التجارة الإلكترونية في السعودية

التجارة الإلكترونية في السعودية
التجارة الإلكترونية في السعودية

التجارة هي مصدر الرزق وهي أساس المعيشة على مر العصور. بدأت التجارة منذ عصورها الأولى بالمقايضة أو المبادلة، أي بضاعة بأخرى ومن ثم تحولت إلى استخدام الأموال في الشراء والبيع بعد إيجاد الأوراق النقدية. تطور الحال كثيراً إلى ما بعد ذلك ولكن مازلنا نعيش عصر النقود الورقية ولم يتطور بنا الحال إلى أكثر من ذلك، وأقصد هنا النقود الإلكترونية.

تخيل عزيزي القارئ أنك في يوم ما زرت إحدى الدول التي ما زالت تعمل بالمقايضة في الشراء والبيع، مثلا صاع رز بنصف صاع شعير. فهل ستشعر بأن تلك الدولة متقدمة اقتصاديا وماليا، وهل تتوقع أنه من السهل العيش في هكذا دول ؟ جوابك سيكون لا بالطبع وستحمد الله كثيرا أنك لا تعيش في مثل تلك الدول.

الحال هو كذلك لمن يقوم بزيارة لإحدى الدول النامية قادما من الدول المتقدمة وخصوصاً عندما يرى أن التعاملات المالية اليدوية لا زالت سائدة مقارنة بالدول المتقدمة اقتصادياً التي لاتستخدم الأوراق النقدية. إن كنت لا تملك الأوراق النقدية أو ما يسمى بـ"الكاش" في الدول النامية فإنك لن تستطيع الشراء أبداً. ربما تستطيع الشراء من أماكن محدودة باستخدام النقود الإلكترونية وذلك باستخدام البطاقات الإلكترونية الممغنطة "ATM Card" من أماكن توفر خدمة نقاط البيع، ولكن هذا إن حالفك الحظ بوجودها لندرتها. لنفرض على سبيل المثال والأمثلة ستكون كثيرة هنا أنك في سفر إلى مدينة أخرى على خط بري وأردت التزود بالوقود وكنت لسوء الحظ تملك المال ولكن لاتملك الورق النقدي "الكاش"، فما الخيارات التي ستواجهك في تلك اللحظة؟ أترك الإجابة لكم.

تعريف التجارة الإلكترونية

هي التجارة القائمة على عرض وطلب السلع، وإتاحة الدفع إلكترونياً عن طريق أدوات وتطبيقات على الإنترنت تضمن للمشتري والبائع حقوقهم الكاملة، وتكون خاضعة للقوانين التجارية في تلك الدولة وتحت حمايتها.

ما أنواع التجارة الإلكترونية ؟

هناك خمسة أنواع شهيرة من التجارة الإلكترونية التي تصنف بالبيع والشراء مع اختلاف صنف البائعين والمشترين.

النوع الأول هو "B2B" وهو اختصار لـ "Business-to-Business" وهذا النوع يقتصر على التبادل التجاري للسلع أو الخدمات بين شركتين عبر الموقع التجاري لإحدى هاتين الشركتين أو عبر أحد المواقع الوسيطة بينهما التي توفر لإحدى الشركتين عرض منتجاتها لتقوم الأخرى بشرائها عبر تنظيم وقوانين تحفظ للشركتين حماية حقوقهما.

النوع الثاني وهو الأكثر شهرة "B2C" وهو اختصار لـ "Business-to-Consumer" ويقتصر هذا النوع على عمليات البيع التي تقدمها شركة ما إلى العملاء الذين غالبا مايكونون أفراداً وتكون هذه الخدمة عبر الموقع الرسمي للشركة الذي يقدم من خلاله العروض الخاصة لتلك الشركة أو عبر المواقع التي توفر خدمة العرض والطلب مثل الموقع الشهير Amazon.com الذي تتم فيه آلاف عمليات الشراء والبيع اليومية.

النوع الثالث من أنواع التجارة الإلكترونية هو "B2E" وهو اختصار لكلمة "Business-to-Employee" وهذا النوع من التجارة يستهدف الموظفين بشكل عام كتقديم عروض خاصة على التأمين الصحي في الوظائف الخطرة أو عن طريق تقديم قروض مالية عن طريق البنوك.

النوع الرابع هو "B2G" وهو اختصار لـ "Business-to-Government" وهذا النوع من التجارة يختص بالتجارة بين الشركات والجهات أو القطاعات الحكومية مثل التوريد أو الصيانة أو الخدمات أو العقود ويتم إما عن طريق اتفاقيات أو عن طريق طرح للمناقصة إلكترونيا عبر مواقع الجهات الحكومية لتبدأ الشركات في إرسال عروضها.

النوع الخامس والأخير من أنواع التجارة الإلكترونية الذي لا يوجد بشكل رسمي في الدول النامية هو "C2C" وهو اختصار لـ "Consumer-to-Consumer" ويختص هذا النوع بالتجارة القائمة بين الأفراد بعيداً عن الشركات حيث إن الأفراد في هذا النوع هم من يقومون بالبيع والشراء عبر وسائل أو مواقع توفر لهم خدمة العرض والطلب مثل الموقع الشهير ebay.com الذي يمكن الأفراد من عرض بضائعهم على أفراد آخرين ليتم التبادل التجاري.

فوائد التجارة الإلكترونية

بداية سأبدأ بتحرير بعض الفوائد التي ستكون من نصيب الشركات التجارية ومن ثم سأتطرق للفوائد الخاصة بالأفراد الناتجة من جراء تطبيق التجارة الإلكترونية.

الشركات التجارية: بالنسبة للشركات التجارية فإن التجارة الإلكترونية توفر إمكانية تنظيم الشراء والبيع عبر بوابات متخصصة للسلع حيث يمكن أن تعرض تلك السلع على العملاء إلكترونياً دون الحاجة لاستقبال جميع العملاء في المتاجر وخدمتهم، ما يترتب على ذلك عدم الحاجة لاستقدام عمالة جديدة لتقوم بهكذا أعمال.

كذلك يمكن للشركات التجارية عرض جديد منتجاتها عبر مواقعها الخاصة دون الحاجة إلى إهدار ملايين الريالات على استئجار المتاجر والإعلانات لجذب العملاء من جديد لزيارة المتجر أو المعرض.

وكذلك أيضا، سيكون هناك تقليص لعدد المتاجر والمعارض المفتوحة التي ستكون فوق الحاجة حيث سيتمكن العميل من الشراء إلكترونيا عبر موقع الشركة ما سيترتب على ذلك خفض تكاليف تشغيل تلك المتاجر الإضافية ودفع الأجور للمشغلين وبالتالي سيؤدي إلى تخفيض التكاليف ومن ثم زيادة الأرباح.

يمكن تحسين الصورة الذهنية للعميل عن الشركة عن طريق تقديم الخدمات المميزة عبر الموقع الرسمي للشركة دون الحاجة لتطبيق بروتوكولات رسمية عديدة على جميع الفروع، حيث ستكون الصورة موحدة تماماً عن الشركة دون تفضيل متجر على آخر.

انخفاض التكاليف ستؤدي إلى نتيجة إيجابية وذلك بخفض الهامش الربحي على أسعار السلع والخدمات حيث سيؤدي ذلك التخفيض إلى دخول شريحة جديدة من العملاء كانوا في السابق غير قادرين على الشراء بسبب ارتفاع التكاليف.

إضافة إلى تلك الخصائص، ستصبح الشركة قادرة على البيع خلال 24 ساعة في اليوم و 7 أيام في الأسبوع عبر موقعها الإلكتروني دون الحاجة إلى دفع أجور إضافية للعاملين، وكذلك ستصبح الشركة عبر موقعها الإلكتروني قادرة على جلب عدد إضافي من العملاء سواء من مدن أخرى داخل نطاق الدولة، أو ربما من دول أخرى مجاورة، ما سيؤدي إلى زيادة الطلب وبالتالي ارتفاع الأرباح والمشاركة في ارتفاع الناتج المحلي الوطني والمشاركة في إنماء الاقتصاد الوطني.

الأفراد : هناك الكثير من العوائد المتحصلة للأفراد من تطبيق التجارة الإلكترونية. فإضافة إلى ما ذكر سابقاً عن انخفاض الأسعار واستعراض جديد البضائع إلكترونياً عبر الإنترنت والشراء إلكترونياً، سيكون الفرد أكثر قدرة على توفير الوقت من خلال التسوق الإلكتروني بدلاً من الذهاب إلى المعارض والمتاجر لاستعراض المنتجات الجديدة وكذلك سيوفر الفرد تكلفة الذهاب والإياب إضافة إلى التوفير المترتب من استخدام التجارة الإلكترونية الذي بدوره سيقلل من قيمة البضائع التجارية. كذلك من الفوائد الإضافية، سيتمكن البائعون المتجولون من بيع بضائعهم عن طريق مواقع توفر لهم خدمة العرض مثل موقع ebay.com السابق ذكره، وبالتالي الحصول على نسبة عرض أكبر. التجارة الإلكترونية في الدول النامية ستكون أداة تنظيم للأفراد وتقليل لانتشار البائعين المتجولين في الأماكن والأسواق عشوائيا.

التحديات والمعوقات لتطبيق التجارة الإلكترونية

هناك عدة أسباب تعيق نشوء سوق التجارة الإلكترونية منها ما يندرج تحت الأنظمة، ومنها ما يندرج تحت البنى التحتية، حيث سأتطرق لبعض تلك تحديات التجارة الإلكترونية والمعوقات التي تؤخر عملية التجارة الإلكترونية في المملكة العربية السعودية :

البريد : البنية التحتية للبريد السعودي للأسف لا تؤهل للوصول إلى مرحلة التجارة الإلكترونية ليس بسبب عدم الدقة في التوصيل، أو بسبب عدم القدرة على متابعة الطرود، بل بسبب أنه ليس هناك ضمان كافي لوصول الطرد لصندوق البريد في الوقت المحدد أو ربما لن يكون هناك وصول كامل، وبذلك سيكون هناك مال مهدر بسبب قيمة المشتروات غير المستلمة ما سيؤدي إلى عدم ثقة المستخدمين وبالتالي تعطيل دور التجارة الإلكترونية. البريد كما هو معروف في دول العالم بالبريد المنزلي يمنح لكل ساكن "مجانا" حيث يكون لكل ساكن عنوان بريدي خاص به يستقبل عليه ويرسل عن طريقه الرسائل دون الحاجة للذهاب إلى مكاتب البريد. أما لدينا فهناك تعطيل كامل لدور صندوق البريد المنزلي وأضف إلى ذلك الرسوم العالية التي تثقل كاهل المشترك مما يؤدي إلى صرف النظر عن الاشتراك في هذة الخدمة.

البنوك : طريقة الدفع هي أحد أهم أدوات التجارة الإلكترونية وغالبا ماتكون عن طريق البطاقات الائتمانية أو الشيكات الإلكترونية. نعم نملك البطاقات الائتمانية ولكن لا نملك الشيكات الإلكترونية ولكن لا بأس، فمصدر واحد أفضل من لا شيء. هناك رسوم للبطاقات الائتمانية أضف إلى ذلك رسوم الخدمة والفوائد وغيرها من الرسوم الأخرى. كثرة الرسوم هي السبب الرئيس لعدم امتلاك الأفراد تلك الأداة للدفع. لم ننته بعد، أضف إلى ما تم ذكره حماية المستخدم في حال تعرضه للسرقة عبر قراصنة الإنترنت، فالبنوك لدينا ستغمض أعينها وستطلب منك إنشاء طلب تظلم واعتراض والنتيجة في أغلب الأحيان ستكون الإهمال إن لم تقوم بمتابعة الطلب دورياً. بالنسبة للدول المتقدمة ماليا، فإن بطاقة الصراف "ATM card" يمكن تفعيلها لاستخدامها في الشراء الإلكتروني عبر مواقع الإنترنت وبدون رسوم وفي حال وجود أي عمليات مشبوهه على الحساب، يعاد المبلغ خلال 24 ساعة من إصدار طلب الاسترجاع ومن ثم يتم البت في موضوع المشكلة وليس العكس.

الإنترنت : العامل الأساسي لتفعيل التجارة الإلكترونية هو وجود الإنترنت، فبدون وجود اتصال على الإنترنت لا يمكن أن نقوم بعملية الشراء والتسوق الإلكتروني أو طلب المنتجات إلكترونياً. بغض النظر هنا عن أسعار الإنترنت الشاهقة الارتفاع وكذلك تعطل الخدمة لأيام بدون سبب أو كذلك بطء الخدمة فنحن سنغض الطرف عن ذلك لأننا اعتدنا على تلك الخدمات السيئة، نحن هنا ننظر إلى ماهو أهم من ذلك وهو عدم تغطية بعض الأحياء أو بعض المدن بخدمة الإنترنت حتى الآن التي لن يتمكن قاطنيها من استخدام تلك الخدمة للمشاركة في تفعيل دور التجارة الإلكترونية وإثراء صفحاتها بالمنتجات المعروضة أو الطلبات، فهولاء محسوبون ضمن الشريحة التي يمكن أن تنمي الاقتصاد وتزيد من حركته لأننا لايمكن أن نتجاهل أحداً يعيش في وسط مجتمعنا، حيث إن الأمر مربوط بالمشاركة الجماعية متضمنة جميع المواطنين والمقيمين.

شركات التوصيل : عند شراء بضاعة معينة عن طريق أحد المواقع الإلكترونية فإن التوصيل سيكون هو أهم متطلب وخصوصا لو كان الطلب مستعجلا والمشتري يريد الاستلام خلال أيام معدودة. توفر خيارات التوصيل هو أمر مهم عند شراء أي منتج عبر مواقع الإنترنت. شركات التوصيل العالمية مثل DHL و FedEx المتواجدة في المملكة العربية السعودية معطلة من ناحية التوصيل، فلا نرى سيارات التوصيل التابعة لها كما نراها في الخارج. النظام لدينا هو أن تأتي وتستلم بضاعتك بنفسك في الفرع التابع لهم. فلماذا الغلبة إذا ؟ في حال كان الأمر كذلك، فإن العميل سيوفر على نفسه الذهاب للبريد وسيذهب للمتجر الذي يود الشراء منه حاجياته مباشرة فلربما اختصر وقت التوصيل وبعض المصاريف الخاصة بالتوصيل أو ربما حفظ مشترياته من الضياع.

القوانين وحماية المستهلك : عندما تتكامل عناصر التجارة الإلكترونية مع بعضها البعض لخدمة المستهلك فإن تلك الخدمة بالطبع ستنال استحسان ذلك المستهلك وسيتوجه لها عند حاجته للشراء أو البيع. ولكن عندما تبدأ تلك الخدمات في التدني والاستغلال فإن المستهلك سيبحث عمن يسترد له حقه، وهي من مخاطر التجارة الإلكترونية المحتملة، ولذلك يجب أن تسن تشريعات خاصة للتعاملات المالية عبر الإنترنت تكفل للمستهلكين حقوقهم كاملة وتفرض الغرامات على المتسببين والمخالفين وأن تكون ذو طابع حاد وصارم حتى لا تتكرر الحوداث دوريا، وبذلك ستؤدي كل جهة مسؤوليتها كاملة خوفا من إيقاع العقوبات عليها وفي النهاية سنجد خدمة خالية من الشوائب.

خاتمة : تفعيل تلك الأدوار كما يجب سيصب في مصلحة الوطن اقتصاديا وكذلك في مصلحة الشركات وأصحاب التجارة وكذلك الأفراد. العمل التعاوني بين قطاعات الخدمات سيثمر بما يسمى بالتجارة الإلكترونية التي ستجلب حسناتها إلى السوق السعودية وبهذا سيكون هناك تنظيم أكثر للأسواق الإلكترونية التي ستدر عائدا هائلا من الأموال. ولكن سؤال المليون هو: أين المستثمر من ذلك ؟

سمات

الأكثر قراءة