تعاهد سعودي-باكستاني مشترك.. لتعزيز الازدهار العالمي
يمرّ العالم اليوم بتحوّلات سريعة وتبدّل في موازين القوى، ما يجعل تنويع أساليب التعامل مع هذه المتغيّرات ضرورة لا خياراً. وفي هذا المشهد المتقلب يبرز تعزيز الأمن كأحد أبرز الملفات التي تشهد تحوّلاً جذرياً؛ إذ لم يعد مجرد استجابة ظرفية للمخاطر، بل غدا قاعدة لأي مشروع تنموي طويل المدى.
وانطلاقاً من هذا الإدراك، جعلت السعودية من الأمن حجر الزاوية في مسيرتها التنموية، فأثبتت أن الاستقرار ليس غاية في ذاته، بل رافعة أساسية للتنمية والازدهار الاقتصادي وهو ما تقوم عليه رؤية السعودية 2030 في بناء اقتصاد متنوّع ومستدام.
ومن هذا المنطلق، جاءت خطوة السعودية الأخيرة لتعميق شراكاتها الأمنية امتداداً عملياً لهذا التوجّه؛ ففي 17 سبتمبر 2025، وقبل أيام من احتفالات اليوم الوطني الخامس والتسعين، وقّعت المملكة مع باكستان اتفاقية دفاع متبادل تنص على اعتبار أي اعتداء على أحد البلدين اعتداءً على الآخر، مع التزام الطرفين باستخدام "جميع الوسائل العسكرية اللازمة" لحماية أمنهما المشترك.
هذه الاتفاقية، التي اكتسبت بعداً رمزياً بتزامنها مع مناسبة وطنية رفيعة، تبرهن على فهم السعودية العميق للعلاقة العضوية بين الأمن والتنمية: فتعزيز الشراكات الدفاعية ليس مجرد تحصين عسكري، بل أداة إستراتيجية لتهيئة بيئة استثمارية مستقرة تدعم مستهدفات رؤية 2030. ويبرز هذا التحالف بوضوح قدرة السعودية على تحويل أمنها الإقليمي إلى قوة دافعة لخططها الاقتصادية الكبرى؛ فالمناخ الاستثماري القوي يحتاج إلى استقرار وأمني متين يحفّز النمو ويدعم مسارات تنويع مصادر الدخل في عالم تتزايد فيه التعقيدات الجيوسياسية.
ولا يقتصر أثر الاتفاقية على تعزيز القدرات الدفاعية فحسب، بل يمتد ليصنع جسراً اقتصادياً متيناً بين الرياض وإسلام آباد. فتمثّل هذه الشراكة الدفاعية رافعة إستراتيجية لتعزيز التعاون الاقتصادي بين البلدين على نحو غير مسبوق؛ إذ تنتقل العلاقات المالية، التي شملت في السابق ودائع سعودية في البنك المركزي الباكستاني تراوحت بين 3 و5 مليارات دولار، من مجرد دعمٍ مؤقت إلى استثمارات إستراتيجية طويلة الأجل في قطاعات حيوية مثل الطاقة، والبنية التحتية، والزراعة. هذه الخطوة لا تدعم استقرار الاقتصاد الباكستاني فحسب، بل تفتح أمام الشركات السعودية آفاقاً أوسع للتوسع في أسواق جنوب آسيا، وبناء شبكات توريد وخدمات جديدة في واحد من أسرع اقتصادات المنطقة نمواً.
ويمتد تأثير هذا التحالف أبعد من حدود العلاقات السعودية–الباكستانية، ليشكّل عنصراً حاسماً في حماية سلاسل الإمداد العالمية التي ترتكز عليها مستهدفات رؤية 2030 في مجالي الطاقة والأمن الغذائي.
فتعزيز أمن ممرات بحر العرب لا يرسّخ فقط خطط السعودية لتصدير الهيدروجين الأخضر إلى الأسواق الآسيوية، بل يدعم كذلك استثماراتها الزراعية في باكستان المقدّرة بنحو 500 مليون دولار، بما يضمن وفرة واستقرار الإمدادات الغذائية على نطاق واسع. وبهذا يلتقي أمن الطاقة مع أمن الغذاء في معادلة واحدة تمنح السعودية موقعاً محورياً في ممرات التجارة الدولية، وتعزز مكانتها كمصدّر موثوق للطاقة التقليدية والمتجددة، وتطمئن المستثمرين العالميين إلى استقرار إمدادات حيوية تمسّ أسواق الشرق والغرب معاً.
وعلى الصعيد الداخلي، يشكّل هذا التحالف رافعة لتسريع مستهدف السعودية بتوطين 50% من إنفاقها العسكري بحلول 2030. فالتعاون مع باكستان في مجال التصنيع الدفاعي-ولا سيما الاستفادة من خبرتها في إنتاج المقاتلة- JF-17يفتح المجال لإنشاء خطوط إنتاج مشتركة ونقل التكنولوجيا المتقدمة، ما يعزز القدرات الدفاعية للسعودية ويصنع وظائف نوعية للشباب السعودي. وبهذا يتحوّل الإنفاق العسكري من مجرد مشتريات خارجية إلى استثمار مباشر يضيف للناتج المحلي الإجمالي، ويجمع بين قوة الردع العسكري وبناء اقتصاد معرفي قادر على المنافسة عالمياً.
وسط تقلبات أسعار النفط والتوترات الإقليمية، يوفر هذا التحالف مظلة اقتصادية وأمنية تخفّف من أثر المخاطر في أسواق الطاقة، وتعزز ثقة المستثمرين.
مستشارة في الشؤون الدولية والإستراتيجيات العالمية