الجيل الجديد واقتصاد المعرفة
بمناسبة اليوم الوطني، تبرز ملحمة توحيد السعودية كمنبع لا ينضب للاستلهام، خاصة للأجيال الجديدة التي لم تعايش عناء التأسيس. فقصة الملك عبدالعزيز وهو يغادر الكويت برحلة محفوفة بالمخاطر استمرت 10 أيام لاسترداد الرياض، بينما تقطع اليوم بالسيارة في 10 ساعات أو بساعة بالطائرة، ليست مجرد حكاية تاريخية، بل هي رسالة قوية عن الإرادة التي لا تعرف المستحيل، والعزيمة التي تذلل الصعاب من أجل هدف سامٍ.
إنها تذكر الجيل الجديد بأن التحديات، مهما عظمت، يمكن أن تتحول إلى منجزات كبرى بإصرار القيادة وحكمة التخطيط.
إن ما يجب أن يستلهمه الشباب اليوم يتجاوز الفخر البطولي إلى استخلاص القيم الجوهرية التي قامت عليها الدولة. فذكريات جدي "عبدالله" عن أيام الحرب العالمية "الحالكة بالسواد"، حيث كان يوزع التمر بالحبات على المحتاجين في جزيرة تاروت، ليست مجرد لقطة إنسانية مؤثرة، بل هي تأصيل لقيمة التكافل الاجتماعي والمسؤولية تجاه المجتمع، التي يجب أن تظل ركيزة في مسيرة التنمية.
لقد وهبنا الله نعمة الأمن والاستقرار بعد طول تشتت، وعيش الجيل الحالي في رغد لم يتح لأجداده. وهذا يضع على عاتق الشباب مسؤولية تاريخية هي استكمال المسيرة، ولكن بأدوات العصر. فالأمل الذي أتطلع إليه هو نشر ثقافة حب العلم والعمل الجاد منذ الصغر، وتشجيع الأطفال على اكتساب المهارات بجدارة واستحقاق. يجب أن يكون شعارنا هو التأهيل للتنافسية في سوق عالمية، حيث المهارة والقدرة هما معيار الاستحقاق، وليس الجنسية وحدها.
فالشعبوية وثقافة استحقاق المواطن السعودي للوظيفة دون جهد هي نقيض لقيم التأسيس التي اعتمدت على الجدارة. وهنا يأتي دور الاستشراف المستقبلي، كما في تقرير الحكومة الفنلندية الذي يحدد سيناريوهات عالم 2045. الرسالة المحورية للتقرير – أن الإجراءات في السنوات القليلة المقبلة هي التي ستحدد المستقبل – هي نفسها الرسالة التي نستقيها من ملحمة التوحيد.
إن القرارات الحكيمة والأفعال الحازمة في لحظات التحول هي التي تصنع المصير. من خلال هذه السيناريوهات – سواء كان عالم التعاون الأمثل أو عالم عمالقة التكنولوجيا أو العالم المتصادم أو حتى المتداعي – ندرك أن المستقبل ليس مساراً واحداً حتمياً. الاستعداد له يتطلب من الجيل الجديد أن يكون متعاوناً عالمياً.
ما وحد الملك عبدالعزيز الكيانات المتفرقة، يجب أن نعمل على بناء جسور التعامل البناء مع العالم لحل المشكلات المشتركة، مبتكراً ومسيطراً على التكنولوجيا، تحويل التحديات إلى فرص، والاستفادة من التطور التقني لخدمة الإنسانيّة وليس العكس، مرناً وقادراً على مواجهة التحديات: الاستعداد للمنافسة والتعامل مع الأزمات كالمناخ وشح الموارد، بعقلية استباقية، مسؤولاً نحو البيئة والمجتمع، لتفادي السيناريو الأسوأ، وهذا ينبع من مسؤوليتنا كمسلمين وكسعوديين تجاه الأرض والبشر.
خلاصة القول، إن ملحمة اليوم الوطني تقدم للجيل الجديد خلاصة ثلاثية الأبعاد: إرادة الماضي، ومسؤولية الحاضر، واستشراف المستقبل. إنها تحثهم على أن يكونوا رواداً في اقتصاد المعرفة، ومنافسين أقوياء في السوق العالمية، وحماةً لقيمهم ووطنهم، حاملين روح التضحية والعزيمة نفسها التي أسست هذا الكيان العظيم، ولكن بأدوات القرن الحادي والعشرين. لأن الأوطان لا تحفظ إلا بالجدية التي بُنيت بها.
كاتب اقتصادي ورجل أعمال