مقاولو (ب) و(ج) العيش في الكساد في عز الطفرة التنموية

تجاذبت أطراف الحديث أخير مع بعض المقاولين الذين أظن أنهم مصنفون من الدرجة ب والدرجة ج عن طفرة العمران الحالية التي تعيشها البلد بعدما صدرت الميزانيات الضخمة لعامي 2009 و2010 و ما يتخللها من مشاريع جبارة للبنية التحتية ومشاريع تكميلية شملت جميع القطاعات الحيوية في جميع أنحاء البلاد. كنت أظن أن الإخوة المقاولين ليس لديهم وقت للحديث معي وذلك لانشغالهم بكثرة المشاريع التي يعملون فيها حيث عهدتهم على أن تكون معظم مقاولاتهم ترسية بعقود (من الباطن) مع مقاولي الفئة (أ) بعد ترسية المناقصات الحكومية. في الحقيقة فوجئت بأن أغلبيتهم يشكون حالة كساد غير مسبوقة وبعضهم بدأ يخسر جراء صرف رواتب العمال والمهندسين في عدم وجود عقود و مقاولات تضمن بقاءهم حتى ولو على درجة الكفاف إلى حين ميسرة. لم أستطع الربط بتفكيري البسيط وخبرتي المعدمة في هذا المجال, كيف يصبحون في كساد في ظل هذه المشاريع التي لا تعد ولا تحصى؟
أجمع معظمهم على أن بعض شركات المقاولات الكبرى التي تعمل على بناء هذه المشاريع, أوقفوا التعامل من الباطن مع مقاولي الفئة تبين (ب) و (ج) إلى إذا دعتهم الحاجة إلى ذلك وفي تخصصات لا يجدونها في العمالة المتراصة على نواصي الشوارع، واكتفوا بجلب العمالة السائبة الرخيصة والغير مدربة ووضعوا مهندسي إشراف عليهم لتكملة المشاريع. وشرح لي الإخوان أن طريقة تنفيذ المشاريع هي أن يقوم المقاول الرئيسي بتنفيذ البنية التحتية (العظم) بنسبة 70 في المائة وهناك أعمال تعرف بالإليكتروميكانيك وهي تمثل 20 في المائة من المشروع وغالبأ ما تعطى لمقاولين من الباطن, ثم هناك التشطيب وهو يمثل 10 في المائة من المشروع ويعطى لمقاول من الباطن أو يقوم المقاول الرئيسي بالتنفيذ. إذا كان هذا الكلام صحيح وبغض النظر عن حالة الكساد التي يعيشها المقاولون المذكورون, فهذا خطر قانوني, اجتماعي وتقني يجب عدم السكوت عنه. بدأت أبحث عن أسباب منطقية حول حدوث شيء كهذا, هل ممكن أن يكون السبب هو مكتب العمل بعدم صرف تأشيرات عمل كافية لهذه الشركات الضخمة لتنفيذ هذه المشاريع؟ لا أظن ذلك فقد قرأت خبرا في هذه الجريدة لمكتب العمل عن وقوفه مع مشاريع التنمية ومساعدة الشركات بما يلزمهم. ربما كان السبب هو إحجام البنوك عن تمويل شركات المقاولات الكبرى التي تقوم ببناء المشاريع, وحتى لو تم التمويل يكون بأسعار عالية مما ينقص من الربحية الصافية للمقاولين، بالتالي يتجهون لاستخدام العمالة الرخيصة السائبة للتوفير. لا بد من وجود سبب منطقي يجعل هذه الشركات تتجه إلى هذه التجاوزات الخطيرة. تبعات هذا التصرف كثيرة وكبيرة, منها إيجاد أسباب تدعوا العمالة السائبة للبقاء في البلد طالما أن هناك عملاً دائماً وعليهم طلب من الشركات الكبرى، دفع مقاولي الفئات ما دون فئة (أ) إلى تصريف العمالة الموجودة لديهم بحيث إنها تصبح عمالة سائبة، أو إنقاصهم إما عن طريق نقل الكفالات وإما ترحيلهم بتأشيرات خروج نهائي. بذلك نكون قد ثبتنا العمالة السائبة ورحلنا العمالة الرسمية. هذا من ناحية كثرة العمالة السائبة وازديادها المتسارع. من الناحية التقنية والتنفيذية بحيث تصبح جودة تنفيذ المشاريع في انخفاض بسبب استخدام عمالة غير مسؤولة همها الوحيد هو أن يكون لديها دخل يدفعون بعضه لكفلائهم المسرحين والباقي يعيشون منه ويرسلون بعضه إلى بلدانهم. لاحظوا أن ما نسبتة 70 في المائة من البناء وهو الأهم في نظري أصبح يشيد باستخدام عمالة سائبة يشرف عليها مهندس واحد يعمل بما يمليه عليه ضميره. لأنه في حال وجود شركة مقاولات أخرى متعاقدة من الباطن, يصبح هناك أكثر من مهندس إشراف, مهندس يتبع الشركة الأم فئة أ ومهندس يتبع للشركة المتعاقدة من فئتي (ب) و(ج) بالتالي دوام وجود الإشراف وإخراج مشروع آمن تنطبق عليه جميع الشروط الهندسية الإنشائية.
لقد سبق أن أشرت إلى وجوب إيجاد لجان تخصصية مستقلة تقوم بمتابعة هذه المشاريع في مقالى المنشور بتاريخ 5 صفر 1431هـ. ولم أتطرق لأهمية متابعة مكاتب العمل والجوازات بزيارات فجائية للمشاريع للتثبت من أن العمالة المستخدمة هي عمالة رسمية وتابعة للمقاول حسب بيانات الإقامة. هناك حركة تلاعب بالأنظمة يجب أن أشير إليها, وهي قيام مؤسسات صغيرة ربما تكون غير قائمة بالتعاقد مع شركات المقاولات الكبرى لتوفير العمالة المطلوبة, هذه المؤسسات الصغيرة تقوم بجمع العمالة من الشوارع وتقديمهم للمقاول للعمل، بالتالي يكون العمل قد تم بعقد قد يحمي المقاول في حال تمت عملية تفتيش من قبل مكاتب العمل والجوازات. ربما يستطيع إخواننا في الجوازات من خلال دوراتهم التفتيشية بطلب تلك العقود ومطابقة إقامات العمال للكفالة الصحيحة التابعة للمؤسسة الصغيرة المتعاقدة مع المقاول. أشار بعض الإخوة المقاولين إلى موضوع مهم أيضا, وهو أنهم يتقدمون إلى بعض المشاريع المتوسطة بحسب المناقصات المعلنة, وبعد تقديم العطاءات والالتزام بجميع شروط المناقصة وبعد فتح المظاريف, يفاجأ المقاول الذي أرسيت عليه المناقصة بأن المبلغ الإجمالي المقدم لتنفيذ المشروع قد أنقص بمبلغ لا يستهان به. ماذا ينتظر الإخوة المهندسون والإداريون في الوزارات. هل يقوم المقاول بالدفع من جيبه لإتمام المشروع؟ وحتى لو كان هذا المبلغ هو هامش الربح للمقاول, هل سيترك المقاول الربح وإنجاز المشروع بسعر التكلفة؟ بمجرد ترسية المشروع على المقاول لا يمكنه الانسحاب من المشروع لأن ذلك قد يعرضه للوضع في القائمة السوداء. كلنا يعرف أن الطريقة التي ستتبع في هذه الأحوال هي إما الإنقاص في المواصفات والجودة وإما اللجوء إلى تنفيذ المشروع باستخدام العمالة الرخيصة السائبة كي يوفر المبلغ المقتطع من القيمة الإجمالية للمناقصة. السؤال هنا: ما صعوبة الاتصال بالمقاول صاحب الشأن والاجتماع به لاستبيان بنود العرض المقدم قبل اتخاذ أي قرارات تعسفية يمكن أن تؤدي إلى ما لا تحمد عقباه في المستقبل؟

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي