القوة الخارقة.. وبرنامج «99»
شاهدت حلقة من البرنامج المتميز ''99'' بتاريخ 10/3/1431هـ, حيث تناولت الحلقة ما يعرف بـ ''ألعاب القوة الخارقة'', وفيها طبق مجموعة من الممارسين أشكالا متنوعة مما يرون أنهم يملكون قوة خارقة فيها. أكل الزجاج, والمشي على الجمر, ووضع ساطور تحت الرقبة ثم تكسير قطع من الأسمنت على الظهر, والنوم على السيوف والمسامير. وكان من بين الممارسين أطفال مراهقون, قاموا بما طلب منهم تحت صيحات تشجيع من مدربهم (حلو), (يا بطل)، (ما شاء الله). كل ذلك على الهواء مباشرة في القناة الأولى. ولقد ركزت حلقة البرنامج حول ما أثير عن الاستعانة بالجن وممارسة السحر والشعوذة في هذه الألعاب, وجاء اللقاء ليفند ذلك من خلال الوقوف مباشرة على الحقيقة.
في نظري أن هذه الممارسات غير قانونية, ولها تبعات تربوية واجتماعية خطيرة. وهي شكل من أشكال العبث, وصورة من صور الاستهتار بالحق في الحياة, والحق في سلامة الجسد, وتعد على الطفولة, وتقديم نماذج فارغة المضمون للأطفال والمراهقين.
فما الرسالة التي يهدف إليها هؤلاء عندما يضعون ساطورا تحت رقبة أحدهم ثم يهشمون قطعا من الأسمنت فوق ظهره بواسطة مطرقة كبيرة تحت الآهات والصياح, بدعوى القوة الخارقة والبطولة الزائفة, ويدعون أنهم يقومون بذلك بعد تدريب طويل, وأن ذلك حقيقة, ويحمل مخاطرة كبيرة؟
ماذا لو أصيب أحدهم أو مات من جراء هذه التصرفات الموصوفة بالألعاب؟ وكيف يمكن تكييف هذا الفعل؟ إن هذه التصرفات ليست رياضة معترفا بها, ولا توجد لها قواعد وشروط يمكن أن تكون سببا من أسباب الإباحة التي تعفي من المسؤولية الجنائية. ولذلك؛ فإنه لا يجوز السماح بهذه الممارسات بدعوى تسميتها ألعابا أو تحت أي اسم آخر.
الألعاب الرياضية لها قواعد وشروط لممارستها، حتى إن حملت بعض المخاطرة. والاعتراف برياضة ما يعفي ممارسها من المسؤولية الجنائية إذا حدثت أي إصابة، طالما كانت في إطار هذه الشروط والأحكام. أما ما جاء به هؤلاء فلا يمت إلى الرياضة بصلة, وليس محميا بأي نظام أو عرف، ودخيل علينا شكلا ومضمونا.
كان كبير الممارسين يردد بفخر أنه سيدخل كتاب جينيس لأخطر لعبة؛ لأنه وضع رأس السيف في أسفل عنقه عند تهشيم الأسمنت على الرأس! يا لها من بطولة! سندخل التاريخ بهذه الممارسات! من أكبر صحن للكبسة, إلى أطول ثوب, إلى قطع الأسمنت المهشمة بمطارق البطولة الخارقة!
تقليد أعمى. يجر السيارة بأسنانه؛ لتصفق له جماهير المشاهدين, على غرار كبار الأجسام صغار الأحلام الذين كنا نشاهدهم على شاشات الغرائب, يلتهم الزجاج, ويصرخ ويتأوه على حد سيف يمتد عليه, ومطرقة صنعها الحداد، ومجد ينتظر على صفحات كتاب جينيس للأرقام القياسية.. وماذا بعد؟!
إذا كان لا يجوز عمل الأطفال تحت سن معينة, فكيف يجوز تعريضهم في سن الطفولة والمراهقة لهذه الممارسات الخطيرة؟ وكيف أذن هؤلاء أو أولياء أمورهم لأولئك الأطفال أن يأكلوا الزجاج ويتمددوا على المسامير والسيوف ويسيروا على الجمر؟! نود أن نسمع رأي التربويين عن تأثير هذه الممارسات في النشء, ما القدوة التي نقدمها لهم من السير على الجمر؟ ما القيمة التي نزرعها في الأطفال عند تكسير كتل الأسمنت على ظهور ''أبطال'' الاستعراض؟ كيف نتصرف إذا وجدنا أحد أطفالنا الصغار (يحلي) بالمصباح الكهربائي في مكتبته, أو يجرب سكين المطبخ على رقبة أخته الصغيرة؟ من المدعي ومن المدعى عليه؟ هل تكفي عبارات التحذير بالخط الأحمر للإعفاء من المسؤولية القانونية والأخلاقية؟!