الشركات العائلية والعمل المؤسسي
تتميز السوق السعودية بمساحة من المرونة والحرية قلما تجدها في مناطق أخرى من العالم، وهذا ملموس من الجميع فالاقتصاد الحر هو السائد, والعاملون في كافة القطاعات والأنشطة الاقتصادية المختلفة يتمتعون بمزايا كثيرة تضمنها لهم السوق، وموضوع اليوم يتعلق بالشركات والمؤسسات العائلية والمملوكة لأفراد وهي كثيرة ومتعددة وبعضها تجاوزت سنوات أعمالها نصف قرن .. وللأسف أن بعضها إن لم يكن أكثرها لايزال يعمل بنفس الأسلوب التقليدي والقرار يعتمد على المالك وهو صاحب الكلمة الأولى والأخيرة والآمر الناهي بعيدا عن التفكير في التغيير وأعني التغيير الإيجابي الذي تفرضه المتغيرات السياسية والاقتصادية والتنافسية والثقافية والاجتماعية، التي لا بد من مواكبتها والاستفادة منها في تحسين أداء الشركة وتطويرها وخصوصا أن الشركة تكبر ويبقى الاعتماد على العمالة الرخيصة نفسها والفقيرة فنيا التي عادة ما تهتم بتنفيذ أوامر المالك أو أفراد العائلة .
وللأسف أن الفكر عند البعض لا يتجاوز الاعتقاد الخاطئ أن الشركة ما دامت تربح فهي بخير وأنه لولا حكمة وخبرة المالك لما وصلت إلى ما وصلت إليه .. هذا لا يمكن إنكاره ولكن الأمور تتغير ورياح التغيير قد هبت ولا بد من التفكير جديا بالعمل المؤسسي - وهو فصل الملكية عن الإدارة - للإبقاء على هذه الكيانات ناجحة وقوية وتؤدي رسالتها الحقيقية وتسهم في ازدهار ونمو الاقتصاد الوطني بدلا من أن تكون عبئا عليه.
بعض ملاك الشركات العائلية تحركوا مبكرا وعملوا على ذلك وبعضهم تجاوز مرحلة العمل المؤسسي إلى طرح شركاتهم كمساهمة عامة ومازالوا يملكون حصصا كبيرة فيها واستفادوا واستفاد منهم العديدون وتحسنت نتائج شركاتهم وأعمالها وانعكس ذلك على أرباحها مع ارتفاع القيمة السوقية للشركة وأسهمها ومازالوا أعضاء فاعلين فيها من خلال مجالس الإدارة والأمثلة موجودة في سوق الأسهم السعودية وبعضها مازال يحمل اسم العائلة نفسه.
هناك فئة أخرى بدأت العمل المؤسسي نظريا ولكنها في الواقع مازالت تدار بالأسلوب نفسه من خلال المركزية في القرار وتسير عملية التغيير فيها ببطء شديد .. والفئة الثالثة والأخيرة التي لم تتحرك وبعضها يدار من قبل الجيلين الثاني والثالث من أبناء العائلة.. والتي عادة ما تكون ثقافتها مبنية على المركزية في العمل والتخبط في القرارات وتحكمها العواطف والمجاملات والمحسوبيات مما يشغل الشركة في أمور جانبية بعيدا عن رسالتها وأهدافها – أي خلق المشكلة وتجييش الفريق لحلها - ومن هنا يبدأ العد التنازلي لسقوط الشركة.
وفي القطاع العقاري لم نشهد حالات لنهج العمل المؤسسي - فيما عدا واحدة تعمل بجد على ذلك ولكن بشكل بطيء - برغم وجود شركات لها عشرات السنين تعمل في هذا القطاع وتتميز بالمصداقية ألا أنها مازالت تعمل بالأسلوب نفسه وتوقف نموها وتطورها فكريا وبقيت معتمدة على نجاحات الماضي وأصبحت في عداد المتفرجين بظهور شركات وتحالفات ومنافسين أقوياء أخذوا حصة كبيرة من السوق .. الباب مازال مفتوحا للنهج المؤسسي والاعتماد على كفاءات خارج نطاق العائلة والتحرر من المركزية وإلا فإن المنافسة قادمة وقوية وقريبة خصوصا مع فتح باب الاستثمار للأجانب وانضمام المملكة لمنظمة التجارة العالمية.. فمن يبادر ويكسب الرهان.