خيمة وسط جدة

جدة المدينة التي تعد واحدة من أكبر مدن المملكة والتي لا يقل عدد سكانها عن ثلاثة ملايين نسمة، وهي بوابة الحرمين ويوجد فيها عشرات المراكز التجارية الكبرى وفيها الجامعات والكليات الأهلية وغيرها من مظاهر التقدم والرقي، إضافة إلى الكورنيش البحري الذي يرتاده الملايين سنويا عجزت أن تضم بين مبانيها أحد أبنائها مما جعله هو وعائلته يسكنون في خيمة في وسط جدة.
نشرت إحدى الصحف أمس في الصفحة الأخيرة قصة أب عمره 52 عاما يسكن هو وزوجته وابنه وبناته الأربع ورضيع في خيمة بعد أن ساءت ظروفهم الاقتصادية من جانب وتعفف الأب أن يلجأ للسؤال من جانب آخر، فآثر أن يسكن مع أسرته في خيمة بعد أن أنهيت خدماته، حيث كان يعمل حارس أمن في إحدى الشركات ثم تم الاستغناء عنه هو وزملاؤه بدعوى انتقال مشاريع الشركة إلى جهة أخرى تبعد عن مدينته 150 كم وهو لا يملك وسيلة نقل، بل كان ذهابه إلى عمله بدراجة نارية، ومنذ أربعة أشهر وهو تاريخ إنهاء خدماته وحتى الآن لم يجد عملا فتراكم عليه إيجار المنزل ورأى جاره يخرج من منزله بالقوة الجبرية بعد أن استدعى المالك رجال الأمن لذلك، فقام ببيع بعض ممتلكات منزله وآثر الرحيل بعد أن طرق عدة أبواب لجهات حكومية وجمعيات خيرية ولم يجد نتيجة.
حال صاحب الخيمة لا يختلف كثيرا عن حال مَن أراد أن يلقي بنفسه من أعلى أحد المباني الحكومية في تبوك بسبب ظروفه المادية، ولا يختلف عن آخرين كثر عرفنا بعضهم من خلال وسائل الإعلام ولم نعرف كثيراً منهم ممن يسكنون على بعد كيلومترات بسيطة ليس من مدينة جدة، فحسب بل من بعض الأحياء الغنية في المدينة.
صاحب الخيمة هو نموذج لأحوال المئات إن لم يكن الآلاف حول المملكة الذين يعيشون في خيام وفي أماكن لا تليق أن تعيش فيها حيوانات ولهم علينا حق يجب أن نوفيه لهم بدلاً من أن نتألم للحظات ثم ننساهم، هؤلاء الذين يجب أن نبحث عنهم ونعمل على مساعدتهم، ليس بأسلوب المساعدة التقليدي وهو تقديم المعونات المادية والعينية لهم، بل المساعدة التي تسهم في اعتمادهم على أنفسهم مستقبلاً، إما من خلال تقديم فرصة عمل لهم أو مصدر رزق يستطيعون من خلاله أن يكسبوا رزقهم في مجالات مهنية مختلفة.
لو قام أصحاب كل حي بتفقد أهل حيهم ومعرفة أوضاعهم والتأكد من أن كل من في الحي لديه مصدر رزق يساعده على تلبية احتياجاته اليومية لما وجدنا في حيّنا خيمة، ولو حرصنا على أن نقوم بمتابعة جيراننا وتفقد أحوالهم والاطمئنان على أوضاعهم لما ظهرت الخيام وسط كبرى المدن والتي يوجد فيها ملايين من العمالة الوافدة.
إننا نحتاج كأفراد إلى وقفة مهمة نقوم من خلالها بإعادة النظر في كثير من الأوضاع من حولنا، خصوصا جيراننا وأهل الحي الذي نسكن فيه، إذ إن بعضنا قد لا يعرف جاره الذي بجواره ولا يعرف اسمه ولا أين يعمل وبعضنا يصلي في مسجد الحي ولا يعرف من جيرانه الذين يصلون معه، بل إن بعض الجيران قد يتوفى ولا أحد يعلم عنه شيء إلا مصادفة.
إن علينا واجباً كبيراً فرضه ديننا على من حولنا، فيجب علينا ألا ننتظر أن تأتي المساعدات والمعونات من جهات أخرى، بل لا بد من أن نكون مبادرين وأن نكون منتجين وأن نعمل على أن يكون مجتمعنا مجتمعاً منتجا، وأن نتكاتف جميعنا إذا وجدنا أي حالة مثل حالة صاحب الخيمة لنجد الحل الفوري والسريع لها، بحيث يكون حلاً دائماً وليس قائماً على معونة أو دعم مادي بسيط لا يلبث أن ينتهي ليعود صاحبه إلى سابق عهده.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي