استحقاقات جادة لليوم الوطني
الوطن اسم جميل له وقع كبير في النفس، يدغدغ مشاعرنا بإحساس قوي ورائع، ويشعرنا تلقائياً بانتماء عميق وفريد بعد الانتماء للعقيدة السمحة.. هذه حقيقة نعيشها واقعاً، وكلنا نتعرض لاختبار طوعي أو قسري لصدق هذا الانتماء، ونمارسه بدرجات متفاوتة.
جرّب أن تبتعد عن الوطن، وكثير منا فعل ذلك حيث تعددت الأسباب والإحساس واحد، كم تشعر من الحنين للوطن .. وإذا سمعت إساءة لوطنك كم تكون غيرتك وغضبتك أيضاً .. وإذا زرت كل الدنيا وإن كانت قطعة من جنان الأرض التي خلقها الله، كم يتملكك الإحساس بالغربة والشعور بالحنين، وقد تغلبك دموعك على فراق الوطن والأحبة وتتمنى العودة إليه وإن طال البعاد والسفر.
بالطبع كل منا ارتبط بمكان ما (منزل - شارع - حي - مدينة) وإذا غيّر المكان وانتقل إلى آخر فإنه لا يغيّر ذاكرته ولا ذكرياته وإن تغيرت بوصلتها، وكل منا يرتبط بالزمان وله معه ألف حكاية وحكاية في طفولته وشبابه وشيخوخته، فمن منا يُسقط هذا الزمان من حياته ومن خيالاته؟ هذا عن الزمان والمكان في حياتنا المحدودة، أما الوطن فهو أشمل وأعمق لأنه ببساطة كل ذلك وأكثر.. إنه الهوية التي نفخر بها والحضن الدافئ لنا وللأبناء والأحفاد .. إنه الأمان والعطاء، بل هو معنى الحياة.
والمملكة العربية السعودية وطن له خصوصية عالية مع كل تلك المفردات، ويتوقف التاريخ عندها طويلاً ليسجل صفحات مضيئة عن صدق وعزيمة وبطولات التأسيس التي أرست من الدعامات الراسخة ما حقق - ولله الحمد - الأمان والاستقرار وقوة الدفع الذاتي الغنية بمقومات الاستقرار والبناء على مدى مراحل التطور، وصولاً إلى حاضر المملكة وما تعيشه من نهضة تنموية نوعية شاملة للوطن والمواطن.
لذلك اسمحوا لي أن أقرأ اليوم الوطني قراءة مختلفة من زوايا تحرّض على السؤال: ماذا يستحق منا الوطن؟ وليس السؤال المقلوب في زحام الحياة المعاصرة: ماذا نريد من الوطن؟
لنتذكر دائما الحقيقة الواضحة أن من لا يعطي ولا يقدم لا يأخذ، بل ربما لا يجد ما يناله أبداً، أما من يعطي ويغرس ويبني ويشيّد، لا بد أن يحصد ويجني ثمار كد يده وعطائه ويأمن في حياته الشخصية والعامة ويضيف بصمة للوطن، وهذا هو سر خصوصية الانتماء .. ولنقرأ التاريخ ونتدبره، ونتفحص الحاضر ونصنعه، ونستقرئ المستقبل ونعمل من أجله بصدق وعزيمة كما صنع الملك عبد العزيز - طيب الله ثراه - حاضر الوطن آنذاك بانطلاقة قوية ترتكز على الإيمان الراسخ والعزيمة الأكيدة والتضحيات الجسام، ليكون المستقبل المشرق الذي هو حاضر اليوم، لذا أقول في نقاط سريعة:
- الملك عبد العزيز جاهد لتوحيد البلاد وتأسيس الوطن على هدي الشريعة السمحة دستوراً ومنهاجاً وشريعة حياة، وأكد الهوية العربية ليقدم - رحمه الله - لوطنه وأمته كياناً فتياً طموحاً، وسيظل بإذن الله نموذجاً لأنصع معاني الوحدة وأكثرها رسوخاً في ضمير ووجدان وانتماء أبنائه، وهذا في حد ذاته يفرض استحقاقاً جاداً من كل مواطن أن يحفظ هذه النعمة ويعي خطورة مآرب المتربصين من إرهاب غادر أو أعداء حاقدين.
- التعليم بدأ بمحو أمية القراءة والكتابة، واليوم تشهد المملكة نهضة وثابة يقودها خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز - حفظه الله - بحكمة بالغة وإيمان راسخ وشكر دائم لله عز وجل.. هذه النهضة تحتاج اليوم إلى التعليم الذكي القادر على التفاعل مع معطيات الحاضر وتطوراته التقنية واستشراف لغة المستقبل وآفاقه الهائلة في عصر الفضاء المفتوح. وها هو الغرس العظيم يتوالى الواحد تلو الآخر: مدينة الملك عبد الله الاقتصادية، وجامعة الملك عبد الله بن عبد العزيز للعلوم والتقنية وهي جامعة عالمية كما أراد لها مؤسسها - حفظه الله - هذه الروافد الخيرة لبناء العقل السعودي تمتلك معطيات جادة في ضوء وثيقة الملك عبد الله بن عبد العزيز لإصلاح التعليم، وبهذا يؤكد أن الشعار الأهم للمرحلة ومفتاح الغد هو: التعليم ثم التعليم ثم التعليم.
- الشباب: هم الثروة الأهم للوطن .. لهم حقوق أصيلة في التعليم وفرص العمل المنتجة المبدعة بالعقول والسواعد، وعليهم واجبات في إثبات استحقاق الانتماء.
- الأخلاق: وفي هذا تقدم المملكة العربية السعودية نموذجاً تستحقه بجوهر هويتها وحجم مكانتها ونصاعة صورتها وتفاصيل الحياة فيها أمناً وأماناً ومناخاً أخلاقياً سليماً.. ألا ندعمه بأخلاقيات العمل وأخلاقيات التربية والتعليم من الجميع أسرة وتعليماً وفكراً واعياً وحواراً بناء لتظل هذه الصورة الرائعة على إشراقتها التي يحترمها العالم.
كل عام والمملكة بألف خير ونماء وأمان واحتفاء متجدد بيومها الوطني، وهنيئاً للجميع بهذه المناسبة العظيمة لتتواصل المسيرة الطموحة في ظل القيادة الرشيدة وفقها الله.