الخط الفاصل بين الأقوال والأفعال
طنين ورنين، صراخ وهتافات، محاضرات ومنتديات وندوات وملتقيات هنا وهناك، تنظيم وجهد ودعوات، محاضرات إدارية واقتصادية ومالية ومنتديات على جميع الاهتمامات والفروع، توصيات تخرج هنا وهناك وبنود ونقاط تعلن في الصحف والمجلات، مليئة هي مدننا الكبيرة بالمنتديات والمحاضرات والمعارض والحوارات .. يقول أحد الراصدين للحركة التجارية في بلدنا إننا من أكثر الدول تنظيماً للمعارض والندوات .. ولكننا من أقلها في التنفيذ والتطبيق .. دعوت لأكثر من مرة وفي مقالات ومحاضرات عدة أن يكون هناك اهتمام وعلى مستوى القيادة السياسية لتلك التوصيات وأن تشكل اللجان العاجلة والفاعلة وليست اللجان التي ابتلينا بها في تعطيل عجلة التقدم والنمو، وأن تتابع من أعلى سلطة في البلد وأن يحاسب المقصر فيها حساباً علنياً حتى تعطي تلك المحاسبة الهدف المأمول منها، هناك حراك إيجابي على الصعد كافة وهناك نَفَس إيجابي متصاعد من قبل أعلى سلطة وعلى المستويات كافة وهناك إرادة سياسية فاعلة تتحرك نحو مناطق الطموح والآمال، لدينا من عشرات السنين الكثير من التوصيات والمقترحات والآراء في الميادين الاقتصادية والاجتماعية والأسرية والمالية والصحية كافة ولو طبق من تلك التوصيات النزر اليسير لأصبحنا أمة تضاهي الأمم والشعوب، توصيات تُتْلَى ومقترحات تعلن وأفكار تطرح على المستوى الإعلامي والشعبي والجميع يصفق وينتظر ثم لا تجد تطبيقاً ولا تفعيلاً ولا متابعة ولا مساءلة، لماذا كل هذا الوهن الذي أصاب العمل المؤسسي في الوزارات والدوائر ذات العلاقة، أعجبني أحد الحاضرين في الملتقى الدولي لآفاق الاستثمار عندما سأل الدكتور والخبيــر الاقتـصادي عبد العزيز الدخيل عن الحلقة المفقودة في حلقات سلسلة الإصلاح الاقتصادي عندما ذكر هذا السائل إذا كان الجميع يتمني الإصلاح التاجر يهُب لحضور المنتديات والمسؤول يوجد في مثل تلك المحاضرات وصاحب القرار يرحب بالأفكار والتوجيهات إذاً أين يكمن الخلل؟! فأجاب الدكتور عبد العزيز الدخيل وكعادته الرائعة "بأنه يجب أن يكون هناك إرادة مشتركة للبحث نحو الأفضل ابتداءً بصاحب القرار وعلى أعلى السلطات, وينتهي برجل الشارع والتاجر الصغير .. وأن يكون هناك متابعة جادة من قبل الدولة على التوصيات والمقترحات التي تطرح في كل المنتديات, وأن يكون هناك محاسبة قاسية لمن يقصر في ذلك..", وقد سأل أحد الحاضرين: لماذا لا يكون تطبيقاً أو تفعيلاً للتوصيات والنتائج التي يخرج بها كل ملتقى؟ ولماذا لا يكون هناك أنظمة ملزمة لكثير من الأمور التي تؤدي إلى النجاحات والتقدم للأمة؟ فأجاب الدكتور عبد العزيز الدخيل "أن المشكلة ليست بالأنظمة ولا اللوائح بل إننا من أكثر الأمم أنظمة ولوائح, بل إن المشكلة تكمن في الإرادة القوية التي تجعل من الحُزَم صاحبة القرار يداً واحدة للتطبيق والتفعيل وأن تكون هناك نوايا أكيدة على العمل والنجاح". وقد ألمح الدكتور عبد الله دحلان بإلماحة مشرقة وذات دلالات وأبعاد ورؤى تدلل دلالة واضحة عن الإحباط الشديد الذي يصيب الكثير ممن حضروا مثل تلك الندوات والملتقيات.. فقال إنه حاول أن يستميل أحد أصدقائه لحضور هذا الملتقى "الملتقى الدولي لآفاق الاستثمار" ولكنه فوجئ بأن هذا الصديق أخرج ما في نفسه بعد رفض قاطع، حيث صرخ قائلاً: أين أنتم ومحاضراتكم ومنتدياتكم من هجرة الرساميل إلى الدول المجاورة؟ أين أنتم من احتكار البنوك كثيرا من الأمور وحصرها في هذا العدد الذي لا يتجاوز أصابع اليد؟ أين أنتم كذلك من مشاكل المرأة الاقتصادية والتي ما زالت ترزح تحت الكفيل الجاثم على سير حركتها؟! أين أنتم من زحف تلك الأرتال البشرية إلى الدول المجاورة من أجل مساهمة هنا وهناك؟! أين أنتم من هذه البيئة الاستثمارية الطاردة للاستثمار؟! أعتقد أنه لم تسعف الدكتور عبد الله الدحلان المعطيات الاقتصادية السلبية لواقعنا للرد أو التعليق على ما ذكره صديقه!! واكتفى على حد ظني بالابتسامة!! وقد تداخل أحد الحاضرين بشكل رائع صفق له الحضور عندما ذكر الدور السلبي للغرف التجارية وأنها مجرد جباية ليس إلا, وأنها أُنشئت لنصرة الكبير والهامور والتضييق على المبتدئ وقتل طموحه، كما ألمح إلى أنه لا يوجد نظام مكتوب يحدد العلاقة بين الغرف التجارية والتاجر على الصعد كافة وأنه طالب بذلك النظام أكثر من مرة وليس من مجيب!! وأجاب الدكتور فهد السلطان مكتفياً بالقول إن هناك الكثير من القصور وإن الأمل قائم في تعديل ذلك القصور, وأن مجلس الغرف ليس إلا أحد الحلقات في منظومة الاقتصاد الكلي!! لا تعليق، لقد حضرت العديد من الندوات والمشاركات الداخلية والخارجية سواء مشاركاً فعلياً أو حاضراً بالفكر والجسد وأني ألاحظ النفس المتصاعد والنوايا الأكيدة والحماس المتقد عند الجميع الصغير والكبير مهما اختلفت المواقع والمستويات والاهتمامات, ولكني مثل هذا السائل الذي سأل في تلك الندوة أين تكمن المشكلة؟ هل هي في النظام؟! أم في التاجر؟! أم في المسؤول في وزارته؟! أم في التطبيق؟! أم...؟! لا أدري, أتمنى أن أجد إجابة فاعلة وشافية وكافية ومتعايشة مع الواقع أثراً وتأثيراً, وألا تكون على شكل توصيات أو مقترحات! أين يكمن الخلل؟ سؤال كبير، أين يوجد الورم السرطاني الذي يجب أن يجتث حتى يسلم الجسد وتسلم أعضاؤه ليصبح صحيحاً معافى، في ظني المتواضع يجب أن تشكل لجنة عليا ترتبط بالملك مباشرة ويحدد لها اجتماع مباشر مع الملك كل أسبوع أو شهر على الأقل لتعرض التوصيات والمقترحات, ولتقدم وجهة نظرها للقيادة بالتحليل العلمي والأسلوب الأمثل لتطبيق مثل هذه المقترحات متضمنة كافة التنظيمات الإدارية والمالية والإجرائية والزمنية لهذه التوصيات وبالتالي ما يمكن تطبيقه أو يتعذّر تطبيقه في الوقت الحاضر, وإن لم يتحقق ذلك فإنني أنادي بأن يكون هناك لجنة في مجلس الشورى وعلى أعلى مستوى من اللجان تُعنى بالتوصيات والمقترحات, ويكون أعضاؤها من مجلس الشورى من أهل الخبرة والتجربة والعلم, أقصد ليكن الأعضاء من التجار والمفكرين والاقتصاديين ورجال العلم والمعرفة وبالتالي دراسة جميع التوصيات والخروج منها بما هو جيد ومفيد, ويخدم المصلحة العامة بعد الدراسة والتحليل ثم عرضها على مجلس الوزراء للنظر والدراسة واتخاذ القرار المناسب حيالها.