استقلال القضاء
في المقالة السابقة تحدثنا عن سياسة الباب المفتوح التي تلتزم بها الدولة وفقاً للمادة (42) من نظام الحكم الأساس للمملكة التي تشير إلى أن مجلس الملك ومجلس ولي عهده مفتوحان لكل مواطن، ولكل شكوى أو مظلمة، وأن من حق كل فرد مخاطبة السلطات العامة فيما يعرض له من شؤون، وبذلك يحق للمواطن، وكذلك المقيم أن يتقدم بشكواه لأحد المجلسين الكريمين المذكورين، وأشرت أيضا أنه رغم الظروف الأمنية الحساسة ومحاولة بعض الإرهابيين إلحاق الضرر بحياة كبار المسؤولين في الدولة رغم ذلك فقد أعلنت الدولة وأصرت على الاستمرار في سياسة الباب المفتوح، وهذه السياسة لا شك تعطي الإنسان الحق في رفع الشكوى للملك رأسا أو لولي عهده إذا ما احتاج الأمر لذلك، وبذلك فإن الآلية الموجودة تضمن حق الإنسان لرفع الظلم عنه. والآن نتحدث عن (مصدر الإفتاء في المملكة) ورد في المادة (45) من نظام الحكم الأساس للمملكة كتاب الله تعالى وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -، ويبين النظام ترتيب هيئة كبار العلماء وإدارة البحوث العلمية والإفتاء واختصاصاتها، ولا شك أن الدولة تهتم بالإفتاء حتى يسهل على القضاة والعلماء والناس أجمعين سهولة العودة للفتاوى التي تم التوصل إليها من كبار العلماء المعتمدين من الدولة حتى لا يختلف الناس في أمور دينهم وتعاملهم في أمور حياتهم وليطمئنوا أن الفتاوى المعتمدة لا تختلف مع ما جاء في الكتاب والسنة ودعونا الآن نتحدث عن:
القضاء سلطة مستقلة
تتكون السلطات في الدولة كما جاء في النظام المذكور من ثلاث سلطات الأولى السلطة القضائية والثانية السلطة التنفيذية والثالثة السلطة التنظيمية وتتعاون تلك السلطات في أداء وظائفها وفقاً لنظام الحكم المذكور وغيره من أنظمة الدول والملك هو مرجع تلك السلطات، كما جاء أيضاً في النظام المذكور المادة (46) أن القضاء سلطة مستقلة ولا سلطان على القضاة في قضائهم لغير سلطان الشريعة الإسلامية، وقد جاء في القرآن الكريم: (إنَا أَنْزَلناَ إِلَيِك الكِتَابَ بِالَحق لِتَحكُمَ بَيَنَ الَنَاسَ بِماَ أَراَكَ الَلهُ ولاَ تَكُنْ لِلْخَائِنينَ خَصِيْماً) النساء «105»، وقد هزَتنَي هذه الآية العَظيمة لدقتها وبلاغتها وما ورد فيها من كلمات مترابطة ومتصلة ببعضها حتى يكون هناك قواعد وأسس وأركان يعتمد ويرتكز عليها القضاء العادل فقد ورد ذكر الله تعالى في أول جملة (بداية القرار الإلهي) (وإِنَا) و(أَنْزَلنا) ثم ورد اسم القرآن الكريم (الكَتَابَ)، بعد ذلك (الحق) ثم ما يدل على القضاءِ (لتحكم) ثم ما يشير لبني البشر (الناس) ثم تكرر اسم الجلالة مقروناً برؤيته تعالى (بِمَا أَراَكَ اللُه) وأخيراً أمر الله رسوله بألا يتعامل مع من لا أمانة لهم (الخائنين) (وَلاَ تَكْن للخَائِنين خَصِيماً) وأأوْرد هنا موجزاً عن أهم ما ورد في تفسير العلامة الشيخ عبد الرحمن السعدي - يرحمه الله - للآية المذكورة. (يخبر الله تعالى أنه أنزل على عبده ورسوله الكتاب بالحق أي محفوظاً في إنزاله من الشياطين حتى لا يدخل فيه الباطل بل نزل بالحق، والحكم بين الناس يشمل الحكم بينهم في الدماء والأعراض والأموال وسائر الحقوق والعقائد، وفيما يخص (بِمَا أَرَاكَ اللهُ) أي ليس بهوى الرسول بل بما علمه الله وألهمه وأما (لاَ تَكُنَ لِلخَائِنيَن خصيَماً) أي لا تخاصم عمن عرفت خيانته من مدع ما ليس له أو منكر حقاً عليه وهذا دليل على تحريم الخصومة في باطل)، ولا شك إن من أهم حقوق الإنسان وأولاها بالرعاية حق التقاضي، وقد أجمع العلماء والمفكرون والمسلمون على مشروعية القضاء لإقامة العدل والمساواة بين الناس.
السنة الهجرية الجديدة
لم يبق على نهاية السنة الجارية سوى اليوم وغداً الخميس بعد ذلك تطل علينا السنة الهجرية الجديدة، ولعلنا نتذكر الهجرة النبوية العظيمة من مكة المكرمة للمدينة المنورة ونتذكر الدروس المستفادة من تلك الرحلة التاريخية وأهمها حسن التخطيط والحيطة والحذر واختيار القاعدة الأصلح للدعوة وحسن اختيار الرفيق، ولعلنا نتذكر أيضاً الهجرة من العادات والسلوكيات غير الحسنة إلى رحاب مكارم الأخلاق وعبادة الله على بصيرة وفي الحلقة القادمة (100) نكمل ما تبقى.