الانتقال بين فئات الأصول والقطاعات
عاد مفهوم التدوير بين فئات الأصول إلى الساحة الاستثمارية حيث بدأ المستثمرون يتساءلون إلى أين نحن متجهون، وكيف ستتحرك الأموال بين الكاش والأسهم والصكوك والعقار والذهب والعملات وغيرها، وكيف ستتحرك أسعار الأسهم في القطاعات المختلفة، ما يعرف بتبادل الأدوار بين القطاعات.
هذه التساؤلات دائماً موجودة، إلا أنها بدأت تأخذ أهمية بالغة بعد الأحداث الأخيرة، من خفض معدلات الفائدة وبعض التطورات الكبيرة على صعيد الساحة الاقتصادية السعودية.
هذه المقالة تتسق مع المقالات الأخيرة في الأسابيع الماضية بعناوين "هل انتهت مرحلة التضخم" و"توقيت الدخول إلى الأسهم السعودية" وغيرها.
نبدأ أولاً بملاحظة أنه في أسبوع واحد فقط خرجت سيولة ضخمة من أدوات النقد قصير الأجل نحو فئات أخرى، منها 28 مليار دولار دخلت أسواق الأسهم، و23 ملياراً ذهبت إلى السندات، وأكثر من ملياري دولار إلى صناديق الذهب، وهذه الأرقام تكشف بوضوح أن المستثمرين بدأوا يبتعدون عن الاحتفاظ بالنقد ويحاولون توزيع محافظهم بما يتناسب مع المرحلة الجديدة من دورة الفائدة.
هل لا يزال "الكاش ملك" في المرحلة المقبلة؟
خلال فترة الفائدة المرتفعة 2022 – 2024 كان الاحتفاظ بالنقد أو الودائع البنكية يمنح عائداً مغرياً وبدون مخاطرة، ما دفع الكثير من المستثمرين لتفضيله على غيره، وربما هذا أحد أهم أسباب تراجع سوق الأسهم السعودية في الفترات الماضية، فكيف يمكن مقاومة عوائد 6-8% بدون مخاطرة؟
ولكن مع تنامي احتمالية خفض الفائدة للسنوات المقبلة، أصبح الاحتفاظ بالنقد أقل جدوى، ومع ارتباط السياسة النقدية السعودية بقرارات الفيدرالي الأمريكي، ستتراجع عوائد الودائع بالريال وعوائد الصكوك والسندات الجديدة.
وقد شهدت السندات العالمية أسوأ موجة هبوط منذ عقود بسبب رفع الفائدة، لكن مع الاستقرار الأخير بدأ المستثمرون يتجهون نحو سندات الدرجة الاستثمارية، أي ذات التصنيف العالي مثل السندات الحكومية والشركات الكبرى مثل أرامكو أو الصكوك السيادية السعودية لكونها أكثر أماناً وأعلى سيولة ومرشحة أسعارها للارتفاع، فيصيد المستثمر عصفورين بحجر واحد: يحصل على توزيعات دورية أعلى من المتاح ويحقق ربح رأسمالي نتيجة ارتفاع أسعار السندات مع كل انخفاض في أسعار الفائدة.
كيف نختار الأسهم حسب قطاعات السوق؟
تستفيد سوق الأسهم من خفض أسعار الفائدة، هذا أمر معروف وبديهي ولكن تختلف الشركات في مدى استفادتها من ذلك وفي سرعة تجاوبها مع ذلك.
فعادة تأتي القطاعات الدفاعية في المقدمة، وهي أسهم شركات المرافق العامة والرعاية الصحية والسلع الاستهلاكية الأساسية، وهي موجودة في السوق السعودية، والسبب أن هذه الشركات تتمتع بطلب ثابت حتى مع تباطؤ النمو، وانخفاض الفائدة يخفض تكاليف ديونها، كونها تعتمد على الاقتراض في مشاريعها، ويجعل توزيعاتها النقدية أكثر جاذبية مقارنة بالعوائد المتراجعة على السندات، وبالفعل لاحظنا ميلاً نحو الأسهم الدفاعية بعد الخفض الأخير.
وعلى الرغم من عدم وجود قطاع مرافق متكامل مثل السوق الأمريكية، إلا أن شركات الاتصالات وأسهم التوزيعات الكبرى (مثل أرامكو والبنوك) تقوم بدور مشابه.
أما العقار فمن المفترض أن يستفيد من تراجع الفائدة نتيجة انخفاض تكلفة التمويل العقاري.
كن في السعودية هناك تطورات تشريعية مؤثرة لن يعرف صافي تأثيرها إلا بعد فترة من الوقت، مثل تجميد الإيجارات لخمس سنوات، وهي الخطوة المهمة والمفيدة للمستهلك، وفتح باب التملك للأجانب في مناطق محددة بدءاً من 2026.
في آخر تقارير مجموعة "شواب" العالمية نجد أنه من المتوقع لجميع قطاعات مؤشر S&P500، البالغ عددها 11 قطاعاً، أن يكون أداؤها مشابه لأداء السوق، أي أن خبراء "شواب" لا يرون فارق في الأداء بين هذه القطاعات لمدة عام من الآن. ما يعني أن سياسة تبادل الأدوار بين القطاعات قد لا تكون مؤثرة أو فعّالة في المرحلة القادمة.
لذا، فالرهان المهم حالياً هو على التدوير بين فئات الأصول أكثر من كونه بين القطاعات، أي يجب التركيز على حركة الأموال بين فئات الأصول من النقد والسندات والأسهم والذهب والعقار وغيرها.
كيف يتم الانتقال بين فئات الأصول؟
التدوير بين فئات الأصول هو السمة الأبرز للمرحلة الحالية، وهو أكثر وضوحاً من التدوير بين القطاعات، فالأموال تتحرك من النقد إلى السندات والأسهم والمعادن الثمينة، بينما تظل العقارات والعملات الرقمية حالات خاصة مرتبطة بالبيئات المحلية والتنظيمية، فنجد في السعودية صدى واضحاً لهذه الحركة في استقرار سوق الصكوك وميلها للصعود، وفي صعود أسهم البنوك والاتصالات، ما يعني أن علينا معرفة موقعنا في دورة التدوير العالمية.
مع إدراك أن البيئة السعودية، قد تعكس هذه الدورة أو تُعدلها بما يتلاءم مع أولوياتها وسياساتها.
الذهب والفضة عادا إلى الواجهة مع بداية دورة الفائدة المنخفضة المتوقعة، كملاذ يحمي من تراجع العملات أو تصاعد المخاطر الجيوسياسية، حيث نجد التدفقات إلى صناديق الذهب تسجل أقوى مستوياتها منذ أشهر.
أما العملات الرقمية فتسلك مساراً مختلفاً، فهي أصول عالية المخاطر تتحرك مع السيولة العالمية وارتفاع الثقة وانخفاضها في العملات الورقية، ومع عودة التيسير الكمي ارتفعت بيتكوين وإيثريوم مجدداً.
رغم القناعة العامة بأن التدوير نحو الأصول ذات المخاطر قد بدأ بالفعل، إلا أن المستثمرين المحترفين لا يتركون أنفسهم عرضة لمخاطر الاتجاه الواحد، التي تكلمنا عنها عدة مرات.
وذكرنا أن المستثمر الحذق يعمل بأساليب التحوط أو الدخول إلى الأسواق في التوقيت الصحيح، وذكرنا طرق تحديد الوقت الصحيح هذا، وطرق التدرج في الدخول إلى الأسواق.
مع ذلك، هناك فروقات بين السوق السعودية والسوق الأمريكية فيما يخص التدوير القطاعي والتدوير بين الأصول، فالتدوير القطاعي لا يزال محدوداً وغالباً يرتبط بأخبار تنظيمية أو قرارات استثنائية مثل رفع سقف ملكية الأجانب أو إدراج شركات جديدة.
بينما التدوير بين الأصول أصبح واضحا مع تحركات المستثمرين من الودائع نحو الصكوك وأسهم التوزيعات، ومن ثم إلى الذهب كملاذ تقليدي، هذا يعني أن المستثمر الفرد في السعودية قد لا يجد فرصاً واضحة في التنقل بين القطاعات، لكنه قد يستفيد أكثر من قراءة المشهد الكلي لتوزيع الأصول وفهم توقيت الانتقال بين النقد والدخل الثابت والأسهم والذهب.
مختص بالأسواق المالية والاقتصاد