هل يمكن للحوافز المالية إقناع شباب الصين بالإنجاب؟

هل يمكن للحوافز المالية إقناع شباب الصين بالإنجاب؟

تستعد الصين لبدء صرف إعانة وطنية لرعاية الأطفال في 2025، في محاولة من صُنّاع القرار لمواجهة أحد أخطر التحديات طويلة الأمد: تقلص عدد السكان. ووفقًا لتقارير وسائل الإعلام الرسمية، ستقدم الحكومة المركزية 3600 يوان (503 دولارات) سنويًا عن كل طفل دون سن الثالثة.

وفقا لمجلة "بارونز"، يمثل هذا القرار أول دعم مالي مباشر على المستوى الوطني للأسر التي لديها أطفال رضع، وذلك بعد سنوات من التجريب على المستوى المحلي وتصاعد القلق بشأن انخفاض معدلات المواليد. وبالرغم من أن هذا المبلغ قد يبدو زهيدًا وفقًا للمعايير الأمريكية، إلا أن دخل الفرد الاسمي في الصين يبلغ نحو 13,687 دولارًا سنويًا، حسب تقديرات صندوق النقد الدولي.

تُظهر البيانات أن عدد سكان الصين انخفض للعام الثالث على التوالي، إذ سُجّل فقط 9.54 مليون مولود في 2024، مقارنة بـ 19 مليونًا تقريبًا في 2016. ويشكّل هذا التراجع تهديدًا هيكليًا للاقتصاد الصيني، ثاني أكبر اقتصاد في العالم، حيث يترجم انخفاض عدد الشباب إلى تراجع في القوى العاملة والإنتاجية، وتزايد الضغط على نظام التقاعد.

لكنّ فعالية هذا الدعم المالي البسيط في إقناع الأزواج بإنجاب الأطفال لا تزال محل شك. تقول ليو وين، محللة تسويق تبلغ من العمر 28 عامًا من مدينة هانجتشو: "أرى أن الحكومة تحاول، لكن هذا لا يكفي لتغيير رأيي. إن تربية الأطفال لا تقتصر على الحفاضات والحليب، بل تشمل التعليم والسكن ومسارنا المهني أيضًا".

يُظهر هذا التصريح التحدي الأكبر الذي تواجهه بكين. فبينما يُعدّ البرنامج تحوّلًا في موقف الحكومة المركزية تجاه دعم السياسات السكانية، يرى المحللون أن حجم الدعم لا يكفي لتغيير السلوك بشكل ملموس.

وتقدّر مجموعة "جولدمان ساكس" بأن تكلفة البرنامج نحو 100 مليار يوان (14 مليار دولار) سنويًا، أي أقل من 0.1% من الناتج المحلي الإجمالي. وبما أن الدعم سيشمل الأطفال المولودين قبل يناير 2025 والذين تقل أعمارهم عن ثلاث سنوات، فإن الإنفاق قد يصل إلى 250 مليار يوان في النصف الثاني من 2025. ومع ذلك، من المتوقع أن يكون تأثيره الاقتصادي محدودًا، بحيث يضيف 0.25% فقط إلى الناتج المحلي الإجمالي، وسرعان ما يتلاشى لاحقًا.

وكتب محللو "جولدمان" أن "التجربة الدولية تشير إلى أن برنامجًا بهذا الحجم قد لا يعزز معدلات المواليد"، مضيفين أن هذا التوجه الجديد يعكس "تفكيرًا سياسيًا جديدًا وتخطيطًا طويل المدى لمواجهة التحديات الدورية والهيكلية للنمو".

من جهتها، قالت ميشيل لام، كبيرة الاقتصاديين في "سوسيتيه جنرال"، إن هذه الخطوة "ذات تأثير لا يكاد يذكر، لكنها مهمة من حيث دلالتها الرمزية، وتمهّد الطريق لمزيد من الدعم مستقبلاً".

فلسنوات، كانت السلطات المركزية تفضّل الحوافز الضريبية أو الدعم غير المباشر بدلًا من المنح المالية المباشرة. أما الآن، فيبدو أن الصين بدأت تتجه نحو الدعم المباشر، حيث ستموّل الحكومة المركزية ما يصل إلى 95% من البرنامج في المناطق الأقل تطورًا.

وقد سبقت بعض الحكومات المحلية في هذا المجال. فمدينة هوهوت، عاصمة منطقة منغوليا الداخلية، قدمت دعمًا بقيمة 50 ألف يوان للطفل الثاني و100 ألف يوان للطفل الثالث. كما أطلقت مدن مثل هيفي وتيانمن وبانتشيهوا برامج مشابهة، لكن نتائجها كانت متفاوتة. ووفقًا لـ "جولدمان"، شهدت تيانمن تحسنًا مؤقتًا في معدلات الولادة بعد بدء الدعم في 2023، بينما نجحت بانتشيهوا في إبطاء وتيرة التراجع.

لكن يحذر الخبراء من أن الحوافز المالية وحدها لن تكفي لتغيير اتجاهات اجتماعية راسخة. فقد وصلت معدلات الزواج في الصين إلى أدنى مستوياتها منذ قرابة 50 عامًا، ويُرجع عديد من الشباب هذا إلى انعدام الأمن الوظيفي وارتفاع أسعار السكن والإرهاق النفسي، ما يدفعهم لتأجيل أو فكرة الإنجاب حتى التخلّي عنه.

بدأت بكين تدرك هذه التحديات الهيكلية. ففي تقرير الحكومة السنوي في مارس الماضي، وعد رئيس الوزراء لي تشيانج بتوسيع خدمات رعاية الأطفال وتخفيف العبء عن العائلات العاملة. لكن حتى الآن، لا تزال التفاصيل غير واضحة، وتطبيق السياسات متفاوت.

أما للمستثمرين، فتداعيات هذه التغيرات تتجاوز الجوانب السكانية. فالانخفاض المستمر في عدد المواليد قد يؤثر سلبًا في النمو الاقتصادي طويل الأجل، والطلب الاستهلاكي، وتوافر القوى العاملة، كما قد يعيد تشكيل قطاعات مثل التعليم والإسكان والرعاية الصحية والتأمين.

ويبقى السؤال: هل تمثل هذه الخطوة بداية لسياسة دعم أسري شاملة، أم مجرد لفتة رمزية؟ في الحالتين، التحدي واضح. فحسب توقعات الأمم المتحدة، قد ينخفض عدد سكان الصين إلى 1.3 مليار بحلول 2050، وأقل من 800 مليون بحلول 2100. وإذا لم تنتعش معدلات الخصوبة، فقد يُبنى مستقبل الصين الاقتصادي على قاعدة سكانية آخذة في الانكماش.

أما في الوقت الحالي، فيبدو أن معظم الأسر الشابة غير مقتنعة بأن بضعة آلاف من اليوان سنويًا كافية لتغيير القرار.

الأكثر قراءة