"مشاعل الرياض" كان هنا سوق .. غدا ماذا؟

"مشاعل الرياض" كان هنا سوق .. غدا ماذا؟

"مشاعل الرياض" كان هنا سوق .. غدا ماذا؟
"مشاعل الرياض" كان هنا سوق .. غدا ماذا؟

"كان هنا سوق".. هكذا يعبر سكان العاصمة السعودية عن سوق "مشاعل الرياض" التي كانت في يوم ما، ملء السمع والبصر، لكن كحال الجمادات التي تنقرض بفعل التطوير والمدنية، طواها النسيان كما طوى غيرها من الأماكن، رغم أنها تقع على طريق الملك فهد وفي أغلى حي من أحياء الرياض "العليا"، وظل ركامها المتهدم محصورا بين برجين من أشهر أبراج المدينة "الفيصلية" و"التأمينات".

وبعد أكثر من 40 عامًا من الذكريات، تودع السوق سكانها وزوارها، معلنًة نهاية فصل عمراني وتجاري، بعد أن شهدت ازدهار العاصمة وتحولاتها السريعة.

المشروع الذي افتُتح عام 1403هـ (1983) كان يومًا من أبرز معالم الرياض وهو الذي عرّف السعوديين على "المولات" إذ احتوى على مقاهٍ ومتاجر ومكتبات، إلا أنه قضى نصف عمره تقريبًا مهجورًا، بعد أن تراجعت الحركة فيه منذ مطلع الألفية ليظل خاليًا لـ20 عامًا قبل هدمه خلال الأسابيع الماضية.

امتاز "مشاعل الرياض" عن كونه مبنى تجاريًا وسكنيًا عاديًا، فهو صُمم وفق الطراز المعروف بـ "الصناديق السوداء" Black Boxes المستلهم من شيكاغو الأمريكية، احتضن وحدات سكنية راقية ووفّر مساحات تجارية ومقاهي، في وقت لم يكن فيه السكن في الشقق ولا ثقافة المقاهي مألوفة لدى المجتمع السعودي.

المركز كان جزءًا من المنافسة العمرانية مع "مجمع الثمانين" المقابل له، حيث أعطت المنطقة بعدًا حضاريًا مميزًا في الثمانينيات والتسعينيات. وبحسب منصور العساف، سُمّي "مجمع الثمانين" اعتقادًا بأن عرض الشارع الفاصل بينهما 80 مترًا، بينما الحقيقة أنه يقترب من 100 متر.

المنطقة ضمّت أسواقًا ومطاعم فاخرة مثل أسواق الجوهر، أول سوق مغلقة بنظام البيع الشامل الأمريكي التي افتتحت في شوال 1400هـ، وأُغلقت عام 1404هـ لتحل مكانها أسواق سروات التي لم تدم طويلًا، إضافة إلى مطاعم جاد وهارديز، ومراكز ترفيهية مثل بلاد الألعاب، وفق ما أشار العساف، ما جعلها وجهة بارزة للعائلات والشباب في تلك الفترة.

لم يكن المشروع عشوائيًا، بل جاء ضمن الشريط التجاري الذي خططه المعماري اليوناني الأمريكي كونستانتينوس دوكسيادوس في المخطط الهيكلي لمدينة الرياض. المخطط اعتمد على التدرج الشبكي وتقسيم العاصمة إلى وحدات متدرجة للسكن والعمل، مع توقع وصول عدد سكانها إلى مليوني نسمة بحلول عام 2000 وكان الشريط التجاري محورًا للأبراج والمجمعات الحديثة، ومن ضمنها "مشاعل الرياض".

وعلى مدار العقود، شهد المركز تغيرا كبيرًا في قيمته العقارية، فبحسب ما ورد في كتاب "تخطيط المدن في المملكة العربية السعودية" للمهندس عمر قاضي والدكتور حازم محمد إبراهيم، بلغ سعر المتر في حي العليا عام 1379هـ نحو 1535 ريالًا، بينما وصل اليوم إلى نحو 35 ألف ريال، لتتجاوز قيمة الأرض الحالية 245 مليون ريال.

ورغم أن "مشاعل الرياض" كان مشروعًا تجاريًا وسكنيًا، فإنه لعب دورًا اجتماعيًا وثقافيًا بارزًا. فقد احتضن مقاهي مثل المتكا، ومكتبة العنوان، التي شكّلت ملتقى للشباب والمثقفين، بينما كانت المنطقة كاملة متنزهًا لأبناء الطبقة المخملية في العاصمة، تعكس الرخاء المجتمعي في تلك الحقبة.

واليوم، ومع إعلان الإزالة، يبرز الموقع كفرصة استثمارية قيّمة وسط الرياض، في وقت تشهد فيه العاصمة طفرة عمرانية واقتصادية. الأرض التي احتضنت "مشاعل الرياض" مرشحة لأن تصبح مشروعًا متعدد الاستخدامات، بما يعكس التحولات الكبرى في سوق العقار السعودية خلال العقود الماضية.

الأكثر قراءة