العلاقات مع الهند: لماذا لا يتم تعميم خطوات "أرامكو"؟
الهند ستصبح أكبر بلد في العالم عندما يتجاوز عدد سكانها عدد سكان الصين خلال أقل من عقدين من الزمن. ويتوقع أن يستمر الاقتصاد الهندي في النمو بمعدلات عالية لعقود مقبلة، كما يتوقع أن يستمر الأداء الجيد للبورصة الهندية.
الهند دولة نووية، ولكنها أيضاً البلد الذي أنجب غاندي. قد يذكر البعض أسماء بعض الهنود الذين يعادون الإسلام، ولكنها أيضا بلد أبو الأعلى المودودي. قد تكون الهند المصدر الأول للعمالة غير الماهرة لدول الخليج، ولكنها المصدر الأول للخبراء والأطباء إلى الدول الغربية.
يتوقع أن تصبح الهند عضوا دائماً في مجلس الأمن الدولي يوماً ما. علاقاتها بالعالم العربي قديمة وتعود إلى آلاف السنين. على الرغم من أن هناك أشواطاً طويلة أمام الهند لتحقق وجوداً دولياً مؤثراً في الصعيدين الاقتصادي والسياسي، وعلى الرغم من اعتقادي الشخصي بأن هناك بعض المبالغات حول مستقبل الهند، إلا أنها ستصبح أكبر سوق في العالم للمنتجات كافة، وقد تصبح من أكبر أسواق الطاقة في العالم، ومن أكبر المستهلكين للمنتجات البتروكيماوية والبلاستيكية التي تنتجها دول الخليج. كما يتوقع استمرار سيطرة الهنود على أغلب الوظائف وفي كل المجالات في الدول الخليجية الصغيرة.
إن زيادة الدخل والسكان معاً تعطي الحكومة الهندية ميزة نسبية في التفاوض مع الدول المختلفة. البعض يرى أن هذه الزيادة تشكل أيضا ضغطاً داخلياً مضاداً قد يجبر الحكومة الهندية على تغيير بعض مواقفها بسبب حاجتها الماسة لبعض المنتجات والمصادر الطبيعية. قد يرى هؤلاء أن حاجة الهند للنفط العربي قد تجبرها على تبني سياسات تجارية وسياسية تتفق مع الرؤى العربية. قد يكون هذا الرأي صحيحاًً، ولكن على المدى القصير فقط، لأن هذا الضغط سيجبر الهند أيضاً على البحث عن طرق بديلة للخروج من هذا المأزق. إن الذين يظنون أن دول الخليج تستطيع التأثير في السياسات الهندية عن طريق التطبيل على براميل النفط واهمون. أسواق النفط عالمية بطبيعتها ويمكن لأي دولة الشراء من أي مكان في العالم. إنتاج دول "أوبك" مازال أقل من 40 في المائة من الإنتاج العالمي، وإنتاج السعودية يمثل نحو 12 في المائة من الإنتاج العالمي فقط.
إن التأثير في الهند كقوة عظمى في المستقبل لا يتم إلا بالتعاون مع جميع القطاعات الاقتصادية والسياسية في الهند ابتداء من اليوم قبل الغد. في الواقع، لقد تأخرنا بعض الشيء، ولكن هناك فرصة للتعويض.
لماذا لا يتم تعميم خطوات "أرامكو" على بقية القطاعات الاقتصادية؟
قامت "أرامكو السعودية" في الفترات الأخيرة بالاستثمار في قطاع التكرير داخل الهند. إن ماقامت به "أرامكو" في الهند يتناسب تماماً مع فكرة التعاون بين منتجي النفط ومستهلكيه، والتي قام عليها منتدى الطاقة العالمي، فمشروع "أرامكو" في الهند يتناسب مع فكرة "أمن الإمدادات" التي نادت بها الدول المستهلكة، لأن الهند ستضمن أن "أرامكو" ستمد مصافيها في الهند بالنفط اللازم، ويتناسب مع "أمن الطلب" الذي تنادي به الدول المنتجة لأن "أرامكو" ستضمن سوقا في الهند والدول المجاورة لها. إن هذا النوع من العلاقات الذي ينتفع به الأطراف كافة، وإن كان محدوداً في الوقت الحالي، يجب تعميمه على القطاعات كافة في كل من البلدين. كما يجب توسيع الفكرة لتشمل الاستثمارات الهندية في دول الخليج.
على الرغم من تزايد التعاون في الفترات الأخيرة وارتفاع معدلات التبادل التجاري، إلا أن العلاقات التجارية بين البلدين مازالت ضئيلة ولا تتناسب مع حجم الاقتصاد الهندي، أو قرب المسافة بينهما. وعلينا ألا ننسى أن جزءاً من هذه الزيادة كان نتيجة حتمية للوضع في العراق، الحليف التاريخي للهند والمصدر الأول للنفط على مدى عدة عقود. بغض النظر عن حجم هذه التعاملات فإنه يجب تطوير العلاقة بين البلدين لتصل إلى المستوى الثقافي، كما يجب التركيز على الجامعات ومعاهد البحوث لدراسة العلاقات العربية ـ الخليجية ـ الهندية.
لا شك أن الخطوات التي قامت بها "أرامكو" مثالاً يُحتذى به، إلا أن هناك مجالات أكبر للتعاون مع الهند في مجال الطاقة. الهند ليست سوقاً فقط، ولكن لديها شركاتها العالمية التي تبحث عن استثمارات مختلفة في شتى أنحاء العالم، خاصة في مجالي النفط والغاز. كما أن هناك حاجة ماسة لزيادة التعاون على كل المستويات، وفي كل المجالات.
إن حاجة الهند للطاقة، وبالتالي لدول الخليج، مرهونة بأمرين: الأول يتمثل في تمويل مشاريع الطاقة النووية لتوليد الكهرباء، والثاني إيجاد تكنولوجيا جديدة لاستخراج وتطوير الفحم بطرق نظيفة وآمنة. الكل يعرف أن تكنولوجيا الطاقة النووية متوافرة لدى الهند، وأن لدى الهند ثالث أكبر احتياطيات من الفحم في العالم.
الهند لا تستطيع على المدى القصير تمويل مشاريع توليد الكهرباء من الطاقة النووية، كما أنها لا تستطيع زيادة إنتاج الفحم بشكل كبير لأنه من النوعية الرديئة الملوثة جداً للبيئة. إن تطوير كلا المصدرين ممكن على المدى الطويل، خاصة إذا شعرت الهند بأنها لا تحصل على إمدادات كافية من النفط، أو أن تجارتها مع العالم العربي ضئيلة مقارنة بالدول الأخرى. أضف إلى ذلك فإن التأثير في حكومة ديمقراطية في بلد مثل الهند لا يتم إلا بالتعاون مع هذا النوع مع الحكومات، وعلى الدول العربية أن تعتبر من تصويت الهند ضد إيران في وكالة الطاقة الذرية، رغم حاجة الهند الماسة للغاز الإيراني.
على مَن يقع عاتق تعميم تجربة "أرامكو" على بقية القطاعات الاقتصادية في دول الخليج؟ ما معوقات تعميم تجربة "أرامكو" مع الهند على القطاعات الأخرى؟ قد لا تكون هناك إجابة محددة، ولكن من الواضح أن لوسائل الإعلام والمثقفين الدور الأكبر في ذلك. من هذا المنطلق تمت كتابة هذا المقال العام على أمل قيام الصحف بنشر مقالات أكثر تركيزاً وتخصصاً.