوء التغذية بين الأطفال تأثير مُضاعف وملموس، حيث يمثل سوء التغذية أكثر من ثُلث أعباء الأمراض التي تصيب الأطفال دون سن الخامسة.
وطبقا للتقرير، من الممكن أن تحدث في الفترة من عام 2009 إلى نهاية عام 2015 وفيات إضافية تُقدر بنحو 1.2 مليون حالة بين الأطفال دون سن الخامسة نتيجة لأسباب مرتبطة بالأزمة. إلا أنه كان يمكن أن تكون هذه الآثار أشد وطأة وخطورة. فالإصلاحات التي نفذتها البلدان النامية على صعيد السياسات قبل الأزمة، علاوة على الإجراءات والتدابير القوية التي اتخذتها البلدان والمؤسسات المالية الدولية، ساعدت لا محالة على تفادي أزمة أسوأ من ذلك بكثير. إذ استطاعت الحكومات الحفاظ على تماسك شبكات الأمان الاجتماعي (على الأقل خلال عام 2009)، كما أن الجهود الهائلة الحثيثة من جانب المجتمع الدولي آتت ثمارها في الحد من الانكماش الاقتصادي ومكافحة انتشار الآثار المترتبة على الأزمة.
وبفضل قوة الأداء في الآونة الأخيرة في بلدان الاقتصاديات الصاعدة وإنعاش التجارة العالمية، من المنتظر أن يتسارع نمو إجمالي الناتج المحلي في البلدان النامية ليصل إلى 6.3 في المائة في عام 2010 مُرتفعا بنسبة 2.4 في المائة عن مستواه في عام 2009، طبقا لتوقعات صندوق النقد الدولي الجديدة الواردة في التقرير.
وفي الوقت نفسه، فإنه من المتوقع للناتج العالمي أن يزيد بنسبة 4.2 في المائة هذا العام، عاكسا اتجاه هبوطه بنسبة 0.6 في المائة في عام 2009. وقبل اندلاع الأزمة، كان التقدم المُحرز نحو تخفيض أعداد الفقراء يتسم بالتفاوت فيما بين بلدان العالم النامية، فنسبة الأطفال ناقصي الوزن دون سن الخامسة انخفضت من 33 في المائة في البلدان النامية في عام 1990 إلى 26 في المائة في عام 2006، وهو معدل أكثر تباطؤا إلى حد كبير من الوتيرة المطلوبة لخفض هذه النسبة إلى النصف بحلول عام 2015. وكان التحسن نحو تحقيق هذا الهدف أبطأ ما يكون في منطقتي إفريقيا جنوب الصحراء وجنوب آسيا، حيث يعاني فيهما التقزم بأكثر من 35 في المائة من الأطفال دون سن الخامسة.
في حين أن التقدم في تخفيض الوفيات النفاسية يسير بوتيرة أكثر سرعة مما كان مُعتقدا في السابق. ويتضمن تقرير الرصد العالمي 2010 نتائج جديدة نُشرت لتوها في المجلة الطبية البريطانية (ذي لانست The Lancet) توضح أن عدد الوفيات النفاسية في العالم انخفض من 526300 في عام 1980 إلى نحو 342900 في عام 2008، أي ما يقل كثيرا عن آخر تقديرات الأمم المتحدة الخاصة بالعام نفسه التي تبلغ نحو 500 ألف. والواقع أن بوادر هذا التحسن مُشجعة، لكن هذا التقدم هشّ، وما زال الهدف العالمي المتعلق بتخفيض معدل الوفيات النفاسية بنسبة 75 في المائة بحلول عام 2015 مقارنة بمستواه في عام 1990 أمرا بعيد المنال.
ويدعو التقرير أيضا إلى تجديد الجهود من أجل تعميم إتاحة خدمات الصحة الإنجابية، حيث إن نواحي التقدم في هذا المجال مُتوقفة على أحسن تقدير.
وتحقق معظم المناطق في العالم تقدما لا بأس به بشأن تأمين الحصول على مياه الشرب المأمونة، ولكن نتيجة للأزمة، قد يظل 100 مليون شخص آخر بدون قدرة على الحصول على مياه الشرب المأمونة في عام 2015. وفيما يخص الدول العربية، قال التقرير إن هناك كثيرا من التفاوت في التقدم المحرز باتجاه تحقيق الأهداف الألفيّة للتنمية. ففي حين حققت دول مجلس التعاون الخليجي ذات الدخل المرتفع أعلى مستويات التقدم باتجاه تحقيق الأهداف الإنمائيّة للألفيّة، لن تتمكن الدول الأقل نموا مثل جزر القمر، جيبوتي، موريتانيا، السودان، الصومال، واليمن إضافة إلى العراق وفلسطين، من تحقيق تلك الأهداف بحلول العام 2015. أما غالبيّة دول المغرب والمشرق ذات الدخل المتوسط فتتفاوت قدراتها على تحقيق بعض الأهداف الفرديّة. وبالتالي يُشكّل تحقيق الأهداف الإنمائيّة للألفيّة وخفض معدلات الفقر البشري ركيزة أساسيّةً لعمل برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في منطقة الدول العربية. وقال التقرير إن شبكة الضمان الاجتماعي التي بنتها دول المجلس أثناء الطفرات النفطية أثبتت جدواها الكبير خلال الأزمة العالمية، وأنها نجحت في الإبقاء عليها نظرا لإدراكها لحساسيتها الكبيرة اجتماعيا واقتصاديا، الأمر الذي أدى إلى تجنيب مئات آلاف الأسر الحاجة والفقر.