الواقع الائتماني يجبر البنوك الإسلامية الخليجية على جدولة القروض المتعثرة بدل تسجيلها كخسائر
أكدت لـ ''الاقتصادية'' وكالة التصنيف العالمية ستاندرد آند بورز أن البنوك الخليجية (بشقيها الإسلامي والتقليدي) بدأت في معايشة الواقع الائتماني الذي أثر في حركة التدفقات النقدية على شركات القطاع الخاص، وذلك بموافقتهم على خطط إعادة هيكلة القروض التي منحوها لعملائهم وذلك بعد أن تعثروا في سداد القروض الأصلية.
وأكدت ستاندرد أن هذه المنهجية تأتي مسايرة للنهج العالمي المتبع من القطاع البنكي، حيث إن البنوك الخليجية لا تملك إلا خيارين: فإما أن تسجل خسارة وتعتبر هذه القروض غيرمتحصلة Nonperforming loans أو توافق على خطة إعادة الهيكلة، وعليه تمدد تاريخ استحقاق سداد هذه الديون.
وقال لـ ''الاقتصادية'' محمد دمق، كبير المحللين الائتمانيين لدى ''ستاندرد'': ''ما نريد قوله هنا هو أنه، كما هي الحال في المناطق الأخرى من العالم، اتفقت البنوك الخليجية مع الدائنين على إعادة هيكلة عدد من قروضها، حتى تأخذ في الحسبان التغير في الوضع العام وآثار هذا التغير على حركة التدفقات النقدية لدى الشركات''.
وتابع: ''إلا أننا نتوقع كذلك أن التراجع في نوعية الموجودات سيكون أكثر سلاسة، بسبب قرارات البنوك بإعادة هيكلة قروض معينة دون تصنيفها على أنها قروض غير متحصلة. كذلك فإن حالات العجز عن السداد في محافظ التجزئة تشهد ازدياداً سريعاً''.
واستبعدت ''ستاندرد آند بورز'' في سؤال لـ ''الاقتصادية'' أن يقوم القطاع البنكي الإسلامي والتقليدي في الخليج بتوزيع أرباح نقدية عالية، مشددة على أن سياسة التوزيع ستكون متحفظة، وذلك بهدف الاستفادة من هذه الأرباح لتعزيز كفاية رأس المال لهذه البنوك وهو ما يعرف بـ TIER 1.
يقول دمق: ''سياسة توزيع أرباح الأسهم في الخليج العربي تتسم إلى حد ما بالتحفظ خلال الفترة السابقة. ومن المتوقع أن تكون هذا العام عند المستوى نفسه أو حتى أكثر تحفظاً بالنسبة لبعض المؤسسات، وذلك في سبيل المحافظة على نسب الكفاية الرأسمالية أو تعزيز هذه النسب، حتى تتمكن من تدبير أمورها خلال البيئة الحالية وهي في وضع أقوى من ذي قبل. في الوقت نفسه، من رأينا أن بعض البنوك قررت أو ستقرر زيادة توزيع الأرباح على الأسهم لتعزيز سعر أسهمها''.
وكان من شأن الركود الاقتصادي العالمي والأزمة المالية أن وضعت القطاع البنكي في الخليج العربي في امتحان صعب على مدى الأشهر الـ 18 الماضية.
وخلال عام 2009 اتخذت ''ستاندرد آند بورز'' عشرات الإجراءات من التقييم السلبي في القطاع. هذه التقييمات السلبية هي إلى حد كبير دلالة على الآثار المترتبة على الظروف الاقتصادية السيئة، والتي انعكست على الربحية ونوعية الموجودات، خصوصاً في بنوك الكويت ودبي.
الثلث السلبي
وبحسب البحث الاقتصادي الذي نشرته ''ستاندرد'' وعنونته بـ ''الركود الاقتصادي» يكشف قدراً متزايداً من التباين في مستوى وجودة الائتمان بين البنوك الخليجية''، فإن التقييم الائتماني لنحو ثلث البنوك التي تعطيها الوكالة تقييمات ائتمانية في الخليج العربي (إجمالي هذه البنوك الخاضعة للتقييم هو 30 بنكاً) هو أن آفاقها سالبة. لكن الآفاق تظل مستقرة بالنسبة لمعظم البنوك السعودية، وجميع البنوك القطرية.
وقال دمق: ''الواقع أننا نشهد تبايناً متزايداً في مستوى وجودة الائتمان بين البنوك الخليجية، حيث إن البنوك السعودية والقطرية تتمتع بوضع قوي، هذا من جانب، ومن الجانب الآخر، نرى الضعف النسبي في البنوك الاستثمارية في دبي والكويت والبحرين''. وتابع: ''رغم الحقيقة التي تقول إننا نظل متفائلين بحذر من أن الظروف الاقتصادية ستتحسن، إلا أننا لا نستبعد المزيد من قرارات التخفيض في المرتبة الائتمانية للبنوك على المدى القصير''.
الوضع المالي للبنوك الخليجية كمجموعة يظل تحت الضغط، على الرغم من علامات الانتعاش الاقتصادي في الدول التي تعمل فيها هذه البنوك. ويبدو أن تراجع حجم الأعمال وتدهور نوعية الموجودات وما يتبع ذلك من احتياجات للتخصيص، والضغط على السيولة، كل ذلك يؤثر، بحسب ستاندرد، على ما يبدو في الجدارة الائتمانية للبنوك الخليجية بدرجات متفاوتة.
حقن الأموال
وعن الدعم الحكومي للبنوك في حالة مواجهتها انقباض في السيولة، تقول ''ستاندرد'': ''إضافة إلى ذلك فإن دول منطقة الخليج، التي نصنفها على أنها من الدول ذات التدخل النشط في قطاعاتها البنكية، قدمت مساندة غير عادية لأنظمتها البنكية. من رأينا أن قطر هي أكثر الحكومات نشاطاً من حيث المساندة بين دول الخليج العربي الست، حيث أثبتت أنها مُسانِد قوي للغاية للبنوك القطرية. كذلك فإن السلطات في الإمارات تدخلت في عدة مناسبات وأضافت: ''من خلال تقديم تسهيلات سيولة وحقن رأس المال في البنوك''.
مع ذلك فإن البنوك الخليجية مستمرة في التمتع بقدرة قوية على تحقيق الأرباح وكفاءة عالية بالمعايير الدولية، وفي الوقت نفسه تشعر بالضغط من تراجع حجم الأعمال''.
تقول ''ستاندرد'' في تقريرها :''خلال الأشهر التسعة الأولى من عام 2009 كان متوسط ''نسبة التكلفة إلى الدخل'' لدى البنوك الخليجية التي نعطيها تقييمات ائتمانية هي 32.7 في المائة. وهذا يمثل ميزة أساسية تجعلها أفضل من البنوك الأوروبية أو الأمريكية، التي تعاني نسباً أضعف، ومن اضطرارها لاستخدام عازل إضافي لامتصاص التكلفة المتزايدة للمخاطر. السيناريو الأساسي الذي نتصوره هو أن ربحية البنوك الخليجية لن تبدأ في التعافي إلا بحلول النصف الثاني من عام 2010 أو بداية عام 2011.
وعن أسواق الدين، تقول ''ستاندرد'': ''مقارنة بالبنوك الدولية فإن البنوك الخليجية أدنى منها بكثير من حيث القدرة على الاستفادة من الأسواق المحلية التي تتعامل بالدين بالجملة domestic wholesale debt. من جانب آخر فإن البنوك الخليجية لم تكن أبداً في الأصل معتمدة اعتماداً قوياً على مصادر التمويل المحلية بالجملة. كما أن عملية إعادة هيكلة قروض مجموعة دبي العالمية زادت خلال الأشهر الثلاثة الماضية من أسعار عقود التأمين المقبل على الائتمان (التأمين ضد الإعسار)، بالنسبة لجهات الإصدار في الإمارات والجهات الإقليمية الأخرى، وهذا يعد في العادة مقياساً موثوقاً يدل على المزاج الاستثماري العام. من رأينا أن الأسماء المعروفة فقط في الخليج العربي يرجح لها أن تتمكن من الاستفادة من أسواق الدين الدولية خلال الأرباع القليلة المقبلة''.
تحسن الرسملة
تعد الرسملة مرتفعة في معظم البنوك الخليجية التي تمنحها ستاندرد تقييمات ائتمانية، بل إنها تحسنت عام 2009، وذلك بفضل الجمود في الميزانيات العمومية، وإعادة نشر الموجودات باتجاه الاستثمارات ذات الخطورة المتدنية، مثل القروض بين البنوك ودفعات البنوك المركزية، والقدرة القوية على توليد الأرباح، والزيادات الرأسمالية. تقول وكالة التصنيف الدولية: ''ومن رأينا أن الرسملة يرجح لها أن تستقر عند المستويات الحالية، ويعود ذلك إلى النسبة المتدنية (في رأينا) من توزيع أرباح الأسهم عام 2009، على اعتبار أن البنوك تركز على تعزيز كفايتها الرأسمالية. وكذلك المرونة المالية فوق المتوسط. أحد الأمثلة على ذلك الزيادة الرأسمالية التي انتهى منها بنك الخليج بعد أن أدت الخسارة إلى محق جميع رأس مال البنك تقريباً في عام 2008. وقد أسهم في هذه الزيادة الرأسمالية معظم المساهمين في البنك، وكذلك الهيئة العامة للاستثمار في الكويت، التي تسيطر الآن على نحو 16 في المائة من أسهم البنك''.