قريباً .. طرح أوراق التمويلات السكنية (التوريق)

خبر مهم عن سماح البنك المركزي السعودي (ساما) للشركة السعودية لإعادة التمويل العقاري بإطلاق أول برنامج محلي للأوراق المالية المدعومة بالتمويلات السكنية، أو الرهن العقاري، الذي تحدثنا عنه في مقالات سابقة، وأهمية الفكرة أن هذه الأوراق أو الصكوك أو السندات ستكون إضافة جديدة ومهمة للسوق المالية السعودية، لأنها أولاً غير موجودة حالياً، وهي نفسها سندات MBS المعروفة في الأسواق الدولية، التي تختلف عن الصكوك في عدة جوانب، وتتمتع بجاذبية معينة لدى فئات كثيرة من المستثمرين. سأحاول التطرق إلى عدة نقاط مهمة حول هذه الأدوات الجديدة، وعلاقتها بالتمويل العقاري وكيفية الاستثمار فيها، وما علاقتها بالبنك المركزي وهي أوراق مالية، وهل هذا النوع من الأدوات الاستثمارية هو المتسبب في الأزمة المالية العالمية عام 2008، وغير ذلك من نقاط.

الخطوة هذه في الحقيقة تعد إضافة مفصلية في مسار تطور السوق المالية السعودية، هذا على الرغم من أن الخبر في حد ذاته لا يشير صراحة إلى أن هذه الأدوات ستكون متاحة للأفراد، ولا إن كانت ستكون متاحة من خلال السوق المالية، لكن من الواضح أن هذا هو التوجه، وهذا ما نحن مقبلون عليه، وسبب الحاجة إلى موافقة ساما أن عملية التوريق في الأساس مبنية على التمويلات العقارية السكنية التي يختص بها البنك المركزي، وآلية التوريق في حد ذاتها ليست من اختصاص هيئة السوق المالية، بل إن دور الهيئة يأتي لاحقاً، حين تقرر شركة إعادة التمويل (المملوكة من قبل صندوق الاستثمارات العامة) طرح ما يتم توريقه من تمويلات في السوق المالية، سواء كطرح خاص لفئات معينة من المستثمرين أو طرحاً عاماً للجميع.

تحدثنا سابقاً عن المشروع القائم بين شركة إعادة التمويل والمؤسسة المالية "بلاك روك" المعني بتطوير سوق التوريق محلياً، وللتذكير فالتوريق ليس له علاقة بالتورق - الصيغة الشرعية للتمويل الشخصي عادة - بل إن التوريق عملية تحويل أصول غير سائلة، كالقروض العقارية التي يمتلكها بنك أو شركة تمويل، إلى أوراق مالية يمكن بيعها وشراؤها بين المستثمرين، ولذا فإن شركة إعادة التمويل تسعى إلى توسيع قاعدة المستثمرين المستهدفين لتتمكن من بيع ما لديها من محافظ تمويلية تشتريها هي من الجهات المقدمة للقروض العقارية السكنية. ولكي تكون عملية البيع سهلة وسلسة فلا بد من توريق تلك المحافظ التمويلية أولاً، ومن ثم يجب أن تكون هناك سهولة في تداولها، وبالتالي تكتمل دورة الاقتراض، حيث تقوم البنوك بإصدار القروض ثم بيعها إلى شركة إعادة التمويل التي بدورها تقوم ببيعها إلى مستثمرين للحصول على تمويل جديد تقوم الشركة من خلاله بشراء محافظ قروض جديدة، وهكذا. ودور "بلاك روك" وغيرها من جهات متخصصة هو العمل على تنظيم هذه الآلية ووضع الأسس والقواعد والمواصفات اللازمة لهذه الفئة الجديدة من الأوراق المالية.

كذلك ناقشنا الأسبوع الماضي قرار هيئة السوق المالية السماح بالطرح العام لصناديق الائتمان الخاصة، كجزء من الصناديق التمويلية، بحيث يسمح لهذه الصناديق بتقديم التمويل المباشر وغير المباشر، وهنا تأتي أهمية أدوات التوريق الجديدة في كونها داعمة لتلك الصناديق الجديدة، حيث يمكنها شراء محافظ تمويلية من المصدرين أنفسهم وكذلك يمكنهم شراء أوراق التوريق التي تصدرها شركة إعادة التمويل، وبالتالي ستكون هناك منظومة نشطة وفعالة لدعم التمويل العقاري، السكني على وجه الخصوص، من خلال هذه الآليات الجديدة.

جاذبية أوراق التمويل العقاري الجديدة هي أنها تختلف عن الصكوك المعتادة في عدة نقاط، أولها أن التوزيعات الدورية تشمل الفائدة وجزءا من رأس المال، على عكس الصكوك التي تمنح فقط فائدة دورية ومن ثم تعيد رأس المال للمستثمر في نهاية مدة الصك أو السند، وهذه مهمة في أنها مفيدة لأولئك الذين يفضلون توزيعات دورية كبيرة نسبياً. علاوة على ذلك، فالتوزيعات الدورية في أوراق الرهن العقاري تكون غالباً شهرية، بينما في الصكوك تكون مرة أو مرتين في العام، وهذا اختلاف آخر مهم. ومن جهة المخاطرة، فذلك يعتمد على أوجه المقارنة، فالصكوك الحكومية في المملكة آمنة إلى حد كبير وبالتالي تأتي عوائدها بالتناسب مع ذلك، بينما في أوراق القروض السكنية فالمخاطرة غالباً أعلى، فتكون عوائدها أعلى، علماً بأن شركة إعادة التمويل لديها طرق معينة لإصدار فئات مختلفة من أدوات التوريق هذه، بحسب شروط ومواصفات الورقة. فمثلاً، هناك أوراق تضمن لحاملها استلام التوزيعات حتى في حال حدوث تعثرات كبيرة لدى المقترضين الأصليين (الأفراد الذين حصلوا على التمويل العقاري)، وهناك أوراق تتأثر بعمليات السداد المبكر، فينخفض مقدار التوزيع الدوري أو يتأخر وقت سداد التوزيعات، وهناك أوراق لا تتأثر بأي من ذلك، وهكذا.


أما عن علاقة آلية التوريق الجديدة بالأزمة المالية 2008، فهذه الأوراق لم تكن السبب في حد ذاتها، بل إن السبب كان الخلل في رداءة القروض الممنوحة في ذاك الوقت، والتوسع المفرط في منح القروض، والإفراط في استخدام المشتقات والرافعات المالية لدى البنوك العالمية، إلى جانب تضليل وكالات التصنيف الائتماني. أما في حالة المملكة فالوضع مختلف، كون الآلية تأتي وفق معايير شفافة وصارمة، إلى جانب الاستفادة من الخبرات السابقة، لذا فمن المفترض أن ذلك يؤدي إلى تعزيز الاستقرار المالي، وبالطبع لا شك أن هذا التطور وما يعنيه من مرونة وزيادة في السيولة لدى الجهات المانحة للقروض قد يؤدي إلى تسابق تلك الجهات على منح القروض من باب المنافسة وتوافر السيولة، ما قد يؤدي إلى اهتزاز المنظومة الائتمانية والتأثير في السوق المالية والاقتصاد بشكل عام.


أخيراً، من المتوقع أن تكون أوراق التمويل العقاري المتداولة متاحة في السوق المالية لجميع المستثمرين قريباً، وستكون هذه إضافة جديدة ومهمة للسوق المالية، وآلية داعمة لنشاط شركة إعادة التمويل، وسوق الدين بشكل عام، وفرصة استثمارية لصناديق التمويل الجديدة التي أعلن عنها أخيراً، وستكون رافداً قوياً ومكملاً للسوق العقارية والتمويل العقاري للمواطنين، وهذه النتائج المتوقعة مبنية على ما نراه في كثير من الأسواق العالمية الكبرى.


مختص بالأسواق المالية والاقتصاد

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي