مدى تأثر دول الخليج بالأزمة المالية

صادف الأسبوع الماضي مرور الذكرى الأولى لانهيار مؤسسة ليمان براذرز الأمريكية والمتخصصة في مجال الخدمات المالية معبرة عن عمق الأزمة المالية العالمية التي انطلقت من الولايات المتحدة في صيف 2008. وقد أصابت الأزمة المالية دول مجلس التعاون الخليجي في الصميم، حيث تحولت إلى أزمة اقتصادية فعلية شملت النفط وأسواق المال والعقار. يناقش المقال مدى تغلغل الأزمة العالمية في اقتصادات دول مجلس التعاون الست.

القطاع النفطي
من جملة الأمور، تسببت الأزمة في تراجع أسعار النفط بشكل نوعي من 147 دولارا للبرميل في حزيران (يونيو) 2008 إلى أقل من 40 دولارا للبرميل في نهاية السنة بسبب تدني الطلب نظرا لتراجع الثقة بالاقتصاد العالمي. بيد أنه تحسنت الأسعار في 2009 وعليه تراوح في حدود 70 دولارا للبرميل أي أقل بكثير عن تلك السائدة في النصف الأول من 2008. شكل تراجع أسعار النفط تهديدا فعليا للرفاهية الاقتصادية لدول المجلس، حيث يسهم دخل القطاع النفطي بنحو ثلاثة أرباع إيرادات الخزانة العامة في المتوسط. لا شك أنه لا يمكن توفير البديل بسهولة في الظروف العادية فضلا عن هذه الظروف الاستثنائية، حيث مشكلة عدم الثقة.
الحديث عن البديل يعني السحب من الاحتياطي العام أو الاقتراض. فخيار استخدام الاحتياطي العام ليس بالأمر السهل لأن الأمر قد يضر أمورا مثل ضمان توافر مبالغ كافية لتغطية الإيرادات والنقد وبالتالي الملاءة المالية للحكومات. أما خيار الاقتراض فرغم توافره لكن له سلبياته حيث المطلوب الحصول على تسهيلات مباشرة من المصارف في ظل تضاؤل فرضية استصدار سندات بسبب مشكلة تصدع الثقة. كما يشكل اقتراض القطاع العام مزاحمة للأفراد والقطاع الخاص، الأمر الذي يضر بشروط وتكلفة التسهيلات. يشار إلى أن دبي ذهبت لخيار الاقتراض حيث رتبت مجموعة سيتي جروب تسهيلات مصرفية فاقت ثمانية مليارات دولار لتمويل احتياجات عدة جهات رسمية في الإمارة. وعليه ارتفع حجم الديون المرتبة على حكومة دبي والمؤسسات التابعة لها إلى نحو 80 مليار دولار أي 160 في المائة من حجم الناتج المحلي للإمارة. كما قررت دبي إصدار سندات بقيمة 20 مليار دولار بدعم من الحكومة المركزية في أبو ظبي.

أسواق المال
إضافة إلى ذلك، تسببت الأزمة في الضغط على قيمة الدولار نظرا لمعايشة الاقتصاد الأمريكي ظروفا غير عادية تشمل تصدع الثقة والبطالة. المعروف بأن النفط مسعر بالدولار الأمريكي، وما يعني عمليا خسارة لجانب من القيمة الفعلية لإيرادات الخزانة العامة كلما حدث تراجع لقيمة العملة الأمريكية.
من جهة أخرى، شهدت البورصات الخليجية تراجعات فاقت 50 في المائة لبعض المؤشرات أي أكثر من الأضرار التي لحقت بأسواق المال في العالم الغربي نظرا لتصدع الثقة لدى المستثمرين ورغبتهم في التخلص من الأصول التي بحوزتهم. لا يمكن وضع رقم محدد للخسائر المالية التي لحقت بالمستثمرين بسبب نقص الشفافية الكاملة لكنها في كل الأحوال أموال ضخمة تقدر بمئات الملايين من الدولارات. وقد رفضت غالبية الحكومات الخليجية التدخل لإنقاذ الأسواق ربما بسبب ضخامة حجم الأموال المطلوبة أو كسياسة اقتصادية. بيد أنه انفردت الكويت بتكليف الهيئة العامة للاستثمار بإنشاء محفظة استثمارية طويلة الأجل تفوق قيمتها خمسة مليارات دولار للاستثمار في سوق الكويت للأوراق المالية وفق أسس استثمارية موضوعية تسهم دعم دعائم استقرار السوق واحتواء التداعيات السلبية على القطاعات الاقتصادية المختلفة.

صدمة العقار
كما أدت الأزمة إلى تقييد حركة شراء وبيع العقارات نظرا لرغبة المستثمرين في الاحتفاظ بالسيولة وتخوف المصارف من منح القروض العقارية فضلا عن عدم استعداد الملاك لبيع العقارات التي بحوزتهم في محاولة لإبقاء الأسعار على ما هي. بيد أنه حدث تراجع لأسعار العقارات في بعض الأماكن بالنسبة للمرتبطين بالتزامات مالية الأمر الذي استدعى عرضها بأسعار منخفضة حتى يتسنى بيعها. وجاء في تقرير حديث أن أسعار المنازل في دبي تراجعت بنسبة 47 في المائة "الإماراتية" خلال الربع الثاني من 2008 والفترة نفسها من 2009. كما تراجعت المبيعات العقارية في الكويت بنسبة 38 في المائة خلال عام حتى تموز (يوليو) 2008. من دون سابق إنذار فقد القطاع العقاري بريقه وحيويته.
أخيرا وليس آخرا، تسببت الأزمة في الضغط على النفقات العامة للمشاريع التنموية، حيث قررت الإمارات تعليق أو إلغاء لأكثر من 400 مشروع تتجاوز قيمتها نحو 300 مليار دولار. كما قررت الكويت مراجعة تنفيذ جانب من المصروفات المتعلقة بالخطة الخمسية التي بدأت في نيسان (أبريل) 2009. تسهم مصروفات الدولة بأكثر من ثلث الناتج المحلي الإجمالي في المتوسط بدول مجلس التعاون وبالتالي هناك علاقة مباشرة بين النفقات الحكومية والنمو الاقتصادي. ختاما نتمنى صدور دراسات وأبحاث توضح الأسباب الفعلية وراء تأثر اقتصادات دول مجلس التعاون بشكل غير عادي بالأزمة العالمية رغم انطلاقها في العالم الغربي.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي