صائدو الوظائف يُغرقون سوق العمل السعودية بكفاءات طردتها الأزمة العالمية

في فترة ما قبل الأزمة المالية العالمية وأزمة الرهن العقاري أي ما قبل 2007 و2008 كانت منهجية استقطاب الخبرات الأجنبية للعمل في القطاع الخاص أكثر انتقاءً بحيث يستقدم من هم أكفاء للعمل مع وجود طلب حقيقي لهذه الكفاءات برغم ارتفاع رواتبهم والمزايا التي يتمتعون بها. كما نعلم يوجد كثير من الجنسيات الأجنبية العاملة في السوق السعودية خاصة في القطاع الخاص, وبالنسبة للكفاءات كان الاتجاه التقليدي أن تقوم الشركات والمؤسسات كل حسب مجاله واختصاصة باستقدام الخبرات اللازمة, مثلا أن تقوم الشركات والمؤسسات المختصة بأنظمة الحاسب الآلي وشبكات المعلومات باستقدام الكفاءات الهندية, فكما هو المعهود عنهم براعتهم في هذا المجال. كذلك الحال في الأعمال المحاسبية التي برع فيها الباكستانيون, وبالتالي هناك الأمريكيون والإنجليز وما بعد العام 2000 انضم إليهم الأستراليون للعمل في الإدارات المتوسطة والإدارات العليا وإدارة المخاطر وما إلى ذلك, بالنسبة للكفاءات الفرنسية والألمانية فهي قليلة نسبيا مقارنة بالجنسيات السابقة الذكر. مع مرور الزمن توارثت وتأقلمت هذة الجنسيات على العمل في بلادنا مع علمهم المسبق بأنظمتنا, ثقافاتنا وخصائصنا الاجتماعية وطرقنا المعيشية من عادات وتقاليد.
الأزمة الاقتصادية الأخيرة كانت السبب وراء إغلاق بنوك وشركات من الحجم الكبير والمتوسط والصغير في جميع أنحاء العالم تقريبا وسبب ذلك ارتفاع مستويات البطالة بشكل غير مسبوق. من الطبيعي أن تتجه أنظار العالم الذي يعاني الكساد الاقتصادي والبطالة العالية إلى العالم الذي لم يتأثر كثيرا بهذه الأزمة ويتمتع بنمو اقتصادي ملحوظ, وبالطبع يضع ذلك المملكة في أعلى قوائم ما يعرف بصائدي الوظائف أو الـ Head Hunters الدوليين. الذين غالبا ما يتخذون من مدينتي دبي ولندن مقرا لمكاتبهم. في حالة اقتصادنا المنتعشة أغرق صائدو الوظائف السوق السعودية في قطاعها الخاص والقطاع المالي بالتحديد بسير ذاتية لطالبي وظائف من جميع بقاع الأرض خاصة البلدان التي تأثرت بالأزمة الاقتصادية العالمية.
التحول الذي اتجهت إليه شركات القطاع الخاص لاستقطاب الخبرات الأجنبية تحول غريب, وفي الحقيقة لا أجد تفسيرا منطقيا لهذ التحول. يمكن أنكم لاحظتم أخيرا وجود ''خبرات'' من مناطق لم تكن معهودة بالعمل في السوق السعودية, مثلا لا حصرا (جنوب إفريقيا, البرازيل الأرجنتين, كوستريكا, الإكوادور, بورتريكو, ونيوزيلندا) . بحسب معلوماتي البسيطة هذه البلدان كانت تستقطب الخبرات نفسها التي كنا نستقطبها قبل الأزمة الاقتصادية, كيف تحول الوضع وأصبحت هذه الدول من مستوردة للكفاءات والخبرات إلى مصدرة للكفاءات والخبرات في غضون عامين؟ (بغض النظر عن البرازيل والأرجنتين لتصديرهما المعروف للاعبي ومدربي كرة القدم!!).
لا أدري هل وجد الإخوة مديرو أقسام الموارد البشرية في القطاع الخاص أنه من الصحي تغيير البلدان التي نستقطب منها الخبرات اللازمة بحيث يعطي ذلك قيمة إضافية Value Addition للقطاع الخاص من حيث أفضلية الإدارة وجودة وزيادة الإنتاج. أم أن الاتجاه مالي بحت, بحيث يأتي هؤلاء للعمل برواتب تعتبر أقل من أن يستقطب شخصا من دول أخرى أكثر خبرة وأغلى ثمنا. لنوضح هذه الصورة أكثر: هل قيمة الخبرات المستقدمة من كوستاريكا مثلا تعادل نفس قيمة الخبرات المستقدمة من اليابان, مع أن اليابان من أكثر الدول التي تأثرت بالأزمة الاقتصادية, لماذا لا نرى يابانيين يتهافتون للعمل في القطاع الخاص السعودي!؟ لنفرض أن الاتجاه أسبابه مالية بحتة, وبحسب معرفتي الشخصية يتقاضى الشخص المستقدم من تلك الدول معدل راتب إجمالي في حدود 175,000 دولار أو ما يعادل 656,250 ريال سنويا, هل لا يوجد في السوق السعودي شباب ذوي خبرة عالية يمكنهم أن يؤدوا المطلوب نفسه من هذه ''الخبرات'' بل يزيدوا عنهم في أمور أخرى كثيرة وبأقل قليلا من ثلثي المبلغ؟ أشك في ذلك. بحسب خبرتي الطويلة في القطاع الخاص أستطيع أن أجزم بوجود شباب سعودي عال الخبرة والالتزام في مجالات عدة في القطاع الخاص يمكنهم أن يبدعوا في العطاء والجهد فقط لو فكر أرباب العمل في إعطائهم فرصة ليثبتوا أنفسهم ويؤكدوا عدم الفائدة المرجوة من استقدام خبرات من هذه الدول فقط لأنهم غير سعوديين.
ليس من العدل أن أجمع في هذه الحالة فيوجد في بعض هذه الدول من هم أكفاء وذوو مهارات عالية. ولكني أتعجب من طريقة التعامل, بمعنى هل يسأل هؤلاء عن آخر بيان عن الراتب Latest Salary Statement من آخر عمل كانوا فيه, كما يسأل السعوديون عندما يتقدمون للأعمال. هل يسأل هؤلاء عن توثيق شهاداتهم بحيث نعلم انهم تخرجوا من جامعات معترف بها كما يطلب دائما من الشباب السعوديين خاصة الدارسين والمتخرجين من الخارج, هل الموضوع من ضمن الإجراءات الإدارية أم عدم الثقة بشبابنا؟
لقد نجح مكتب العمل في تثبيت معدل ألسعودة في عدة قطاعات كبرى ومهمة عند نسب معينة جرت مراقبتها باحترافية جيدة دون التطرق إلى العمق الإداري لشركات القطاع الخاص وتحديد وظائف معينة بالاسم بحيث تكون محصورة فقط على السعوديين. أرى أن الوقت قد حان لمكتب العمل بتوسيع رقعة مسؤولياته برفع معدل السعودة بالتدخل المباشر في إدارات منشآت القطاع الخاص والعمل على حصر الوظائف التي يجب ألا تشغل إلا بالشباب السعودي. تسألوني كيف يتم ذلك؟ سأشرح لكم الآلية Mechanism في مقال لاحق.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي