كلايد بيزلي .. كيف تصنع ثروة وراء القضبان ؟

كلايد بيزلي .. كيف تصنع ثروة وراء القضبان ؟

وصف الروائي الروسي دوستوفيسكي السجن في مذكراته بأنه "بيت الموتى"، فداخل جدران السجن تتوقف مظاهر الحياة، ويتمطط الزمن عن سبق إصرار وترصد حيث يصبح الوقت أكثر شيء رعبا في السجن.

لكن يحدث أن تلحق هذه القاعدة استثناءات بين الفينة والأخرى، على غرار ذاك الاستثناء الذي صنعه الشاب الأمريكي الأسود كلايد بيزلي؛ الذي تحول من مجرم قضى 11 عاما في السجن، بتهم عديدة منها حيازة وتعاطي المخدرات، إلى رجل أعمال ناجح بعد قضاء محكوميته.

لم يكن بيزلي يتخيل أن سوء أحوال الطقس في ليلة من ليالي السجن الكئيبة، التي أوقفت أطوار مباراة شيقة في لعبة الجولف، ستكون السبب وراء اقتناص فكرة عابرة، راودته في زحمة جدران الغرفة الضيقة داخل السجن.

انفجر الفتى الأسمر غضبا بعد إلغاء المباراة في منتصفها، فهو شغوف باللعبة ومتابع نهم لتفاصيلها، فضلا عن كونها حينذاك الوسيلة الوحيدة لمواجهة الوحدة وضمان بعض التسلية. أثار الغضب زوبعة في ذهن الرجل جعلت يتساءل: لماذا لا توجد نسخة مصغرة للعبة الجولف، على غرار تنس الطاولة، تلعب في صالة مغطاة بعيدا عن تقلبات الطقس؟

رغم غرابة الفكرة إلا أن بيزلي تمسك بها وبقوة، وشرع في بناء تصميم هندسي للعبة في مخيلته؛ شكل الطاولة ومساحتها وحدودها، والتفكير في قواعد وقوانين الرياضة الجديدة، حتى استطاع صياغة نموذج مكتمل في ذهنه وهو داخل السجن.

بعد مغادرته السجن واستعادة حريته، لم يلتفت هذا الفتى لعالم الجريمة مجددا بل سعى وراء فكرة حولها إلى حلم، فاشترى ما يلزمه من معدات ولوازم كلفته نحو 200 دولار، ليتولى بعدها بصبر ومثابرة ترجمة ما رسمه في مخيلته إلى لعبة حقيقة بتفاصيلها المختلفة.

نجح الفتى في تحويل الشغف إلى ابتكار، وقام باختبار اللعبة مرات عدة، بل واستدعى أصدقاء ومقربين له لاكتشافها، وإبداء ملاحظتهم بشأن ما قد يشوبها من نواقص في التصميم أو ثغرات في قوانينها.

كانت مهمة التسويق أصعب من الابتكار نفسه، كعادة أي فكرة جديدة، فقد تتعرض للسخرية والاستهجان من أصحاب النوادي والهيئات الرياضية. لكنه لم يستسلم، فليالي السجن الطويلة علمته الصبر والإصرار، حتى صادف مالك قاعة رياضية، أخبره أن المكان المناسب لطرح مشروعه هو أحد المعارض الموسمية للألعاب التي تقام سنويا في مدينة لوس أنجلوس.

عام 2003، قرر بيزلي أن يتوجه بنفسه إلى معرض البلياردو الموسمي الذي يقام في لاس فيجاس، لتقديم لعبته هناك على أمل العثور على شركة تحتضن مشروعه. تحققت أمنيته بقبول شركة تبني الفكرة وتصنيع اللعبة وتسويقها.

طرح لعبة بيزلي في السوق، وانتشرت سريعا بعد اكتشاف الجمهور لها. وساعد سعرها المناسب على مزيد من التسويق، فقد حدد سعر اللعبة الواحدة ما بين 170 و700 دولار، بحسب حجم الطاولة وأدواتها والملحقات الخاصة بكل واحدة.

في غضون عامين حققت اللعبة مبيعات تعدت 5 ملايين دولار، ما جعل السجين السابق ومبتكر اللعبة حاليا، يدخل عالم البزنس في ظرف وجيز. ثم ما لبثت تجربته أن تحولت قصة تحكى في عالم ريادة الأعمال، وصار واحدا من أشهر المتحدثين في اللقاءات والعروض التحفيزية للشباب.

أقوى عبرة تستخلص من مسيرة بيزلي أن حاضر الإنسان ليس دليلا على مستقبله، فرغم تعاسة السجن لم يسمح الرجل لليأس بالتسلل إليه، إذ سعى إلى تغيير واقعه السوداوي؛ سجين منحرف سقط بمعايير المجتمع، ليصبح رجل أعمال ومالك شركة خاصة وصاحب حكاية ملهمة تستحق أن تروى.

الأكثر قراءة