آثار إعلان بكين دولة متقدمة

في 23 سيبتمبر الجاري أعلن لي شيانغ رئيس وزراء الصين في نيويورك أن بكين ستتوقف عن المطالبة بامتيازات الدول النامية في منظمة التجارة العالمية، وذلك بعد محاولات أمريكية حثيثة بدأت منذ زمن الرئيس باراك أوباما. واشتدت المطالبة وبشكل قوي في فترتي الرئاسة الماضية والحالية للرئيس الأمريكي ترمب، فهل يا ترى الخطوة الصينية أتت تلبية للضغوطات الأمريكية ولأ جل خطب الود أم أن لها مآرب أخرى وما تأثير ذلك في الاقتصاد العالمي؟
يرى البعض أن خطوة بكين أتت لخطب الود الأمريكي بعد تصاعد الصراع بين القطبين، وأن بكين محتاجة لذلك لعدم رغبتها بوضع عراقيل أمام مشروعها التوسعي في أمريكا اللاتينية وعديد من دول العالم، وأنها بذلك توصد الباب الرئيسي الذي تستدل به واشنطن على الميزان الاستثماري الصيني غير العادل، إذ كيف لثاني اقتصاديات العالم أن يعطى مزايا الدول النامية، وهو الذي يشكل الثقل الاقتصادي الهائل.
وبوصد هذا الباب -كما يراه البعض- فإن بكين قد نجحت بشراء الود الأمريكي، ما سيسهل عليها النفاذ لأمريكا اللاتينة بل وكافة دول العالم بما فيها الولايات المتحدة الأمريكية نفسها.
وقد يكون لهذا الرأي حظ من النظر، إلا أني قد أميل إلى أن ذلك ليس هو السبب الرئيسي والفعلي لاتخاذ هذه الخطوة الهائلة من الصين، فالصين بهذه الخطوة قد فقدت امتيازات كانت ممنوحة للدول النامية تجعلها قد تتأثر من ناحية رخص الأيدي العاملة، وفي التبادل التجاري الحر، وفي نقل التكنلوجيا، ولا ننس التأثير بالمعاملة بالمثل في مواجهة الدول المتقدمة وعلى رأسها أمريكا.
من هنا فإن من المترجح لدي هو رغبة بكين الجامحة إلى الانتقال إلى الفصل الأخير من مشروعها وهو كشف النقاب عن قوتها الاقتصادية وأنها تتخطى الدول المتقدمة في عدة استثمارات ومجالات اقتصادية وصناعية، خصوصاً في المجال التكنولجي واللوجستي.
فإن اللعب كلاعب رئيسي وليس نامي سيمكن الصين من تمرير قرارات داخل منظمة التجارة العالمية لم تكن تستطيع تمريرها بل قد نرى منظمة تجارة عالمية بوجه جديد ومختلف تماماً بسبب هذا القرار.
كما أن الدخول إلى دول العالم عبر ارتفاع قيمة اليوان الصيني تعطي الثقة في التكنولوجيا الصينية والاستشاريين الصينيين التي ما زالت بكين تواصل الحملات الدعائية فيها لإقناع دول العالم وسحب البساط من عديد من دول العالم المتقدم.
هذه الخطوة وإن كان في ظاهرها خطب ود أمريكا إلا أن حقيقتها هو الثقة الصينية بتغيير وجهة نظر العالم باليوان الصيني والتقنية والصناعة الصينية. من هنا فإن توقعي أن الأيام المقبلة ستشهد إضطرابات في الأسواق المالية وأسواق الذهب، الذي لا ننس شهية بكين المفتوحة له خلال السنتين الماضيتين ما جعلها من أكبر ممتلكي احتياطيات العالم للذهب، هذه الاضطرابات قد تسهم في انتعاش أسواق الأسهم والبورصات العالمية، إلا أنها كذلك قد ترفع قيمة السلع الاستهلاكية على المدى القصير.
إلا أن خطة الصين إن حالفها الحظ، فستعود الأسعار على ما هي عليه أو أقل لأجل أن التمدد الصيني سيكون أعلى بكثير، وستخرج المصانع الصينية إلى العالم لتصبح عابرة قارات وبمقرات إقليمية أخطبوطية، ستنخفض على إثرها تكاليف الأعمال اللوجستية وسلاسل الإمداد وستستخدم الصين تقنياتها والذكاء الاصطناعي وستدعم توطين الصناعات المحلية مع بقاء مركز الثقل الاقتصادي لديها.
هذا القرار من وجهة نظري هو بداية الانتقال الفعلي إلى عالم اقتصادي جديد، سيجعل قوة الشرق بشكل عام توازي أو تسيطر على قوة الغرب الاقتصادية.

مستشار قانون دولي وتجاري وGRC

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي